الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

مسجد عقيل بصلالة الشرقية .. طراز معماري فريد بلمسة حضارية

امتزج فيه المعمار المملوكي والفاطمي والفارسي والإسلامي
مسجد عقيل بصلالة الشرقية .. طراز معماري فريد بلمسة حضارية

استطلاع ـ أحمد أبو غنيمة:يقع مسجد عقيل بصلالة الشرقية المعروفة قديما بحافة السادة بولاية صلالة ويبعد عن المسجد الجامع بصلالة الوسطى مسافة لا تزيد عن 400 متر ويتوسط المسجد العديد من البيوت السكنية الآهلة بالسكان ويوجد إلى الشمال الغربي منه عدد من البيوت الأثرية المبنية من أحجار الجير والأخشاب والطين شيدها السكان في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجري وذلك بعد نزوحهم من أحياء ظفار القديمة (الرباط) إلى صلالة لاستواء أراضيها السكنية وقربها من الشريط الزراعي.
وقد شُيّد هذا المسجد في الربع الأخير من القرن الثاني عشر الهجري وتحديدا في عام (1188هـ/1774م) متوسطا الحي السكني القديم والى الجنوب منه يقع يوجد ميدان فسيح كان فيما مضى مقرا للمناسبات الاجتماعية والاحتفالات العامة إذ تعارفت كل مدن ظفار على تخصيص مثل هذه الميادين للمناسبات بأنواعها المختلفة ويعرف هذا الميدان ب "الغب"، وفي سبعينيات النهضة المباركة أقيمت بعض الاحتفالات الوطنية في هذا الميدان وأطلق عليه صاحب الجلالة ـ حفظه الله ـ ميدان الشعب.
أسس هذا المسجد الشريف عبدالله بن محمد بن عقيل بن زين باعمر كما يشير صاحب مواهب المنن الذي زار ظفار خلال تلك الفترة غير أن إكمال بناء المسجد كان على يد الشريف عبدالله بن أحمد بن عقيل بن زين باعمر كما هو شائع لدى الأهالي وكبار السن وأطلق عليه مسجد عقيل نسبةً إلى العلامة الفقيه عقيل بن عمران باعمر المتوفى سنة 1062هجري.
بُنِي المسجد على الطراز التقليدي الذي ساد ظفار خلال تلك الحقبة واستخدمت في البناء أحجار الجير وأخشاب جوز الهند (القبال) والأخشاب الرفيعة الطويلة (الركراك) والطين وقد تمت توسعة المسجد وتجديده في مراحل لاحقة وذلك في منتصف الربع الأول من القرن الثالث عشر الهجري/القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين ثم جدد في منتصف القرن الرابع عشر الهجري/القرن العشرين الميلادي وأخيرا أعيد بناؤه وتوسعته عام 2008م بعدما سقطت بعض أجزاءه وذلك على نفقة أحفاد المؤسس وبمساهمة أصحاب الأيادى البيضاء وروعي في التجديد الأخير أن يتوافق البناء والشكل مع النمط التقليدي إذ تم الاحتفاظ بالشكل الهندسي للمسجد والتصاميم التاريخية التي تميزت بها المساجد العمانية بحيث أن الداخل لهذا المسجد لا يجد فرقا بين المسجد الحديث والمسجد القديم وتم افتتاحه عام 2009م..
تشير الذاكرة الشعبية الى العديد من الفعاليات المرتبطة بهذا المسجد كالدروس الفقهية ودروس الحديث والاحتفالات المرتبطة بالمناسبات الاسلامية ويشتمل المسجد على عدد من المرفقات كزاوية الماء التي كانت فيما مضى موردا للعابرين وفناء خارجي (صحن المسجد) يستخدم لافطار الصائمين وحظي هذا المسجد بكم كبير من الأراضي الموقوفة لصالحه وكانت هذه الأوقاف تعطى للقائمين على المسجد وبعضها يصرف في ترميم وعمارة المسجد ولا تزال هذه الأوقاف مقيدة في سجل أوقاف ظفار.
وقد تأسس المسجد في البداية كمعتكف ومصلى عام 1188هـ الموافق 1774م على يد السيد عبدالله بن محمد بن عقيل بن زين العابدين ابن عقيل بن عمران باعمر باعلوي الحسيني حسب ما ورد في مخطوط (المواهب والمنن) للحبيب علوي بن أحمد بن حسن الحداد قال: "السيد عبدالله بن محمد بن عقيل بن زين العابدين بن الإمام عقيل بن عمران صاحب عباده واجتهاد ونور الاجتهاد ظهر عليه وبنى مسجداً للاعتكاف فيه والصلاة وتوفي السيد عبدالله قاصدا الحج بجدة ، وعقدنا بيننا عقد الأخوة ، رحمه الله رحمة الأبرار وجمعنا وإياه في دار كرامته الفردوس الأعلى برحمته وفضله".
* سبب التسمية
سُمي المسجد بهذا الاسم نسبةً للعلامة السيد عقيل بن عمران باعمر المتوفى في رباط ظفار عام 1062هـ والذي يعد من علماء عصره وصاحب المؤلفات الجليلة في الفقه واللغة والحديث ومنها: مخطوط فتح الكريم الغافر بشرح حلية المسافر ومخطوط مختصر الحديث والأثر وله رباط علم يقصده طلبة العلم في عصره من مختلف الأمصار الإسلامية وقبور بعضهم ممن دفنوا في مقبرة الرباط شاهدة على ذلك حتى اليوم ومذكور في الكثير من المصادر القديمة كالأعلام للزركلي وغيره من المصادر .
رسالة المسجد
كان مسجد عقيل كغيره من بيوت الله دار عبادة وقراءة للقرآن الكريم وكانت تقام في جنباته دروس في الفقه والسيرة وغيرها.. إضافة إلى الملتقيات الأسبوعية كقراءة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة، وقراءة المواعظ الدينية ليلة الإثنين وتسمى (الحضرة) وكان ممن درّس في هذا المسجد السيد فضل بن علوي مولى الدويلة وقاضي ظفار السيد أحمد بن محمد الغزالي والسيد حفيظ بن محمد بن برهام باعمر، وممن تولى إمامة المسجد المعلم عاشور بن راضي باحيد والمعلم عوض بن أحمد العجيلي رحمهم الله جميعا.
مراحل التوسعة
كانت مساحة المسجد في هذه الفترة لا تزيد عن اثني عشر مترا مربعا تقريباً وقد أقيم البناء على سارية واحدة، ثم قام السيد عبدالله بن أحمد بن عقيل بن زين العابدين باعمر (صاحب المقام) عام 1194 هـ الموافق 1780م بتوسعته من مصلى ومعتكف في مراحله الأولى إلى مسجد والأرجح أنها التوسعة الأولى.
وتعود التوسعة الفعلية للمسجد إلى عام 1365 هـ الموافق 1946 م إذ دعت الحاجة إلى إعادة بناء وتوسعة المسجد وقد قام على ذلك السيد عقيل بن أحمد بن عبدالله الهادي باعمر والسيد عبدالله بن محمد بن برهام باعمر وكان سقف المسجد من قبال جوز الهند وفوقها أحجار القص المسحول وبعدما تعرضت المنطقة للإمطار غزيرة في عام 1948م والمسماة محلياً سنة (الحيمر) سقط سقف المسجد وأعيد بناؤه بالركراك بدلاً عن حجر القص وقد بنيت جدران المسجد من حجر القص والطين الخطري وطليت بالنورة البيضاء، وأما السقف فكان من قبال جوز الهند والركراك من شجر الخفوت والبسط (الجسور) من شجر الميطان وغطي الركراك بليف من نخيل جوز الهند لمنع تساقط التراب على الأرض وقد أقيم المسجد على ست سواري بطول 13.75 متر وعرض 11.40 متر وبنيت المئذنة في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد، كما أقيمت أحواض للوضوء والغسل ويطلق عليها (المقالد) وبنيت بجوارها من الجهة الشمالية زاوية تملأ بالماء وتستخدم للشرب.
أما التوسعة الثالثة فكانت بإزالة المسجد القديم وتوسعته ليستوعب أعداد المصلين خاصة في المناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف والحضرة والحول واغتنام فرصة زيارة بعض العلماء لإقامة محاضرات ودروس علمية ومن دواعي التوسعة أيضاً بعض المناسبات الاجتماعية كعقود الزواج، إضافة إلى أن أجزاء من سقف المسجد بدأت في الانهيار وهذا ما شجع على البدء في تنفيذ المشروع، حيث بدأ العمل في بناء المسجد الجديد يوم الإثنين 10/3/2007م واستغرق البناء بجميع مراحله مع كافة التجهيزات عامين كاملين وقد روعي في البناء المحافظة على الطراز المعماري التراثي الفريد للمسجد، وقيم البناء الجديد على اثنتي عشرة سارية، وبلغت مساحة المسجد الداخلية 892 متر مربع، ومساحة الضاحي 159 متر مربع، أما مساحة القبو فقد بلغت 593 متر مربع أي أن المساحة الإجمالية للمسجد تقدر بـ 1644 متر مربع. ويتسع المسجد إلى ما يزيد عن ألفي مصل، هذا وقد تم افتتاح مسجد عقيل - بعون الله تعالى وتوفيقه يوم الثلاثاء 12 من ربيع الأول 1430هـ الموافق 10 من مارس 2009م.
الجدير بالذكر أن مسجد عقيل يعد من اقدم المساجد بمحافظة ظفار ويمثل النمط المعماري لبناء المساجد بمحافظة ظفار قبل 236 سنة ميلادية، كما تم الالتزام باشتراطات ومعايير اليونيسكو فى إعادة بناء المساجد القديمة بمواد حديثة، مع الالتزام بالحفاظ على الأنماط المعمارية القديمة بتفاصيلها المختلفة، وتم إجازة التصاميم ومراجعتها من وزارة التراث والثقافة كون المسجد مسجل ضمن التراث العماني ومازال إلى الآن محطة رئيسية لزيارة الوفود السياحية بمحافظة ظفار، ويجسد المسجد أربعة أنماط معمارية حيث يوجد به جزء من المعمار المملوكي والنمط الفاطمي والنمط الفارسي في الأقواس، ونمط العمارة الإسلامية وتمازجت تلك الملامح في مكان واحد، كما يميز المسجد بإطلالته على ساحات للمواقف فسيحة خاصة أنه يطل على ما يعرف بميدان الشعب والذي شهد أول احتفال بالعيد الوطني الأول لعصر النهضة المباركة لحضرة صاحب الجلالة ـ حفظه الله ورعاه ـ كما ان المسجد يقع بمنطقة تاريخية قديمة تجسد مساكنها النمط المعماري في مدينة صلالة قبل 300 عام.

المصدر جريدة الوطن

الأحد، 10 يناير 2010

الحبيب العلامة أبو المواهب عقيل بن عمر باعمر باعلوي الظفاري


بعد فترة غياب طويلة بسبب المشاغل التي منعتني من الاستمرار في التدوين بعد ان حاولت في الفترة الماضية تجميع بعض الابحاث والدراسات عن تاريخ المنطقة اعود اليوم واطرح ترجمة لاحد علماء ظفار من احد مواقع شبكة الانرتنت.
انه السيد المعروف في ظفار باسم عقيل بن عمران المتوفى سنة 1062 هـ وللعلامة الحبيب عقيل بن عمران الكثير من المؤلفات والاعمال الجليلة في خدمة الدين والمجتمع وبنى احفاده في حوالي سنة 1188 هـ المسجد المعروف باسم مسجد عقيل تخليدا لذكرى هذا الشيخ القطب والان انقل لكم الترجمة


ترجمه السيد العلامة عقيل بن عمر (عمران) بن عبد الله باعمر باعلوي الظفاري )


نفعنا الله به و بعلومه في الدارين



نسبه الشريف:
هو السيد الشريف العلوي الحسيني العلامة أبو المواهب الحبيب عقيل( توفى محرم 1062 هجرية) بن عمر(توفى مستهل شهر رجب 1045 هجرية في ظفار و دفن بمقبرة الشيخ عبدالرحمن بعوقد ظفار من الجهة الشمالية ) بن عبدالله بن علي بن عمر بن سالم بن محمد الرخيلة (ولد بتريم و تزوج الشريفة علوية القارة الصغرى بنت الإمام عبدالرحمن السقاف بن محمد مولى الدويلة) بن عمربن علي بن عمر مولى الدابه ( ولد بتريم و توفي بها سنة 743 هجرية) بن أحمد الشهيد(ولد بتريم سنة 610 هجرية و دفن بمسجد باقشير بقسم /حضرموت سنة 706 هجرية) بن محمد الفقيه المقدم قطب الطريقة العلوية و مؤسسها(ولد بتريم عام 574 هجرية و توفي بذي الحجة 653 هجرية، تزوج الشريفة زينب أم الفقراء بنت أحمد بن محمد صاحب مرباط ) بن علي بن محمد صاحب مرباط( الجد الجامع لجميع السادة آل باعلوي الكرام،ولد بتريم و توفي بمرباط سنة 556 هجرية) رضي الله عنهم أجمعين.

قال تلميذه الحبيب محمد بن أبي بكر الشلي رضى الله عنه في كتابه المشرع الروي في ترجمته للسيد عقيل باعمر باعلوي:

كنيته أبو المواهب، الشهير بالمشارق والمغارب، مربي المريدين، دليل السالكين، أحد العباد المشمرين. الذي هيأ أسباب الرشد و الهداية، و أنال الطالبين الرشد و الدراية، شيخ الإسلام و قدوة الأنام و علم الأعلام، ولد رضي الله عنه بقرية الرباط من قرى ظفار الحبوظي، سنة 1001هـ، و حفظ القرآن المجيد على طريقة التجويد، واشتغل بطلب الفضائل، و صحبة العارفين الأماثل، فأول سماعه و هو ابن عشر سنين من السيد الجليل شهاب الدين أحمد بن محمد الهادي بن شهاب الدين بظفار، وأخذ عنه وعن غيره من العلماء.
سياحاته:

و كان له في ابتداء أمره سياحات، وعظيم اجتهادات، فكان ينعزل عند قبر جده الأعلى محمد بن على بمرباط المدة المديدة، و كذلك عند قبر العارف بالله تعالى صاحب حاسك، وربما تعبد في بعض الجبال قريب البلاد،

سنده خرقته الصوفية:

ثم اشتاق للارتحال، لبلوغ المقاصد و الآمال، فارتحل إلى الديار الحضرمية، فلقي بها من السادة العلوية، وأئمة المهدية، ما نال بسببهم كل امنية، وأخذ بتريم عن تاج العارفين، الشيخ زين العابدين، العيدروس و أخيه الشيخ شيخ وابن أخيه شيخنا شيخ الإسلام عبدالرحمن السقاف العيدروس، وأخذ عن السيد الجليل محمد الهادي ابن عبدالرحمن ولازمه ملازمة تامة، وأخذ عنه عدة علوم، ولبس الخرقة الشريفة من هؤلاء المذكورين و تفقه على شيخنا القاضي السيد أحمد بن حسن بلفقيه، وأخذ التصوف و الحقائق عن السيد الجليل أبي بكر الجنيد وعلي بن عمر بن عبدالله باهارون بروغة، و صحب السيدين العظيمين الحسن و الحسين ابني الشيخ أبي بكر بن سالم بعينات، وغيرهما من أولاده، وأخذ عن الشيخ حسن باشعيب بالواسطة، ثم رحل إلى اليمن للسيد العارف بالله تعالى عبدالله بن علي بن حسن، ثم رحل إلى الحرمين الشريفين وأدى النسكين العظيمين، سنة 1033هـ و حضر دروس شيخ مشايخنا السيد عمر بن عبدالرحيم البصري الفقيه وغيرها، واخذ عن الشيخ الكبير أحمد بن علان و السيد الجليل علي بن عبدالله باهارون، و العارف بالله سعيد بابقي وغيرهم،

ثم رحل لطيبة لزيارة القبر المكرم، فزار جده محمداً (صلى الله عليه و سلم) ، وأخذ بها عن جماعة من العارفين، ثم دعا إلى شيخه العارف بالله تعالى عبدالله بن على بالوهط و لازمه ملازمة تامة، و أخذ عنه علوماً خاصة وعامة، وحظي عنده حتى صار من أعيان أصحابه و خواص أحبابه، وألبسه الخرقة الشريفة،
ولما ألبسه قال فيه:
لبست تلك الخرقة الأنيقة ****** و حزت أسرار لها دقيقة
فهمت ما قد لاح أو تلالا ****** من نور تلك البرقة المشيقة
وأنت مخطوب لسر معنى ****** أهل الطريقة صرت والحقيقة

عودته لبلده ظفار :

ثم عاد إلى مدينة تريم بعلم عظيم جسيم، وأخذ عنه جماعة كثيرون عدة فنون، ثم ثنى عنانه وقصد أوطانه، فلما وصل لوطنه ظفار، ألقى بها عصى التسيار، ونصب نسه لنفع الأنام، الخاص منهم والعام، وهداية الرائح والغادي وإرشاد الغاوي، فشاع ذكره وذاع وعم به الانتفاع، وأخذ عنه جماعة كثيرون.

تلاميذه:
و تخرج به علماء عارفون، وصحبه خلائق لايحصون، منهم السيد الصالح الولي ابن عمه عمر بن علي بن عبدالله، وولده السيد الكامل العالم العامل، صاحبنا السيد علي بن عمر بن علي الشهير بإقليم ظفار كالشمس وسط النهار، ومنهم أولاده السادة العارفون أحمد وطه و زين العابدين، و شيخنا عمر بن عبدالرحيم بارجاء الشهير بالخطيب، والشيخ الكبير محمد بلعفيف وأبوه الشيخ أبوبكر صاحب طاقة، و الشيخ أحمد حاسكي بن الشيخ سعد و غيرهم. واجتمعت به في ظفار سنة 1051هـ ، و قرأت عليه كتاب التنوير لابن عطاء، وبعض إحياء علوم الدين، و قرأت عليه تأليفه المسمى (فتح الكريم الغافر في شرح حلية المسافر)، وسمعت بقراءة غيري كتباً كثيرة، وألبسني الخرقة الشريفة بيده الكريمة، وحكمني وأجازني في جميع مروياته، وأذن لي في الإلباس وله مؤلفات مفيدة في علوم عديدة، منها العقيدة، وهي منظومة، و شرحها شيخنا الشيخ أحمد بن محمد المدني الشهير بالقشاشي شرحاً عظيماً، وشرحها أيضاً تلميذه العارف بالله تعالى علي بن عمر باعمر بأبسط من شرح شيخنا، و له شرح على قصيدة العارف بالله تعالى سعيد بن عمر بالحاف، التي مطلعها: لما بدت لي في حلية المسافر سماه فتح الكريم الغافر في شرح حلية المسافر، لم يسبقه غيره إلى نسج مثله، ورتبه على ترتيب السلوك إلى ملك الملوك، مع زيادة أمثلته في معنى السفر الحسي المعنوي. (سوف نطرحه في المنتدى للفائده)

و له نظم بديع الأسلوب تستحسنه المسامع والقلوب، وأكثر نظمه على طريق الصوفية في العلوم الحقائقية، والحضرة الربانية، والحضرة المحمدية، وكان يحب السماع الذي تستحسنه الطباع. وكان له جاه واسع وصيت شاسع، طبق فضله طباق الأرض، وعم نفعه الطول والعرض، لا ترد له شفاعة، وكل من أمره بشيء أجابه بالسمع والطاعة، وكانت أخلاقه شريفة، وشمائله لطيفة، وكان ملجأ للوافدين، وحرماً آمناً للخائفين، وملاذاً للقاصدين، وكان يكرم الضيفان، ويكسو العريان، ويحسن على العام والخاص، والداني والقاص، ويجيب سائله، وينجح وسائله، وكان عن المذنب مغضياً، وإلى الصفح مفضياً، وللعثار مقيلاً، وللحائر دليلاً، وغير ذلك من صفات الكمال، التي يضرب بها الأمثال، وتمتد إليها أعناق الرجال، وكان ملازماً للاستقامة، التي هي أعظم الكرامة، ومن ثم لم تظهر منه الكرامات وخوارق العادات، إلا عند الحاجات و الضرورات.

من أقواله:

وكان يقول شفعت في أهل وقتي من قاف إلى قاف، إشارة إلى أنه أعطي الولاية الكبرى.

مؤلفاته:

1. كتاب: ( فتح الكريم الغفار في شرح حلية المسافر)،كتابنا هذا الذي يظهر للوجود للمرة الأولي بعد ما يقارب الأربعمائة سنة على شبكة الإنترنت

2. له منظومة في العقيدة شرحها شيخنا أحمد بن محمد المدني الشهير بالقشاشي شرحاً عظيماً و شرحها تلميذه العارف بالله تعالى السيد علي بن عمر باعمر باعلوي بإبسط من شرح شيخنا.

3. (( منتخب الزهر و الثمر في غريب الحديث و الأثر))، و هي رسالة في خزانة الرباط بالمملكة المغربية ( 1778 ك) لم نستطع الحصول عليها إلى الآن.. 4. له كثير من النظم في التصوف.

وفاته:

ولم يزل في ظفار سراجاً منيراً، في تلك الديار إلى أن دعاه أجله فلبى، وقضى من الحياة نحباً، وتوفي رحمه الله ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من محرم سنة 1062هـ، وشيعه خلائق لا يحصون، وأسف على فراقه العالمون بقدره و الجاهلون، ودفن بقرية الرباط، التي بلوغ المطالب بها يناط، و قبره بها معروف، و باستجابة الدعاء موصوف، ورثاه تلميذه صاحبنا السيد علي بن عمر بقصيدة أولها:
سلام على من حل في لب خاطري ****** وإن غاب عن عيني شهود النواظر
محب ومحبوب وداعٍ إلى الهدى ****** وفتاق سر السر من قرب قادر

ثم قال في أثنائها:

لئن قيل معروف و بشر وحاتم ****** و سهل مقامات جنيد البواهر
وغزال تصنيف ومحضار سطوة ٍ ****** وجيلان بغداد سما عند غافر
و بسطام أحوال وشبلي وشاذلي ****** أبو الغيث جذبات حظي بالبشائر
ففيه انطوت أحوالهم و تجمعت ****** فصار إماماً في الحقائق ماهـر

وهي طويلة ورثاه غيره أيضاً رحمه الله تعالى. انتهى قول تلميذه صاحب المشرع))


ترجمة الحبيب عقيل باعمر الظفاري بيد مريد آخر:

قال السيد العلامة علي باعمر (المتوفي بظفار 1096 هجرية) عن شيخه السيد العلامة عقيل بن عمران باعمر في كتابه الذي شرح فيه منظومة العقيدة لشيخه:

(( فمن أجل مشايخ سيدي الناظم قدس الله روحه، السيد الشريف قطب دائرة الأولياء وإمام العارفين الأصفياء، عبدالله بن علي بن حسن بن الشيخ علي بن أبي بكر علوي، يعرف بصاحب الوهط لما سكنها، ودفن بها، وكان سيدي الناظم، لما سافر قاصداً حجة الإسلام، وزيارة جده المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، اجتمع بالسيد عبدالله بن علي، وكان لسيدي محبة صادقة ومودة خالصة في السيد المذكور، مع تحصيل العلم من قريب و شاسع والهمة العالية في تحصيل الأخلاق المحمودة، وطلب الفائدة من أهل العلم والأحوال السنية، فلما رآه السيد عبدالله بهذه المثابة أي الحالة، مع ما سبق له من تخصيص العناية، أحبه وقربه منه، وأتحفه بالسر المصون، كما هو شأن العارفون بالله والعلماء العاملون، وألبسه خرقة التصوف الخاصة، المسماة خرقة الإرادة، واذن له في إلباسها، فأفاض عليه من فيض جوده وكرمه، وسكب عليه من غيث مواهبه و فضله، مما لا يحصى من عظيم العطايا الجزيلة والمقامات العلية، وغرايب المكاشفات والمشاهدات السنية، مالا ينكرها إلا أعمى بصيرة محروم، أو حاسد، من ريح محبة الله وأوليائه مزكوم، ولما ألبسه الخرقة الأنيقة، قال فيه هذه الأبيات وهي أعظم شاهد له بالولاية الكبرى، والسبق في ميدان الخلافة النبوية بلا مراء، نقلتها من خطه الشريف، ولله در شعره : لبست تلك الخرقة الأنيقة وحزت أسراراً لها دقيقة فهمت ما قد لاح أو تلالا من نور تلك البرقة المشيقة وأنت مخطوب لسر معـنى أهل الطريقة صرت والحقيقة ولا يخفى أن المخطوب هو المحبوب، الذي خطبته عناية الله، وشهد له من شهد من أمثاله، والمساوي له في أحواله، ومنهم السيد الشريف العارف بالله تعالى الهمام زين العابدين بن عبدالله بن شيخ العيدروس باعلوي، ألبس سيدي الخرقة، وكتب له اجازته، ومنهم السيد الجليل ذي الأحوال الصادقة والكرامات الخارقة، شهاب الدين أحمد بن محمد الحبشي باعلوي، ومنهم السيد الولي علي باهارون باعلوي، المجاور بمكة المشرفة، ألبسه الخرقة في السنة التي حج فيها، ومنهم الشيخ الكبير والعلم الشهير الصوفي حسن باشعيب، أخذ عنه تلقين الذكر بكيفيته وآدابه المعروفة عند أهله، ومنهم السيد المفضال العلامة الولي الكبير عبد الهادي بن شهاب الدين بن علوي، قرأ عليه سيدي في علم التصوف وغيره، وانتفع به جداً واقتبس من أنواره، وجذبه بمغناطيس أسراره، إلى أن وصل إلى ما وصل ببركته، ومنهم الشريف العلامة المحقق المتفنن عمر بن عبدالرحمن البصري، قرأ عليه أيضاً سيدي في السنة التي حج فيها، وتضلع من علومه السنية وأخلاقه المحمدية، ومنهم الشريف الفقيه العلامة البارع في أشتات العلوم شهاب الدين أحمد بن الهادي علوي، قرأ عليه سيدي في الفقه والحديث وغيرهما، وكان بينهما من التودد والتناصف ما هو مشهور، حتى كأنهما روحان في جسد واحد، وكان يعظم سيدي كثيراً ويثني عليه ثناءً جزيلاً، ومنهم الفقيه الورع المتقن السيد أحمد بن حسين بلفقيه علوي، قرأ عليه سيدي في الفقه وغيره قراءة متقنة يتضح بها التبيين، ويثمر منها علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ومنهم السيد الشريف الزاهد الولي الخامل الصوفي أبوبكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين علوي، قرأ عليه سيدي في علم التصوف والحديث وغيرهما، وانتفع به كثيراً، ومنهم الشيخ المشهور العلامة أحمد بن إبراهيم علان البكري، أخذ عنه سيدي التصوف وغيره بمكة المشرفة، ومنهم الفقيه المقرئ الشيخ جمال الدين محمد بن عبدالله باقشير الحضرمي، قرأ عليه سيدي في الفقه وغيره مع مذاكرة ومباحثة، ومنهم الفقيه أحمد بن عوض باحضرمي، قرأ عليه أيضاً في الفقه، وغير هؤلاء من العلماء الأعلام والمشايخ العارفين الكرام، وكلهم أثنوا على سيدي ومدحوه وشهروه، وشهدوا له بالولاية الكبرى، واجتمعوا على إثباتها وعظيم خصوصيته، واعترفوا بعلو منزلته، بل شهد له بعضهم بالقطبية، وهو جديرٌ بذلك، وهذا القول منهم اعتناءً به ومحبةً له، لما رأوه مجتهداً في طلب العلوم النافعة، ومشاركاً في جميع فنونها، لكن غلب عليه - نفع الله به- علم التصوف كأمثاله من آل باعلوي الكمّل، وهو المطلوب الأعظم لمن به الله أكرم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)).


(
منقول من موقع رباط الفقراء إلى الله

الاثنين، 2 نوفمبر 2009

تاريخ ظفار .. حتى عام 798هجرية/1396م للباحث أ.د / محمد جاسم المشهداني

ضمن ندوة ظفار عبر التاريخ كانت ورقة البحث بعنوان تاريخ ظفار حتى عام 798هجرية/1396م للباحث محمد المشهداني وفيما يلي ورقة البحث
((فإن الكتابة في تواريخ المدن العربية في تاريخنا المعاصر يعد امراً مهماً من ناحية التأصيل التاريخي لمختلف الجوانب التاريخية لأي منها ، إضافة إلى كونه يعبر مدى حب المواطن العربي لمدنه العربية والتعرف على تاريخها انطلاقاً من وحدة التاريخ العربيالمشترك الذي يعد من الروابط الأساسية بين أبناء الامة .


كما ان التاليف في تواريخ المدن العربية حالياً ليس بدعاً وإنما هو استمرار لمنهجية المؤرخين العرب المسلمين الذين كتبوا قبل اكثر من الف سنة في التواريخ المحلية للمدن العربية الاسلامية ، ولذلك فإن أي جهد يبذل لاعادة كتابة تواريخ المدن العربية يعد تواصلاً صحيحاً منهجية المؤرخين القدامى ، الذين كتبوا في تراث مدنهم ومناقبها .

ولو رجعنا إلى جهود المؤرخين العرب المسلمين وما كتبوه في هذا الاتجاه فإننا نجد هذه الجهود متنوعة وشاملة ، ونقتبس هنا قول المؤرخ أبي عثمان عمر بن بحر الجاحظ المتوفي سنة 255هـــ ، في كتابة المرسوم ( في الاوطان والبلدان ) إذ جاء في مقدمة كتابه ما نصه :
( وفقك الله بالتقوى ، وكفاك الله الهم من امر الآخرة والاولى ، واثلج صدرك باليقين ، واعزك بالقناعة وختم لك بالسعادة ، وجعلك من الشاكرين سألت أبقاك الله ان اكتب لك كتاباً في تفاصيل البلدان ، وكيفية قناعة النفس بالاوطان ، وما في لوزمها من الغش والنقص ، وما في الطلب من علم التجارب والعقل )
وذكرت قول القائل : ( الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم ، ونسيت أبقاك الله عمل البلدان ... إن السبب الذي بعث على جمع نتف من اخبار العرب في حنينها إلى اوطانها وشوقها إلى تربها وبلدانها ووصفها في أشعارها توقد النار في أكبادها ... ) .

ولذلك تجئ ندوة ظفار في ذات السياق المتعلق بذكر مناقب الاوطان والبلدان والحنين إليها ، والتي تدرج ضمن ذات السياقات الفكرية في إعادة كتابة تاريخنا القومي .
فالتاريخ المحلي لظفار والاهتمام به كجزء من التاريخ العماني ، يأتي انسجاماً مع الدعوة لاعادة كتابة تاريخ الامة عبر الزمن ، وهذا ما ندعو إليه ونؤكد عليه منذ سنين ، وعن كتابة التاريخ المحلي لعمان هو جزء لا يتجزأ من كتابة التاريخ القومي للامة العربية ، لاننا عندما نفكر في كتابة تاريخ المدن العربية محلياً ، فغننا ندعو بذلك إلى كتابة تواريخ كل المدن العربية قومياً وان ذكر مناقب المدن العربية يأتي انسجاماً مع كتابة تاريخنا القومي عموماً ، وإظهار كل ما يتعلق من تاريخها للتعرف بدورها في التاريخ العربي الانساني .

لقد وقع اختياري على موضوع ( تاريخ ظفار حتى عام 798هـــ/1396 م ) وذلك لما لظفار من أهمية في التاريخ العربي قبل الاسلام وبعده ،ولما لاهلها من تواضع وحسن اخلاق وفضيلة ومحبة للغرباء ... ) .
ومن خواص هذه المدينة وعجائبها انه لا يقصدها أحد بسوء إلا عاد عليه مكروه وحيل بينه وبينها ، كما قال ابن بطوطة ما نصه :
( ذكر لي ان السلطان قطب الدين تمهتن بن طوران شاه صاحب هرمز نازلها مرة من البر والبحر ، فأرسل الله سبحانه عليه ريحاً عاصفاً كسرت مراكبه ورجع عن حصارها وصالح ملكها ، وكذلك ذكر لي ان الملك المجاهد سلطان اليمن عين ابن عم له بعسكر كبير وبرسم انتزاعها من يد ملكها وهو ايضاً ابن عمه ، فما خرج ذلك الامير من دارة سقط عليه حائط وعلى جماعة من أصحابه فهلكوا جميعاً ، ورجع الملك عن رأيه وترك حصارها وطلبها ) ،
ولذلك فان المدينة العربية التاريخية تستحق منا وقفة لدراستها ومعالجة جوانب من تاريخها ، واقتصرت في ذكر المدة إلى سنة 798هـــ/1396م وذلك لبداية ضعف الدور السياسي للمدينة بعد ان بقيت فترة تحت حكم الرسوليين لها وقد اقتضت ضرورات البحث أن يكون في ستة مباحث ، تناولت:

أولا: منها ( تسمية ظفار ) ،
ثانيا:( الجغرافية التاريخية لظفار )
ثالثا:( ظفار في العصور القديمة وعصر ما قبل الاسلام ) .
رابعا:فيتناول ( ظفار في العصور الاسلامية ) وهو من اوسع مباحث الدراسة .

خامسا: فقد تطرقت فيه إلى موضوع ( التاريخ الاقتصادي لظفار ) .
سادسا: فقد تناولت فيه موضوع ( علماء ظفار) .
أن هذه الدراسة هي محاولة واجتهاد لتاريخ هذه المدينة العربية سائلاً الله تعالى ان يوفقني فيما ذهبت إليه من دراسة لهذه المدينة ، من اجل لإظهار جانب من جوانب تاريخها .

المبحث الاول
تسمية ظفار
_________

ضبط عدد من الجغرافيين والمؤرخين واللغويين تسمية ( ظفار ) بفتح اوله والبناء على الكسر ، بمنزلة قطــــــام وحذار ، وقد اعربه قوم ، وهـــــــــو بمعنى أظفره او معدول عن ظافر ، ومنهــــــم ابن خرداذبة ( ت، 300 هـــ ) ، والجوهري ( ت ، 398هـــ ) ، وابو الفداء ( ت ، 732هـــ ) ، وابن الاثير ( ت 630 هــــ ) ، وياقوت الحموي ( ت ، 626هـــ ) وهذا الراجخ في ضبط تسمية ظفار .

وهنـــاك من ضبط تسمية ظفار بضم الظاء بقولهم ( ظفار ) ، وهناك من يرى أن اللفظ ينطق احياناً ( ظفار ) او ( ظفور ) بسكون الظاء ، وفي احيان ( ظفار ) بكسر الظاء .
وتسمية ظفار ماخوذه من معناها من ( النبات العطر ) وهذا يدلل أصلاً على الفكره التي عبر عنها اليونانيون ، وذلك لاشتهار ظفار بتجارة البخور والعطر عبر التاريخ .
وورد تسمية ظفار في التوراه باسم ( سفار ) .
فالمدينة عريقة في القدم ، و ( سفار ) هو الحد الجنوبي لبلاد اليقطانيين وذلك باجماع آراء علماء التوراه ، وهي التي اشتهرت شهرة واسعة في العالم القديم ، وورد ذكرها في الكتب والمصادر القديمة وذلك لشهرتها هذه ولقدمها .
اما الفنيقيون الذين استوطنوا أرض عمان قبل ظهورهم في شرق البحر المتوسط ، فقد أطلقوا على ظفار تسمية ( أوفير ) وكذلك سماها اليونانيون ، وعرفت ظفار بظفار الساحل ، كما عرف عرفت فيما بعد بظفار الحبوض ، تمييزاً لها عن ظفار اليمن .
وبعد تدميرها ما بين سنة 618 – 619هـــ / 1221 - 1222م ، تم بناء مدينة المنصورة والتي سميت القاهرة والأحمدية قرب موقع مدينة ظفار ، ثم طغى اسم ظفار عليها فيما بعد كما سنرى من خلال الدراسة .

المبحث الثاني
الجغرافية التاريخية لظفار
_________________
كانت تسمية ظفار تطلق على الموضع التاريخي للمدينة المسماه ( ظفار) ثم اتسع هذا المصطلح ليشمل إقليماً أوسع من تحديد المدينة المحدودة المساحة ، فلقد ذهب كرتندن سنة 1837م إلى ان أقليم ظفار براً يمتد من مرباط الى دهاريز قصبة إقليم ظفار الساحلي .

وحقق ما اكده له فنرسلا نقلاً عن مبلغه في جده ، وعن هاينز بانه لم تعد في زمانه مدينة أسمها ظفار ، بل عن الاقليم الممتد من مرباط الى ريسوت هو الذي يحمل هذا الاسم ، وتقع ظفار في القسم الجنوبي الغربي من بلاد عمان ، وعلى ساحل البحر العربي في الرف الشرقي من اواسط الشاطئ الجنوبي لشبه جزيرة العرب .
ويمتد الاقليم بين خطي طول 47 – 52 و 10 – 56 شرقاً ، أي انه يقع بين رأس ( منجي ) شرقاً ورأس خربة على غرباً ، بطول يقرب من 240 ميلاً ، ممتداً بين الساحل الجنوبي عند خط عرض 45 – 56 شمالاً ، وصحراء الربع الخالي من الشمال أي مع امتداد خط عرض 30 – 19 شمالاً ، هذا بالنسبة للجغرافية .

اما بالنسبة لتحديد موظع ظفار من وجهة نظر المؤرخين ، فنجد من الاشارات القديمة الى هذا الموقع ، ما اورده بطليموس وقد حدد بطليموس المكان على خريطته ، وهو يتفق مع موقع ظفار ، وموقعها في جبال القمر ، وغبة القمر ، أي جون القمر التي تقوم عليه ظفار بالفعل ، اما موضع ( مهبط وحي القمر ) فمن خلال روايات بطليموس أنه كان قريباً جداً من الميناء السابق ريسوت ، ويتخلل هذا المكان سهل جيد الري على مسيرة نحو تسع ساعات طولاً وساعة عرضا عند طاقة ، حيث يبلغ اتساع له في العرض ، وهو أيضاً يجتاز التلال ويسمى الآن ظفار .

ويؤكد شبرنكر ان بطليموس ، استخدم المعلومات التي زوده بها الرحالون من الهند حتى الساحل الجنوبي الشرقي لبلاد العرب بطولة ، ولعله أصاب بإشارته الى المكان على خريطة بطليموس وهو يتفق مع موقع ظفار .

وقد وجد كارتر ( CARTER ) خرائب ست مدن أو نحوها في المكان الذي ذكره بطليموس لعلها كانت العواصم المتعاقبة للظفارية كما ذهب الى ذلك شبرنكر .
وقال الصاغاني : ( ظفار قرب مرباط وتعرف بظفار الساحل وإليه ينسب القسط وهو العود الذي يتبخر به ) ولذلك قيل " عود ظفاري منسوب الى ظفار ، وهو العود الذي يتبخر به " ، وهي على ساحل البحر الهند قريبه من الشحر ، وتبعد عن مرباط بحدود خمسة فراسخ ، أي ما يعادل 25 كيلومتراً .
وأكد أبو الفداء ( ت ، 732هـــ ) ان ظفار تقع على ساحل خور يخرج من البحر الجنوبي وعلى طرفه مدينة ظفار وهي قاعدة بلاد الشحر ، ويقطع البحر فيما بينها وبين بلاد الهند مع مساعدة الريح في شهر كامل .
وقال ابن بطوطه : ( قد قطعته مرة من قالقوط من بلاد الهند الى ظفار في ثمانية وعشرين يوماً بالريح الطيبة ، لم ينقطع لنا جري بالليل ولا بالنهار ) .

اما المسافات بين ظفار وبين غيرها من المدن والاقاليم فهي تعكس أهمية الموقع الجغرافي لظفار ، ومنها :
1.بين ظفار وعدن في البر ، مسيرة شهر في الصحراء .

2.بين ظفار وحضرموت ، ستــــــــــــــة عشر يوماً .

ولموقع ظفار الجغرافي أهمية عظيمة فهو يشغل جزءا من البقعة المحصورة بين خليج عمان ومضيق باب المندب وهو بهذا يشكل حلقة وصل بين الهند وشرق أفريقيا وموقع البلاد على ساحل البحر العربي اكسبها أهمية تجارية في ميدان البحر ، إذ تمر بموائها السفن التجارية مثل ميناء صلالة ومرباط .

وبالاضافة الى حصانة وأهمية الموقع الجغرافي لظفار فان الاستكشافات الحديثه أكدت وجود سور وقلاع تحيط بالمدينة إذ يقول ويندل عن رحلته الى ظفار ما نصه :
( وأول شئ عثرنا عليه هو رأس قمة عالية من جبل لم نر مثله ، وهناك تكوينات من الطوب تدل على وجود تحصينات دفاعية قديمة ، كانت تستخدم للدفاع عن المدينة ، وهناك كذلك برج مرتفع في الشرق خارج أسوار المدينة ، على بعد سنة أقدام منها ، يقف عليه المحاربون باعتياره موقعاً هاماً للسيطرة وانزال الهزيمة بالأعداء . وكان اهم ما في حملتنا هو العمل داخل هذه المنطقة شمال سور المدينة ، حيث يجد الجيولوجي آثار لمبان قديمة عظيمة ، وفي أعالي الصخور توجد قطع من البرونز الذي تم اكتشافه حديثاً بالمنطقة .
من أهم المناطق التي لفتت اهتمام المستكشفين في ظفار تلك الواحات التي تبعد مسافة سبعة وخمسين ميلاً شمال شرق صلالة ، وفي وادي النظور المتسع على الحافة الجنوبية لنجد . وقد زجدنا في هذه الواحات كذلك بعض الآثار القديمة .
في موقعنـــــــا هذا وخلال ساعة تقريباً وصلنا إلى تكوينات مدهشة تشير الى وجود أنواع من الزراعة قديماً .
كما وجدنا هنا إثنتي عشر مجموعة من أكوام الصخور وقد كانت باتاكيد مدافة تقع على الطريق المستقيم الذي يجري شمال وجنوباً ، كما يوجد هنا خط مستقيم بموازاة الغرب ، يتكون من مناطق حارة جداً ، وكانت هناك نقوش على بعض الأحجار ، ولكنها كانت غامضة وغريبة .
وهناك سور دفاعي في الجزء الشمالي ، وافضل تفسير لهلذه الأطلال هو انه كان يوجد هناك حصن للحراسة والسيطرة على مزارع اللبان ، وانها كانت منطقة هامة لانتاج البخور وعلى أية حال فان واحات نظور كانت محطة هامة للراحة على طريق القوافل المارة في الطريق الى الخليخ في الشمال على تجارة البخور واللبان ، وهكذا كان الهدف من إقامة هذا الحصن .
وقد كانت حنون وخور روري ونظور هي المواقع الوحيدة في ظفار كلها ، التي يمكن القول بانها تعود الى عصور ما بعد الاسلام .

المبحث الثالث
ظفار في العصور القديمة وعصر ماقبل الاسلام
________________________________
يرجع تاريخ ظفار الى العصور التاريخية القديمة ، اذ اقترن تاريخها بالدور الاقتصادي الذي كانت تقوم به عير العصور من ناحية الموقع الجغرافي ، ومن ناحية انتاجها الاقتصادي ، فقد عرفت ظفار منذ نبي الله سليمان عليه السلام ، إذ يروي بأن بلقيس ملكة سبأجعلت اللبان هدية الى الملك سليمان في القرن العاشر قبل الميلاد كما ذكر المؤرخ الانجليزي برستيد في كتابه تاريخ مصر ، مبيناً ان مادة المر الشبيهة باللبان وجدت في قبر توت عنخ آمون .

وروي ان احد علماء الآثار عثر عام 1971م على معبد غريب الشكل في شمال روديسيا يشبه الى حد كبير المعابد الفينيقية في ظفار ، إذ كان الفينيقيون استوطنو ارض عمان قبل ظهورهم في شرق البحر المتوسط ، وكانوا سادة المحيط الهندي واستطاعوا الوصول الى شرق افريقيا وجلبوا الذهب وريش النعام الى ظفار وكانوا ينقلونها الى جنوب العراق وفلسطين .
ويقول السالمي مؤرخ عمان بأن الآشوريين استولوا على عمان وطالبوا بدفع الجزية عينا باللبان الذي كانوا يقدمونه لأحد آلهتهم المسمى مردوخ .
وأشار البروفسور ( نيكسون ) إلى ان اللبان كان جملة السلع التي كانت تحمل الى الملك الآشوري سرجون الأكدي وذلك عام 750ق.م مع الخيول والجمال من الجزيرة العربية إضافة الى الأنسجة التي تستوردها عمان من الهند ، ثم تنتقل الى العراق والى الفراعنة ومصر .
وقد استهــــوى اللبان في اوفير ( ظفار) الاسكندر المقدوني أثناء حملته الى الشرق فأمر قائده ( نيار خوس ) بالتوجه بحراً من السند الى الجزيرة العربية ، بينما توجه هو غرب مدينة المحمرة في الساحل الشرقي لشط العرب ، واسمها القديم ( خاراكاس ) شرق مدينة البصرة ، وقد وصل القائد ( نيار خوس ) الى رأس مسندم في شمال عمان ، ولكنه قفل عائداً الى الاسكندر الذي استقبله في مدينة البصرة ، وفي رواية ان الاسكندر بعث الى الكـــــاهن الأعظم في أثينا بكمية من اللبان ، واوصاه بالاقتصاد في استعمالها ريثما يتم احتــــــــلال ظفار ( اوفير ) ويبعث إليه بالمزيد من هذه البخور المقدس ، إلا ان الاسكندر توفي قبل أن يحقق هذا الهدف .
وشاع ذكر مدينة ظفار في الكتب اليونانية إضافة الى ان بطليموس ذكرها في خريطته عن المنطقة وهو يتفق مع موقع ظفار ، وارجع الظن أن مدينة ظفار الساحلية أقدم من القصبة الحميرية .
وازداد الطلب على اللبان نتيجة للاستهلاك المتزايد في كل من بلاد النهرين ، وسوريا ، واليونان ، وروما ، حيث ازداد الطلب الى قمته في القرون الأولى الميلادية وكان ذلك هو العصر الذذي كان فيه اللبان من أهم السلع على الإطلاق يجري تصديرها من بلاد العرب الى الغرب ، بل من الجائز أيضاً الى الصين ، وهو الأمر الذي يمكن مقارنته بسلعة النفط في العصور الحديثة .
ويعد ميناء ( سمهرم ) المعروف بــ ( خور روري ) وهو في ظفار عمان من الموانئ المعروفة التي كانت في القرن الأولى للميلاد ، وعثرت البعثة الامريكية لدراسة الانسان فيه على بقايا خزف تبين لها من فحصه انه مستورد من موانئ البحر الأبيض المتوسط في القرن الأول للميلاد ، ووجوده في هذا المكان يشير بالطبع الى الاتصال التجاري الذي كان بين البلاد العربية الجنوبية وسكان البحر المتوسط في ذلك العهد .
وتثبت مدينة سمهرم الحصينة وجود مستوطنات من عصر ما قبل الاسلام في المنطقة ويعود تاريخها الى القرن الأول الميلادي ، ويبدو أن هذه المنطقة المنجة للبخور لم تكن فقط منطقة مهجورة تقوم بتصدير سلعة هامة بل انها كانت جزءاً من مجتمع حضاري يرتع بهذا الثراء .
ومن الحوداث السياسية المتعلقة بظفار قبل مجئ المسلمين إليها ، انه في عام 570 م أي قبل 52 سنة قبل الهجرة النبوية الشريفة غزت قوات الملك الساساني انوشروان مدينة ظفار واحتلتها .

البحث الرابع
ظفار في العصور الاسلامية
___________________

كما مر بنا كانت ظفار تحت الحكم الفارسي وعندما دخلت بلاد عمان في حضيرة الدولة العربية الاسلامية ، ادى الى دخول ظفار تحت السيادة العربية الاسلامية ، وتم تحريرها من السيطرة الفارسية على يد القائد العربي المسلم عكرمة بن أبي جهل ، وتتابع عليها الولاة في مختلف العهود الاسلامية .
وفي العصور الاسلامية أخذت ظفار مكانتها أيضاً إذ تأثرت بالاحداث التي شهدتها عمان بصورة خاصة وذكر ابن حوقل ( ت ، 340هــ ) أنه في سنة 154هــ / 770م كان المستولي على هذه البلاد أحمد بن منجويه إذ قال ابن حوقل ممن زار عمان في هذه السنة : " إن المستولى على هذه البلاد لما دخلتها في سنة أربعة وخمسين ومائة والمتحكم فيها أحمد ابن منجوية ، وكان دار حكمه بمرباط ، وهي مدينة صغيرة على شاطئ البحر ، وعلى مسيرة يوم ونصف منها مدينة ظفار وهي أيضاً له ، ويبدو أن المنجويين ظلوا مسيطرين على ظفار حتى سبعينات القرن الرابع الهجري .
وفي مطلع القرن السادس الهجري وتحديداً في سنة 500هــ / 1106 م تعرضت ظفار الى غزو فارسي ، غير أن سكانها تمنكوا من إعادة إعمارها .
وفي مطلع القرن السابع الهجري وتحديداً في سنة 600هــ/1203م، تغلب رجل من التجار يقال له محمود بن محمد الحميري على بعض بلاد حضرموت ، وظفار وظفار واستمرت أيامه في حضرموت الى سنة وتسع عشرة وستمائة وما بعدها ، وكان الطريق من ظفار الى بغداد سالكاً في سنة 616هـــ وذلك قبل تدميرها .
قال ابن المجاور : " كان من بغداد الى ظفار ومرباط طريق آمن يسلكه البدو في العام مرتين يجلبون الجيل ، ويأخذون عوضها العطر والبر ويرجعون الى العراق ، فلما تغلب أحمد بن محمد ابن علي هؤلاء فتحو في الملك ووقع خلف في البلاد ، وانقطعت الطرق واندثرت فلما حكم أحمد بن محمد بن عبد الله بن مزروع الحبوض آمن العباد وعمرت البلاد وخرج البدو على رؤوسهم في الطريق القديمة وصاروا على الطريق المستقيم بالخيل إلى ظفار ، فباعو واشتروا قلما أرادوا الرجوع قال لهم أحمد بن محمد : كيف علمتم الطريق ؟ قال أحدهم : غني سافرت مع أبي وانا طفل على هذه الطريق مرة واحدة فسرت الآن فيها بقياس التعقل تامة وكتب الله السلامة حتى بلغنا المقصد ، قال لهم : فمن أين تخرجون ؟ قالوا من مشهد الحسين بن علي بن أبي طالب ( يعني مدينة كربلاء التي تبعد 100 كم جنوب غرب بغداد ) ، فإذا وصلنا الى المنزل الفلاني افترق الطريق طريقين يأخذ أحدهما الى الحساء والقطيف والثاني يجئ الى مرباط وظفار ، فقال لهم : شاهد الله على بدوي سلك هذا الطريق ثانية لا يلومن إلا نفسه ، قالوا : ولم ؟ قال : نخاف أن يندرس الطريق لكثرة سلاكة فتجئ خيل أمير المؤمنين عليه السلام غائرة على تلك البلاد علينا ، وانا مع ذلك خربت البلاد وبنيت المنصورة لأقطع الشر عني ، فدخلت البدوان من بلد ظفار ولم يرجعوا إليها ومنها انقطع الطريق سنة ست عشرة وستمائة .
غير أن احمد بن محمد بن عبد الله الحبوضي أقدم سنة 618هــ/1221م وفي رواية سنة 619هــ/1222م الى تخريب ظفار وبنى المنصورة بدلاً منها وسكنت سنة ، وكان أحمد الحبوضي حذراً من الأعداء وكان يخشى على بلاده منهم ، لذلك فانه أقدم على تخريب ظفار سنة ثماني عشرة وستمائة خوفاً من الملك المسعودي أبي المظفر يوسف بن محمد بن أبي بكر ابن أيوب ، وبنى المنصورة وسماها القاهرة وسكنت سنة عشرين وستمائة والاسم المعروفة به ظفار وهي على ساحل البحر ، وقد أدير عليها سور من الحجر والجص ، ويقال من اللبن والجص ورتب عليه أربعة ابواب .
باب البحر ، ينفذ الى البحر ويسمى باب الساحل ، وبابين مما يلي البر وهما على الاسم لابواب ظفار المهدومة أحدهما مشرق يسمى باب حرقة ينفذ الى عين فرض والثاني مما يلي المغرب ويسمى باب الحرجاء ينفذ الى الحرجاء .
والحرجاء مدينة لطيفة وضعت على ساحل البحر بالقرب من البلد وما بني المنصورة إلا بالاحكام البلاد خوفاً على العباد ، فلما بنى المنصورة ولم يؤنبه إليه الملك المسعود ولا عاتبه فيما صنع ( كان امر الله قدراً ومقدوراً ) .
وكان بناء المنصورة على مقربة من ظفار والى الغرب منها ثم حملت هذه المدينة اسم ظفار بعده ، وأشاد المؤرخ ابن المجاور بمدينة المنصورة قائلاً : ( هواؤها طيب وجوها موافق وماؤها من خليج عذب فرات يطلع بها الفواكة كم كل فن من فواكة الهند : الفلفل والنارجيل ومن فواكة الساحلية قصب السكر والموز ومن فواكة العراق الرمان والعنب ومن النخل حمل ومن ديار مصر والليمون والاترنج والنارنج ومن السند النبق ومن الحجاز الدوم وهو المقل )
وفي سنة 664هــ/1265م قام امير هرمز محمود بن احمد الكوسي بغزو ظفار ونهبها ، وقد احتلت قواته الاقليم وسبت اهله ، ومن ثم دخلت ظفار في مرحلة تاريخية حاسمة ممثلة بالصراع بين الرسولين في اليمن وحكام ظفار .
كان دخول الرسولين لاول مرة الى اليمن بمعية حاشية ( توران باشا ) وهو شقيق صلاح الدين الأيوبي وفي رواية بمعية خلفه وشقيقه ( طغتسيكن ) وذلك عام 579هــ/1183م .
وبعد قيام الدولة الرسولية في اليمن بداية للاحتكاك بظفار وكان حاكم ظفار في ذلك الوقت سالم بن أدريس بن أحمد بن محمد الحبوضي ، وهو جد أحمد بن محمد الذي سيطر على ظفار بعد وفاة حاكمها ، وكان سالم الحبوضي قد جاء في الاصل من مدينة حبوض الحضرمية الواقعة بالقرب من شبام ، وكان أحمد بن محمد الحبوضي الذي يدعى بالنوخذه تاجراً ثرياً ذا حظوة كبيرة لدى حاكم ظفار بحيث ان هذا الحاكم عينه بمنصب وزيره الخاص حيث توفي الحاكم سيطر أحمد علي ظفار وهو الذي دمر ظفار عام 619هــ/1222م ، وبنى مدينة جديدة أسماها الاحمدية ، وكان اول إحتكاك مع ظفار سنة 678هــ/1279م ، إبان عهد الحاكم الرسولي المظفر يوسف بن نور الدين عمر ، وكانت مدينة ظفار حينذاك تحت سيطرة شخص يدعى سالم بن إدريس بن أحمد بن محمد الحبوضي .

أما سبب توجه الرسوليين لاحتلال ظفار فيعود لأسباب سياسية واقتصادية معاً .
فقد شهدت حضرموت في سنة 678هــ / 1279م كساداً اقتصادياً في ميدان الزراعة أدى الى حدوث مجاعة شديدة وناشدوا سالم الحبوضي حاكم ظفار تقديم معونة له كما اقترحوا عليه بيع حصونهم في حضرموت ، فقبل سالم العرض وذهب شخصياً الى المنطقة للإشراف على شراء الحصون المعروضة للبيع الواحد تلو الىخر .
ولم يصمد من الحصون أما الحبوضيين إلا حصن ( تريم ) التي تلقت المساعدة من الرسوليين وممثليهم في حضرموت ولم يكد سالم يعود الى ظفار حتى سارع الحضارمة الى طرد ممثليه واستعادوا حصونهم وعندما سمع الرسوليون في عاصمتهم ( تعز ) بتلك الأخبار شعروا بقلق إذ راو أن سيطرتهم على حضرموت قد تعرضت للتحدى من قبل الحبوظيين ، ثم ان القلق إنتابهم أيضاً من الاخبار التي أشارت إلى ان سالم كان قد أرسل مبعوثاً الى عدن وهو ميناء يقع تحت سيطرة الرسوليين .

وفي العام نفسه قام وفد رسولي يضم عدداً من التجار في عدن بالذهاب إلى بلاد فارس عن طريق البح ، غير أن السفينة أ{غمت على الرسو بساحل ظفار ، وقام حاكمها سالم بالسيطرة عليها والاستيلاء على الهدايا التي كانت موجودة على ظهرها معتبراً إياها بمثابة تعويض عن الحصون التي كان قد فقدها في حضرموت ، وقد كتب الملك المظفر الحاكم الرسولي الى حاكم ظفار آنذاك سالم الحبوضي محذرا إياه من نتائج ما قام به من عمل وضمن تحذيره آية من القرآن الكريم منها قوله تعالى ( ... وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) .

كما قام الملك المظفر بارسال المجد بن علي القاسم الى ظفار بصفة مبعوثه الشخصي ، غير انه اجبر على إشهار السلاح بوجه الحبوضيين رغم ان المعركة بينهما لم تكن حاسمة ، وكتب سالم العبارة الآتية : (( هو ذا رسولك فأين العقوبة )) .
وحين امتنع حاكم الشحر راشد بن شجنعه بان يقدم له الدعم ويمتنع عن دفع الجزية للرسولين ، جاء رد فعل الرسولين سريعاً فعزلوا راشد من منصبه ونصبوا بدلا منه حاكمهم في الشحر سيف الدين البندقار ، في تلك الفترة قرر الملك المظفر الرسولي القيام بحملة عسكرية على ظفار وتحرك بإتجاه عدن للقيام بالاستعداد لتلك الحملة ، وهكذا أرسلت حملة عاجلة بقيادة حاكم عدن غازي بن المعمار بيد انه أرغم أيضاً على العودة إلى عدن دون دخول أية معارك حاسمة في ظفار .

عاد موسى الحبوضي شقيق سالم عاهل ظفار من الحج بحفاوة من قبل البند قدار حاكم الشحر الرسولي ومن خلال وساطة هذا الاخير استقبل موسى بترحاب من قبل الملك المظفر الرسولي . وكان بين سالم وموسى خلاف سابق ، وخاصة فيما يتعلق باعتراضه على السفن المارة بساحل المحيط الهندي ، ومهاجمة العديد من السفن العائدة الى عدن ولذلك بدأ الملك المظفر الرسولي يعد العدة مرة اخرى للقيام بهجوم على ظفار حيث امضى وقتاً وبذل مجهوداً كبيراً .

ويشير ابن حاتم في هذا الخصوص ، وكان معاصرا لتك الاحداث – أن السلطان كان قد بذل جهوداً مضنية لاستكمال استعداداته حتى تساقطت خواتمه من أنامله من جراء الوهن والضعف اللذين شعر بهما في حينه ، ورغم انشغال المظفر بامور أخرى استدعت مغادرته عدن ، فإن الاستعدادات تواصلت وأهمها بناء السفن بالاخص الشراعية الكبيرة المعروفة بـــ ( الشواني ) فضلاً عن مراكب الإمدادات الصغيرة التي تنقل القمح والتمور .

كما تمت تهيئة سائر انواع الأسلحة والعدد العسكرية مثل الاقواس والدروع والخوذ والتروس والمقاليع وحدوات الخيل وستة منجنيقات مع كامل ادوات استخدمها إضافة الى روائع الكنوز بضمنها : الملابس الثمينة التي كدست على متون السفن ، وقد تم تقسيم القوات الهائلة التي اعدت للحملة إلى ثلاث فروق .

الفرقة البحرية بقيادة سيف الدين سنقر.
والفرقة الثانية تتحرك عبر حضرموت بقيادة شمس الدين أردمر .
أما الفرقة الثالثة فطلب منها التحرك طوال الساحل بقيادة حسام الدين لؤلؤ إضافة الى موسى الحبوض الذي كان على خلاف مع اخيه والبيت الآتي يصف تلك الحملة بشكل بليغ
ملأنا البر حتى ضاق خيلاً
كذاك البحر نملؤه سفينا
ولم تقدم لنا المصادر معلومات مهمة بشأن تقدم القوة البحرية وتحركت السفن ببطءحتى تبقى على اتصال مع الفرقة الساحلية الثالثة التي أعتمدت على تلك السفن من اجل الغمدادات .

غادرت الفرقة الثانية اليمن عبر ( الجوف ) ومن مدينة شمالية يمكن ان تكون ( صنعاء ) وسعت الى جمع الحلفاء من القبائل في طريقهم لتضخم عدد قواتهم ومن الجوف تحركوا عبر ( شبوة ) و ( ثمود ) ولم يتوقفوا إلا لمحاربة الجماعات المعادية او لتلقي الدعم من الجماعات الموالية دخل الجيش ( واد عمد ) لجمع الامدادات ، كما تمت زيارة الموقع المشهور لضريح النبي هود حيث كان سالم قد شيد جامعاً .

توقفت القوات في منطقة ( حبروت ) القريبة لفترة خمسة عشر يوماً وبانتظار اخبار تقدم الفرقتين الآخريين كما تم ارسال الرسل لجلب الاخبار ويعد هذا الطريق في الواقع مدهشاً وقد يكون هدف الرسوليين من استخدام هذه الفرقة اكثر من فتح ظفار ، فالطريق غير المباشر الى حد ما الذي سلكوه بمغالاة رسولية في إظهار القوة وإبداء العون للقبائل المتعاطفة مع تذكير الآخرين بالقوة المؤثرة القادرين على حشدها .

تحركت الفرقة الساحلية الثالثة عبر أبين واحور وميفع دون ان تواجه صعوبات كبيرة غير ان صعوبات متزايدة بدأت تواجههم الى الشرق من ميفع طوال ساحل البحر مما أرغمهم على سلوك طريقهم الى داخل البلاد ، كان ذلك يعني بالطبع الابتعاد عن سفن الامدادات مما ساعد على إيجاد متاعب للرجال بيد أنهم وجدوا تعويضاً لذلك لأنهم وجدوا السكان المحليين في طريقهم متعاطفين مع الرسوليين ومعادين للحبوضيين ، لقد قدموا للحملة كل ما يستطيعونه من مساعدة .

تقرر ان يكون لقاء الفرق الثلاث في ريسوت التي يدعوها المؤرخين ميناء ظفار ، فتحركت القوات التي التقت بعد ذلك نحو عوقد بين ريسوت وظفار ولقد استغربت حملتهم على الطريق فترة خمسة أشهر كاملة منذ انطلاقهم من اليمن ، حيث تنبه سالم في ظفار الى خطر وجود الجيش الرسولي الهائل قرر ان الامل الوحيد لاحراز النصر كان في القيام بهجوم مباغت قبل ان تستعد القوات للمعركة .

علم القادة الرسوليون بأخبار الهجوم الوشيك في اللحظة الحرجة ، فتم ترتيب خطوط العركة على عجل . على ان سالم ، حاكم ظفار الحبوضي نفسه ، كان قد قتله الرسوليون في بداية المعركة مما ادى الى هرب القوات الحبوضية البرية التي شعرت بخيبة أمل كبيرة ، كما هرب أيضاً قادة الأسطول البحري الذين كانو على اهبة الاستعداد للتصدي للاسطول الرسولي ، بحيث انهم لم يحاولوا مهاجمة السفن وقد دفن سالم قرب أبيه بالقرب من ظفار .

أصدرت القادة الرسوليون للمنتصرون عفواً عاما عن السكان المحليين وسمحوا للتجار الذين رافقوا الاسطول مزاولة التجار بعد ان وضعت الحرب أوزارها . ودخلت قوات الرسوليين المدينة يوم الاحد المصادف 28 رجب 677هـــ/ديسمبر 1278م .
وفي الجمعة التالية أقيمت الصلوات في سائر أرجاء المدينة باسم السلطان الرسولي الملك المظفر ويشير سائر المؤرخين الى الخيبة التي نجمت من جراء الاستيلاء على ظفار مذكرين بأن جيش الرسوليين كان قد سار خمسة أشهر ليجد ان الاستيلاء على المدينة لم يستغرق اكثر من خمسة أيام .

ولم تكن هناك ضرورة لاستخدام المنجنيقات او التجهيزات الهائلة التي تعد أساسية في حالة وجود حصار طويل . وقد تم ابعاد كل أبناء العائلة الحبوضية من ظفار حيث ان تاريخ العائلة الحبوضية اختفى من صفحات التاريخ في ذلك الوقت بالذات .
في عام 692هــ/1292م منح الحاكم الرسولي ظفار لابنة الواثق ابراهيمبصفة لإقطاعية حيث مكث هناك لحين وفاته عام 711هـــ/1311م ، دفن الواثق في ظفار وفي الرباط كما تدعى في الوقت الحاضر .

وفي هذا الضريح بالذات تم العثور اولاً على شواهد قبر الواثق ونحن نعلم ان الواثق والفائز كانا يدفعان نوعاً من الاتاوة السنوية للرسوليين في تعز ، غير ان الاتاوة توقفت في زمن ( المغيث ) الذي خلف الفائز وذلك قبل عام 730هـــ/1329 م ، ويتضح أن ذلك يمثل فترة استقلال عن عاصمة الرسوليين .
وهنـــــــاك إشارة تاريخية اخـــــــرى عام 798هــ/1396م ، تشير الى وصول الحاكم الرسولي في ظفار المدعو ( الفائز ) الى البلاط في تعز حيث طلب مساعدة مالية .

ترك الرسوليون وراءهم آثار معمارية باقية وقد يكون السلطان الرسولي الثاني ( المظفر ) الذي توفي في عام 694هـــ/1295م ، اعظم أولئك على الاطلاق ، وتشير المصادر الاولية إلى انه قد أسس شخصياً ( مدرسة ) في ظفار .

وتجدر الاشارة الى انه كان قد كتب الى السلطان المملوكي ( بيبرس ) في مصر يطلب منه إرسال طبيب إلى ظفار ( لأنها وبيئة ) ، كما اننا نقرأ عن أثر رسولي معماري تركة الرسوليون في ظفار . كما شيدت إبنة السلطان الرسولي الرابع المؤيد جامعاً في المدينة . ( انظر الملحق الثاني في هذا البحث ) .

المبحث الخامس
التاريخ الاقتصادي لظفار
_________________

ظل اقليم ظفار والمناطق الجنوبية من جزيرة العرب طوال ( 15 ) قرناً اكثر إزدهاراً إبان القرون التي كان فيها المحيط الهندي مركزاً صاخباً للتجارة البحرية التي كان العرب يحتكرون طرقاً حيوية تربط بين حضارتين ، كانت المراكب القادمة من الهند وسيلان ترسو في صلالة وغيرها من موانئ الجنوب العربي ، وهي تنقل اللبان والصمغ والمسك والتوابل التي كانت تستعمل في التحنيط والتبخير وصناعة العقاقير ، كما كان يحرق في المآتم والافراح وغير ذلك وكذلك الطقوس الدينية تستهلك اكبر كمية من البخور والمسك وكانت ظفار من ابرز مناطق تصديرها ، وفي بلاد فارس كان داريوس يستورد حوالي ( 30 ) طنا من البخور في كل عام .

وفي بلاد بابل كان مذبح ( بعل ) يحاط بكميات من المسك تبلغ حوالي ( 60 ) ألف رطل إنجليزي كل عام .

وكذلك آلهة الهندوس والبوذيين واليونان والرومان وكانت جميعها تطلب الرحيق المجفف لنبات معين ينمو في الغالب في ظفار والشحر وسقطرة وكان هذا الرحيق المجفف لنبات معين ينمو في الغالب في ظفار والشحر وسقطره وكان هذا الرحيق يساوي ثقله ذهباً .

ويظن ان سابديتس الذي بنى مرباطاً قد سيطر على اغلب سواحل جنوب الجزيرة العربية ، من عدن الى ظفار وذلك في القرن الأول قبل الميلاد وبذلك انحصرت معظم التجارة مع المناطق الشمالية كسوريا والعراق ، وان ظفار لعبت دوراً هاماً في النشاط التجاري البحري في العصور الوسطى .

ويقول كوستا : ( إن نظرة واحدة على إحدى خرائط المحيط الهندي تدل فوراً على اهمية ظفار من وجهة نظر إمدادات السفن ).

وقال عن اهلها ابن بطوطة في رحلته سنة 736هــ/1335 م ، (وهم اهل تجارة لا عيش لهم إلا منها ) .
ومما ساعد على الازدهار التجاري لظفار ، هو وجود طرق المواصلات التي تربط ظفار بغيرها من البلدان ، فقد تحدث الهمداني : (عن طريق ساحلي يؤدي من عدن الى عمان عن طريق ظفار ماراً بريسوت الى اليسار ) ، كما ان ابن المجاور زرا ظفار سنة 619هــ/1222م وزودنا بالمراحل المختلفة للطريق من شبام في حضرموت الى ظفار ، وحدثنا أيضاً عن طريق مامون للقوافل من بغداد ( خلال الصحراء ) الى مرباط وظفار ، يسلكه البدو مرتين في السنة وياتون فيهما بالجياد ، ويتقايضون عليها بالتوابل والعباءات النفسية .
أما المسافة من ظفار الى جاوة فهي ميل في ليلة واحدة والمساافة بينهما وبين جزيرة سقطرة يومين وليلة في البحر ) .

أما سوق ظفار فكان مركزاً تجارياً مهماً ويقع السوق خارج المدينة ، قال عنها ابن بطوطة عند زيارته لها عام 736هــ/1335م (والسوق خارج المدينة بربض يعرف بالجرجاء ... واكثر سمكها النوع المعروف بالسردين وكذلك غنهم ولم أر ذلك في سواها ، ومنها تحمل الخيل العتاق الى الهند وزرع اهلها يسقونها من آبار بعيدة الماء وكيفية سقيهم ) .
ومما ساعد على انتعاش الحالة الاقتصادية في ظفار نتيجة الموقع الجغرافي الممتاز وازدهار التجارة هو ازدهار زراعة اللبان فيها .
وقال القاضي محمد بن حمد الحجري ما نصه : ( اللبان لا يوجد في الدنيا إلا في جبال ظفار وهو غلة لسلطانها وانه شجر ينبت في ذلك الموضع مسيرة ثلاثة أيام وعند بادية كبيرة نازلة ويجتنبه اهل تلك الناحية وذلك انهم يجيئون الى شجرته ويجرحونها بالسكين فيسيل اللبان منه الى الارض ويجمعونه ويحملونه الى ظفار ، فياخذ السلطان قسطه ويعطيهم قسطهم ولا يقدرون حمله الى غير ظفار ابداً ).

وذكر ابن الفقيه عن ظفار بانها تكتنفها البساتين ، وينمو فيها لاتانبول والكاكاو .
وفي سنة 648هـــ/1250م ، ذكر الرحالة الصيني تشان جوركوا ان اللبان كان ضمن السلع المستوردة من ظفار يؤكد تشان جوروكوا على قيام الفيلة بنقل البضائع الى السفن في ظفار وكذلك اكد الرحالة الايطالي الشئ نفسه عندما زار ظفار عام 684هــ/1285م . ووصف ظفار بانها مدينة عظيمة .

وفي سنة 619هــ/1222م : ذكر ابن المجاور ( من المزارع المزدهرة في ظفار : الفلفل وقصب السكر وانواع كثيرة من الفاكهة كانت تزدهر في ظفار ، كما وجد آثاراً على شرفات قديمة زرعت فيها شجرة الكندر ) .

أما ابن بطوطة الذي زار ظفار سنة 736هــ/1335م في زمن حاكمها الملك المغيث فانه يشير الى أبرز المنتجات الزراعية فيها ، إذ يشير الى بساتين من آبار بعيدة الماء وكيفية سقيهم انهم يصنعون دلوا كبيرة ويجعلون لها حبالاً كثيرة ويتحزم كل حبل عبد او خادم ويجرون الدلو على عدد كبير مرتفع عن البشر ، ويصبونها في صهريج يسقون منه ، ولهم قمح يسمونه العلس وهو في الحقيقة نوع السلت – وهو الشعير – والارز يجلب من بلاد الهند ، وهو أكثر طعامهم ودراهم هذه المدينة من النحاس والقصدير ولا تنفق في سواها .

وقال ابن بطوطة : ( ولهذه المدينة بساتين فيها موز كثيرة كبير الجرم ، وزنت بمحضري حبة منه فكان وزنها إثنتي عشرة أوقية وهو طيب الطعم شديد الحلاوة وبها أيصاً التنبول والنارجيل المعروف بجوز الهند ، ولا يكونان إلا ببلاد الهند ، وبمدينة ظفار هذه لشبهها وقربها منه ، اللهم إلا ان في مدينة زبيد في بستان السلطان شجيرات من النارجيل) .
وقال الرحالة وينل فيلبس معلقاً على مزارع ظفار بقوله : ( مرتبط رفاهية ظفار على مر العصور بلبائها الرائع ، الذي كان يمثل عمود التجارة الأساسي في كل جنوب شبه الجزيرة العربية قديماً ، وهناك اتحاد خاص من العوامل الجغرافية والمناخية ، منذ العصور القديمة ) .
( ويعود اصل كل الانواع الجيدة من اللبان والتوابل الى ظفار ، حيث كان يتم شحن بعضه على مراكب شراعية ، والباقي الذي تحمله القوافل عبر وادي ميثان ووادي ( فسد ) حيث يمر الطريق بالربع الخالي ، ورغم انه حتى الآن لم يعرف تاريخ الاستخدام الاول للبخور ، إلا ان تجارته كانت مزدهرة للغاية وكان البخور من أغلى السلع التجارية ). وقد كتب الكثيرون من الرحالين والمستكشفين كثيراً عن بلاد البخور ، وعن ظفار بصفة خاصة ، عندما سلطت عليها الاضواء في منتصف القرن التاسع عشر ورغم ان ( نبات المر ) ينمو غرب الجزيرة العربية مع بعض أنواع التوابل والبخور إلا ان ظفار تعتبر هي الاول من حيث إنتاج التوابل .

المبحث السادس
علماء من ظفار
___________

رغم شحة المعلومات عن الحركة الفكرية في ظفار في العصور الاسلامية فان هناك بعض الاشارات الى عدد من علماء ظفار منهم :

ابو جعفر بن فارس القحطاني الحبوضي الخطيب .
الخطيب عمر بن فارس القحطــــــــــاني الحبوضي .
المقرئ محمد بن عمر بن فارس وكان صديقاً بأبي العلاء الفرضي .
محمد بن خوي بن معاذ الشحري اليماني ، سمع بالعراق وخراسان من أبي عبد الله محمد ابن الفضل الصاعدي العزاوي .
الشيخ الصالح العابد أبي محمد بن أبي بكر بن عيسى ، وله زاوية معلمة عند اهل ظفار يأتون إليهـــــــا غدوا وعشياً ، ويستجيرون بهــــــــــــا فإذا دخلها المستجير لا يقـــــــــــوم السلطان عليه . قال ابن بطوطة : (رأيت شخصاً ذكر لي انه له بها مدة سنين مستجيراً لم يتعرض له السلطان ، وفي الايام التي كنت بها استجار بها كاتب السلطان واقام فيها حتى وقع بينهما الصلح ) .
الشيخ أبو العباس أحمد بن الشيخ أبي بكر المذكور .قال ابن بطوطــــــــــــة : ( وشـــــــــاهدت لهما فــــــــضلاً عظيمــــــــاً ) .
القــــــــاضي الصالح أبو هــــــاشم عبد الملك الزبيدي .

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009

جماعة محبي تاريخ ظفار، خالد الشنفري

جاءت فكرة تأسيس جماعة لمحبي تاريخ ظفار لمعرفتي بالكثير من الذين يبحثوت عن تاريخ المنطقة في الكتب التاريخية العربية والاجنبية فتاريخ المنطقة غيرد مدون محليا او على الاقل لم نعثر على مخطوطات تتحدث عن تاريخ المنطقة سوى المخطوطة ذات الصفحات القليلة ( الدلائل والاخبار في خصائص ظفار) وفي فترة مابعد 1970 عصر النهضة ظهر بعض الباحثين المهتمين بتاريخ ظفار بالرغم من قلتهم ابرزهم المرحوم سعيد بن مسعود المعشني الذي له عدة كتب مطبوعة وعبدالمنعم البحرالرواس وله عدة كتب وابحاث غير منشورة
لذلك الهدف من جماعة محبي تاريخ تاريخ ظفار تبادل المعلومات عن تاريخ المنطقة والاستفادة من الخطوط والصكوك الموجودة التي تبرز كثير من الجوانب التاريخية للمنطقة قبل ان تضيع تلك الخطوط بدون الاستفادة منها وهذا قد حدث بالفعل من قبل بعض المسنيين الذين احتفظوا بتلك المخطوطات حتى ضاعت او اصبحت غير صالحة بسبب العوامل الطبيعية وكذلك يمكن استعارة الكتب مابين اعضاء الجماعة وسوف نقوم بوضع الية لتبادل المعلومات والالتقاء بين اعضاء الجماعة
ولكل من يريد ان ينتسب لجماعة محبي تاريخ ظفار عليه مراسلتنا عبر البريد الالكتروني

الاثنين، 26 أكتوبر 2009

أسماء ظفار عبر التاريخ

مسميات ظفار وفروعها :
عنوان ورقة بحث عرضت في ندوة ظفار عبر التاريخ وضمن كتاب الندوة وفيما يلي بعض الفقرات من هذا البحث ((
سميت ظفار قديماً بهذا الاسم نسبة إلى ..
ظفار بن حام النبي نوح عليه السلام

وسميت كذلك بــ (سفار _ ووبار _ ودافار _ و أوفير _ وبلاد بونت وآرام )

ومن أسماء ظفار التي عرفت بها لدى سكانها وسكان المناطق المجاورة لها في حضرموت والمهرة وغيرهم هي:
أرض ( الاحقاف )
وهي التسمية التي ورد ذكرها في آية قرآنية كريمة .
وعرفت لديهم كذلك بأرض( ريدان )


سميت ظفار قديماً بهذا الاسم نسبة إلى ظفار بن حام النبي نوح عليه السلام سكان فلسطين وبلاد الشام والرافدين ومصر ، وسكان غزة ومصر والفينيقيين والرومان القدماء ، الذين كانت تربطهم أواصر تجارية منتظمة بها وخصوصاً تجارة اللبان والبخور .

وقد عرف سكان ظفار شجرة ( اللبان ) المشهورة بأرضهم منذ أقدم العصور ويقال ان استخدام اللبان بشكل واسع من قبلهم لم يبدأ إلا في العصر الحجري الحديث أي قبل حوالي ثمانية آلاف سنة ويذكر ياقوت الحموي ان العرب والرومان كانوا يعبرون ( الربع الخالي ) بصورة مستمرة في رحلة تمتد خمسة وأربعين يوماً من شمال حدود المهرة وريسوت إلى بغداد وقد ظل هذا الطريق مستعملاً حتى الثلاثينات من القرن الحالي قبل اكتشاف واستخدام وسائل النقل البرية والجوية المتطورة . وقد كان هذا الطريق الذي كانت تسلكه التجارة البحرية التي كانت تصل من موانئ الصين والهند والسند بالوسائط البحرية إلى موانئ ظفار المشهورة قديماً كمرباط وطاقة وريسوت ومنها براً إلى بلاد اليمن والحجاز والنجد والعراق والشام ومصر وبلاد الرومان والبيزنطيين وفارس .

وقد عزز ذلك البروفيسور ( يوريس زارنيز ) من جامعة ساث وست ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية في بحثه عن الاكتشافات الأثرية بمحافظة ظفار . وتعزز ذلك بصورة الأقمار الصناعية الحديثة التي التقطتها وكالة : ناسا الامريكية للفضاء وبينت ان التجارة الواسعة التي كانت تتم من ظفار وإليها مع بلاد سومر وغيرها من البلدان السابق ذكرها ، كانت تمر عبر الطرق البرية الصحراوية من خلال ( وبار ) الشيصر حالياً وغيرها من مناطق ظفار الساحلية ومن هنا كانت اسطورة المدينة المفقودة التي حاول المليونير اليهودي الأمريكي الراحل ( هامر ) صاحب شركة نفظ (اسكتندتال ) اكتشافها والترويج لها ، لانها بالنسبة له ولغيره من المهتمين قد تبين أصول وعلاقة اليهود قديماً بمنطقة جنوب الجزيرة العربية ، وهو الامر الذي اثاره د. كمال صليبي من الجامعة الأمريكية في بيروت في كتابيه المثيرين للجدل واحدهما المعنون التوراه من الجزيرة العربية الصادر في بيروت عام 1985 م وتحدث فيه عن وجود مثل هذه العلاقة القديمة مع ظفار حيث بها مقابر منسوبة للأنبياء عمران وصالح وهود وعابر ، وأيوب ، ويقال أنه منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد وحتى حوالي عام 1800قبل الميلاد أي طوال 3200 سنة كانت الطلبات تتزايد من العراق ومصر وغزة ومنها لاوروبا على اللبان الظفاري . كما تفيد سجلات ( بليني ) التاريخية بانه في عام 66 بعد الميلاد كان الامبراطور الروماني ( نيرون ) الذائع الصيت بقوته وجبروته يحرق كمية كبيرة من اللبان أي البخور الظفاري ( بمناسبة دفن جثمان زوجته _ بربارا ) .

ومن أسماء ظفار التي عرفت بها لدى سكانها وسكان المناطق المجاورة لها في حضرموت والمهرة وغيرهم هي أرض،،،

-1- ( الاحقاف ) وهي التسمية التي ورد ذكرها في آية قرآنية كريمة .

-2-وعرفت لديهم كذلك بأرض ( ريدان )
كما كان الحميريون يطلقون على أنفسهم ملوك سبأ ويمنت وحضرموت وذو ريدان ( كما تشير إلى أغلب مصادر التاريخ القديم لهذه المنطقة .

ويوجد حصن ( ريدان ) بالجنوب من مدينة ( تريم ) بشمال اليمن والارجح ان تسمية الحصن والمدينة التي يوجد بها يعود لاسم ( ريدان ) البلاد التي هي ظفار الآن كما يشار لتسمية ملوك حمير السابق ذكرها في القابهم ان ظفار ذكرت تسلسلاً بعد حضرموت حسب الواقع الجغرافي ولم يذكر اسم المهرة حيث قد تكون حينئذ من توابع حضرموت أو ظفار . وظفار لما سبق ذكره عنها ، وللاعتزاز بها وبطبيعتها الخلابة كان يزورها ويصيف فيها بعض ملوك وأعيان اليمن والبلاد المجاورة . ومنهم الملك المشهور معد بن يكرب الزبيدي وملوك حمير ،))

أوضاع ظفار الإجتماعية في كتاب البلاد السعيدة ، أحمد بن محاد بن سعيد المعشني

أوضاع ظفار الإجتماعية في كتاب البلاد السعيدة عنوان ورقة بحث لاحمد المعشني عرضت في ندوة ظفار عبر التاريخ وفي الكتاب الذي صدر عن الندوة فيما نستعرض هذه الورقة

((الاهتمام الاوروبي بالجزيرة العربية وظفار

وعلى الرغم من اهتمام الغرب المسيحي بأوضاع العالم الاسلامي بسبب حالة الصراع والعداء التي سادت العلاقة بين الطرفين ، ابان انتشار الاسلام إلا ان الجزيرة العربية ظلت المنطقة الأكثر غموضاً لدى الغرب .

إذ شكلت هذه المنطقة البعيدة عنه جغرافياً لغزا ً محيراً ، بما تحويه من اسرار ، وبما نسج عنها من أساطير وحكايات ، وإذا اخذنا وجهة النظر الأوروبية أمكننا القول انه اعتباراً من القرن الخامس الميلادي وحتى عصر النهضة الأوروبية لم يكن لأوروبا أية فكرة واضحة عن شبه الجزيرة العربية كما تقول جاكلين بيرين ، لذلك فما ان بدأ عصر النهضة الأوروبية وبدأ عصر الاستكشاف الاوروبي حتى طرق أبواب الجزيرة العربية عدد من المغامرين والرحالين الأوروبيين يدفعهم كثير من الغايات والقاصد لارتياد هذه الاصقاع ، وأتت أيضاً بعض البعثات الاستكشافية الممولة من الحكومات الغربية .

ومن أشهر الامثلة لهذه البعثات البعثة الدنمركية أو بعثة نيبور الى بلاد اليمن عام 1761م ... وكانت أكثر المناطق إثارة لاهتمام الغرب في بداية عصر الاستكشاف مناطق اليمن والحجاز .


هذا بالنسبة للجزيرة العربية عموماً ، اما ظفار التي نحن بصدد الحديث عن نتائج إحدى الرحلات الاوروبية إليها في هذا المبحث ، فإنها بقيت لقرون مصدرا لأطماع للعديد من الشعوب التي وصلها شذى رائحة لبانها الشهير ، الذي مثل أحد مصادر تجارة العالم القديم ، هذه الشعوب التي لم تعرف الكثير من الحقائق عن أرض اللبان راحت تنسج الاساطير والحكايات علها تعوض هذا النقص الكبير في حقائقها التاريخية عن ظفار ، ومرة أخرى ولكون ظفار إحدى مكونات الجزيرة نجدها تقع تحت تصنيف المجهول بالنسبة للغرب ونجد المعلومات الأوروبية عنها متأخرة نسبياً ، ونجد المصادر الأوروبية مثلاً تشير إلى ان أفراد ا من البحرية البريطانية وصلوا إلى ظفار قبل نهاية القرن السابع عشر بعد تحطم سفينتهم .

وقد اكرمهم الأهالي وعاملوهم معاملة حسنة . ومنذذلك الوقت وصلت إلى أوروبا معلومات – وان كانت قليلة – عن ظفار .

وفي ثلاثينات القرن الماضي قامت البحرية البريطانية بمسح سواحلها ، وكانت أفضل المعلومات التي وصلتهم كما يقول بدول هي المعلومات التي كتبها القبطان هاينز الذي قابل رجلاً أمريكياً من بين رجال القبائل ، حيث يقيم في ظفار منذ ثلاثين عاماً مضت ، بعد ان أسره القراصنة ( حسب وصفهم ) واسلم وتزوج وقد وصف هاينز سكان المنطقة وهم من قبيلة ( الفرا ) بأنهم نشيطو الحركة وكرماء جداً .

ويقصد هاينز بالرجل الأمريكي الذي كتب عنه الصبي الأمريكي الذي أسره السيد محمد بن عقيل سنة 1805م ، من بين ركاب السفينة الامريكية ( اسكس ) التي استولى عليها ، ومن ثم اسلم هذا الصبي وكبر وسمى نفسه او سمى المسلم عبد الله لوليد او عبد الله السلماني كما تقول بعض الروايات المحلية .


أما اول من توغل في داخل ظفار لأميال قليلة بعد ذلك فهو ثيودور بنت وزجته مابل ، وذلك في عام 1884. إذ تجولا في المناطق الساحلية القريبة من الحافة حيث سكنا ، وفي المناطق الجبلية المجاورة لها .. وبعد مغادرة بنت وزوجته ( غير المحترفين لفن الرحلات ) ظفار ، يبدو انه لم ينوفر رحلات ذات شأن إليها ، حتى اواخر العقد الثالث من هذا القرن عندما جاء الى ظفار الرحالة الانجليزي الشهير برترام توماس .
برترام توماس ورحلته الى ظفار :

يعتبر برترام توماس أحد أشهر الرحالين الأوروبيين الرواد الذين زاروا الجزيرة العربية 0

وذلك لسببين :
الاول :
لما دونه من معلومات كثيرة ومتشعبة عن المنطقة التي تجول فيها ، وهي المنطقة الممتدة من ظفار في الجنوب إلى الدوحة في شبه جزيرة قطر في الشمال الغربي ، وان كانت ملاحظاته عن ظفار اشمل وأعمق .

الثاني :
يتمثل في اجتيازه لمنطقة الربع الخالي كاول اوروبي يتمكن من ذلك ، وقد يكون أول اجنبي يفعلها .. وقبل ان نبدأ مناقشة خواطر وملاحظات هذه الرحالة المغامر ، يجدر بنا أن نأخذ في الحسبان شخصيتة التي لم يعطنا مترجم الكتاب الاستاذ محمد عبد الله شيئاً عنها إلا ما أورده المؤلف بنفسه في متن الكتاب .

وبعد سعي غير مضن استطعنا الحصول على بعض المعلومات التي يمكن ان تسلط قليلاً من الضوء على المؤلف ، الذي أغفلت جل المراجع التي اطلعنا عليها ذكر الجانب الشخصي له .


يعتبر برترام توماس أحد الساسة والدبلوماسيين الإنجليز الذين خدموا في الاقطار العربية ، إذ عمل لمدة ثلاث عشرة سنة في السلك الدبلوماسي في العراق والاردن والخليج ، وفي اكتوبر من عام 1910 وصل إلى مسقط في عهد السلطان فيصل بن تركي ( 1888 – 1913 ) ، وأقام في الجزيرة العربية بشكل متكرر منذ سنة 1915 ، وفي عام 1924 عينه السلطان تيمور بن فيصل ( 1913 – 1923 م ) وزيراً للمالية في مجلس وزرائه .. وقام توماس برحلتين إلى ظفار الأولى في شتاء 1927 – 1928 والثانية في شتاء عام 1929 – 1930 ، وذكر في الكتاب أن الرحلة الاولى قطع فيها 600 ميل أي 960 كم أما الثانية فقطع فيها 200 ميل أي 320 كم على ظهور الجمال ، ونعلم ان توماس عبر الربع الخالي في رحلته الثانية ، وعلى هذا الاساس فليس من المعقول ان المسافة التي قطعها في هذه الرحلة 200 ميل فقط ، إذ نجد ان بين صلالة والدوحة لا يقل عن 600 ميل . وعلى ذلك فلابد من إعادة النظر في تقدير المسافة التي قطعها .

طاف برترام توماس في هاتين الرحلتين بإجزاء من ظفار ومنها عبر رمال الربع الخالي باتجاه الشمال . وفي عام 1931 أي بعد عام تقريباً من انجاز مهمته الثانية غادر مسقط ثم توجه إلى لبنان ( حيث أصبح أول مدير لمدرسة عربية ) .

وكانت مهمة توماس الرئيسية عبور منطقة الرمال ، لذلك نجده يقول : ( ولقد كان وصولي إلى مسقط تقريباً في تلك الليلة يعني عام 1910 تمهيداً لتحقيق الحلم الذي طالما روادني وهو الكشف عن أسرار الصحراء الجنوبية لربع الخالي ) .

كتاب البلاد السعيدة وأهميته :
الذي يهمنا كثيراً من أمر برترام توماس هو ذلك الكم من المعلومات التي دونها من خلال ملاحظاته ومشاهداته ، أثناء زيارته لظفار ... والتي أخرجها في كتاب هام سماه ( Arabia Felix ) ونشر في لندن ، وقامت وزارة التراث القومي والثقافة فيما بعد وعهدت إلى الاستاذ محمد أمين عبد الله – رحمه الله – بترجمة هذا الكتاب ، ومن ثم نشرته تحت عنوان ( البلاد السعيده ) عام 1981 م .

ان تتبع المؤلف في هذا السفر الكبير الواقعة ترجمته في أربعمائة وست صفحات ، والذي تناول المؤلف من المواضيع التي استطاع جمعها بنفسه ، او نقلها عن غيره ، يحتاج إلى وقت لا تتسع له أوراق هذه الندوة ، إذ نجد المؤلف يتحدث في هذا الكتاب عن الاوضاع الاجتماعية ، وعن التاريخ والجغرافيا وعن بعض الموضوعات العلمية مثل جيولوجية المنطقة ، كما يتحدث عن حيوانات ونباتات المناطق التي تجول فيها ، كذلك يتناول جانباً من ثقافة المجتمع وأحواله .

لذا رأينا ان نتتبع خطوات المؤلف وملاحظاته عن الاوضاع الاجتماعية التي دونها عن ظفار ، وذلك لأهمية هذا الموضوع من وجهة نظرنا ، كونه يعكس بعض الاوضاع التي سادت في المنطقة في ثلاثينات هذا القرن وكانت تشكل جانباً من التاريخ الحضاري لهذا البلد من جهة ، ولكون المؤلف قد وقع في مغالطات كثيرة كان لها الاثر الكبير في نقل صور غير دقيقة إلى حد كبير عن جملة من الموضوعات التي ناقشها من جهة أخرى ومن جهة ثالثة لان كتاب ( البلاد السعيدة ) أصبح من المراجع الرئيسية عن ظفار وتاريخها وحضارتها قلما يخلو كتاب يتناول شأناً من شؤون المنطقة في فترة ما بعد توماس – ان صح التعبير – من الاشارة إليه بين مصادره ومن المؤسف أن جل الكتاب الذين أتو بعد توماس اخذوا كلامه كانه مسلمة من المسلمات فلو أطلعنا مثلاً على كتبه الاستاذ صلاح البكري في كتابه القيم ( تاريخ حضرموت السياسي ) ، والذي سرد فيه طائفة من أخبار ظفار ، نجده نقل نقلاً حرفياً ما اورده برترام توماس ، وبنفس العبارات والصور تقريباً ، ولم يمض على نشر كتاب توماس سنة أو سنتان .

من هنا نرى وجوب قراءة الكتاب بكثير من الدقة والحذر لان الكثير من الملاحظات التي دونها المؤلف عن الوضع الاجتماعي – وعن سواه – قد جانبه فيها الصواب بشكل كبير كما أسلفنا ، وقد يكون سبب ذلك جهل المؤلف بالمنطقة لعدم مكوثه طويلاً بها . أو بسبب عدم قدرته على استيفاء المعلومات بشكل جيد ، أو قد يكون ذلك مرده إلى تعمد عدد من الذين التقاهم المؤلف واخذ عنهم ، إلى تشويه بعض الحقائق لاغراض ما قد يكون بينها التنافس القبلي او الاحقاد الشخصية ، أو الجهل ، او أن المؤلف نفسه عمد إلى تشويه الصورة التي نقلها لدوافع معينة ... أو قد تكون بعض المفاهيم والكلمات لم يحسن المترجم نقلها بصورة جيدة ونحن هنا اعتمدنا على النسخة المترجمة التي سبق ذكرها .

ومهما يكن من امر ، فانه على الرغم من العيوب الواضحة التي ظهرت في الكتاب ، إلا أنه يعد من المراجع الهامة التي يجب دراستها دراسة وافية للوقوف على مكامن الخطأ ومواطن الصواب فيه للاستفادة من الكتاب كمرجع رائد عن ظفار المعاصرة .

ان آراء المؤلف حول الوضاع الاجتماعية لظفار مبثوثة هنا وهناك في الكتاب ، بين صفحاته وبين سطوره وكلماته ، لذا حاولنا ان نستخرج هذه الاشارات من مضان الكتاب ونعيد ترتيبها ، في أبواب وضعناها عل ذلك يرسم لنا صورة محددة عما كان المؤلف يريد توضيحه ، ونبدأ مع ملاحظات المؤلف حول الوضع الاجتماعي لسكان ظفار في تلك الفترة التي زارهم فيها . ومن ثم نختم الحديث بتناول طائفة من عادات وتقاليد شاهدها المؤلف أثناء رحلته
يحاول المؤلف رسم صورة ما لمجتمع ظفار الذي استضافه ، وان كانت هذه المحاولة ليست من أولوياته ، إلا أنه يحاول وصف المجتمع من خلال مشاهداته في مدينة صلالة والمناطق الجبلية المحيطة بها ، ومناطق البادية التي مر بها .

وإذ اتبعنا النهج الذي رسمناه في بداية هذه السطور بتتبع الاشارات حول هذا الموضوع من بين سطور الكتاب ، نجد المؤلف يصف المجتمع في ظفار بانه يتكون من ثلاثة عناصر سكانية رئيسية هي : سكان المدن ، وسكان الجبل ، وسكان النجد أو كما يسميهم البدو .

وقد لاحظ المؤلف ان مجتمع ظفار في ذلك الوقت مجتمع تحكمه القبلية وتطغي عليه نزعتها ونزاعاتها واستنتج من ذلك – وهو محق – بأن بروز الروح القبلية بشكلها السافر أحد الأسباب المباشرة لحالة التخلف التي يعيشها المجتمع ، ويري ان هذه الروح تقل قليلاص في المدن وذلك بسبب وجود مقر سلطة الدولة المركزية .

ومن الامثلة التي ساقها المؤلف للاستدلال على طغيان الوضع القبلي على ما سواه ، وما نجم عن ذلك من آثار قوله عند حديثه عن وضع مجتمع البادية ، وهو بكل تاكيد ينطبق على شرائح المجتمع الاخرى ،
قال : ( السلاح والقتال والجمل هي دعائم القانون ، كما أن الاحقاد القبلية المتوارثة تمزق شملهم حيث القوة فوق القانون وحيث يتحرك كل فرد وسيف الخوف على حياته وممتلكاته مسلط فوق رأسه ... ) .

وفي هذا الصدد يشير أيضاً إلى ان الاعراف القبلية هسي السائدة وان أفراد هذه القبائل يحتكمون إلى ما سماه ( حكم العوض ) أو ( حكم الجوز ) ، وهذه التسمية غير صحيحة في اعتقادنا إذ ان العرف الذي يحتكمون إليه يسمونه ( سنن القبائل ) أو ( حكم السنن ) أما في المدن فالوضع مختلف قليلاً إذا كانت سلطة الحكومة مبسوطة وتفرض بعض القانون ولو بالقوة وعندما يحاول المؤلف وضع أمثلة للاحتكام إلى العرف نجده يقع في مغالطة ، فعندما يشير مثلاً إلى دية القتيل في جبل القرا وإنها تصل إلى خمسة آلاف ريال ، او يشير الى انه في بعض الاحيان عندما يعجز القاتل واهله عن سداد الدية يقوم اهل الميت بإعدامه .. وهذا امر غريب إذ لا صحة لتقدير الدية بمبلغ خمسة آلاف لانه في ذلك الوقت يعتبر مبلغاً كبيراً جداً ، ونتج عن ذلك ان الدية في الغالب كانت تعطي بشكل عيني من رؤوس الإبل والبقر والغنم والسلاح .

الامر الآخر إن الاعدام لم يكن معروفاً لديهم في ذلك الوقت فإما الدية من الثأر .

رد توماس في معرض تناوله الوضع الاجتماعي لسكان ظفار نفطة هامة ركز عليها كثيراً ، وهي انتشار الامية بشكل طاغ على السكان وفي ذلك يقول : ( ومن النادر ان ترى شخصاً يجيد القراءة والكتابة فيما عد بعض السادة المتجولين ، وقد ترقى إجادة القراءة والكتابة إلى مستوى السحر) .

وقد نتج عن تفشي الامية هذه العديد من الاعتقادات الباطلة والخرافات الزائفة التي أحاطت المجتمع بالطلاسم والاسرار ، فاعتقد الناس في الجن والعفاريت والارواح الشريرة ، ونسجوا الكثير من الحكايات والاساطير حول ذلك .

ومن ذلك مثلاً اعتقادهم بان العفاريت هي التي تاخذ أولادهم وإنها سبب موتهم .. ووصل بهم الامر في ذلك إلى درجة اعتقادهم في بعض الحيوانات ، ومن ذلك مثلاً اعتقاد ساد كثيراً في ظفار ، خاصة في السهل والجبل ، دار حول الضبع ، الذي نسجو حوله الكثير من الأساطير والحكايات .

وهنا اورد المؤلف حقيقة معروفة وهي أن معظم أهالي الجبل والسهل ( لا يحرمون أكل لحمه أي لحم الضبع ) فحسب ، وإنما يحرمون قتله أو الاشتراك في ذلك لانهم يعتقدون انه حيوان سحري وهو فرس الساحر ( والصواب مطية الساحره ) وان كل من يعتدي عليه لا بد أن يصاب بنوع أو بآخر من القصاص وهناك قصص كثيرة في هذا الموضوع لا يزال يرددها على مسامعنا كبار السن حول هذا الاعتقاد ، غير ان العديد من الرجال قد خرقوا وخالفوا ذلك الاعتقاد فتجدهم اكثروا من عمليات صيد الضباع حتى اوشكت هذه المخلوقات – التي ظلمت بهذا الاعتقاد – على الانقراض وقد أشار المؤلف إلى قلة أعداد الضباع التي شاهدها مقارنة بالحيوانات الاخرى في المنطقة .

ونرى ان هذه العقيدة قد اتت مع الهجرات الكبيرة التي وفدت إلى المنطقة في ذلك الوقت من المناطق القريبة .

وبالاضافة الى ذلك فان المؤلف يشير الى العديد من الخصال الاجتماعية المميزة التي اشتهر بها سكان ظفار . فيشير إلى الكرم وحسن الضيافة والنجدة والشجاعة ، كذلك يشير الى سيطرة روح الجماعة على سكان ظفار وفي ذلك يقول مثلاً :
( وعلى أي حال فان روح الجماعة هي الروح التي تسود مجتمعات البدو ) ، وكذلك يشير الى التسامح بين أفراد المجتمع على الرغم من الروح القبلية التي سيطرت تقريباً على الوضع الاجتماعي
فيقول مثلاً عن وضع الخدم :
( ووضع الخدم في هذه المجتمعات لا يقل مستوى عن وضع الاحرار ) ..
ويقول أيضاً : ( ان الخدم في هذه البلاد يتمتعون بحقوقهم الاجتماعية الكثيرة . كما يشير إلى عفوية البدوي وطيب عشرته في غير موضع من الكتاب .

ومن الصفات الحميدة التي لاحظها المؤلف في المجتمع عفة نسائه وفي ذلك يقول :
( وعلى الرغم من الحرية الواسعة التي تتمتع بها النساء فان السفاح يكاد يكون معدوماً ) ، غير انه يتطوع لتفسير سر هذه الظاهرة وهنا حركته بعض الأفكار والآراء وليس الموضوعية أو الأنصاف

فقال : ( وربما كان ذلك راجعاً إلى سهولة الزواج والطلاق أكثر مما يرجع إلى التطبيقات الشرعية المعمول بها في شبه الجزيرة العربية ) ؟ ولا نجد هذه الملاحظة بحاجة إلى تبرير . إذ ان سهولة الزواج والطلاق قد تكون من الأسباب الباعثة على انتشار الظاهرة وليس العكس .

وقد حاول المؤلف أثناء حديثه عن الوضع الاجتماعي للمنطقة ان يسجل ملاحظاته أماكن سكن بعض القبائل في ظفار حيث أشار مثلاً إلى التجمعات السكانية فسي السهول وفي الجبال والبادية ، غير انه لم يكن دقيقاً بشكل جيد في تحديد البعض ، فمثلاً نجده يقول :
( تستوطن ظفار قبيلتان رئيسيتــــــــــان هما قبيلــــة ( القرا ) التي تقيم في منطقة الجبل ( وقبيلة الكثير ) التي تعيش في القرى الواقعة على السهل ) وهذا الكلام فيه تستطيع كثير ولا يعكس الواقع السكاني للمنطقة حتى وان قلنا ان المؤلف يقصد بظفار منطقة السهول الجنوبية والجبال المحيطة بها لذا نجده في موضع آخر يناقض هذا التقرير بذكره للقبائل التي تستوطن منطقة الرمال وهي قبائل مهرة والرواشد وبيت يماني ... ومعظم قبائل العفر والمناصير وبيت كثير والمناهيل والصيعر والكرب .. وجزء كبير من منطقة الرمال التي ذكرها المؤلف تدخل في حدود ظفار جغرافياً .

ومن الموضوعات الهامة التي أثارها المؤلف بشكل فيه الكثير من التسرع وعدم الحكمة موضوع الأنساب وعلم السلالات ..وفي هذا السياق نجده يناقش هذه المسألة الخطيرة غير متوخ للدقة في كثير من الاحيان ، وكذلك نجده غير متقيد بالمنهج العلمي في طرحه ونظرته .. ومن المغالطات التي وقع فيها قوله :
( وتجمع كافة المصادر على ان عرب جنوب الجزيرة ينحدرون من أصل حبشي ) وماذا أيضاً ؟ يقول :
( ومع ذلك فيبدو من الغرابة بمكان ان نقرر ان المصريين وعرب القارة الافريقية هم العرب الاقحاح بين العرب الساميين ، اما عرب الشمال فهم عرب مستعربة أي انهم عرب بالتجنس والاستيطان أكثر منهم عرب بالسلالة ) .
وكنا نتمنى أن يذكر لنا المؤلف تلك المصادر ، وهل كان يقصد المصادر العربية أم المصادر الأجنبية .

ويقول أيضاً بشكل متعسف :
( ولا أتصور ان أحداً من الرحالين والعلماء الأوروبيين الذي أشرت إليهم آنفاً ( يقصد العالم جليسر والرحالة بيرتون ) له المام بالمجموعات القبلية التي ألقيت بها في ظفار الامر الذي يؤكد ان هناك من الاعتبارات التي ترجح كون هؤلاء العرب من سلاللات غير معروفة ) ! ألم يقل المؤلف قبل قليل ان عرب الجنوب ينحدرون من أصل حبشي ؟ فكيف يقرر هنا انهم من سلالات غير معروفة ؟
نجده بعد ذلك يقرر ويقول :
( وكان هذا الوعي بين السكان في ظفار ) بالفوارق العرقية بينهم وبين العرب بوجه عام مثيراً للاهتمام وربما كان ذلك دليلاً على احتمال ان يكون سكان القرا من سلالة الفاتحين الأحباش المسيحين الذين غزو جنوب غرب الجزيرة العربية وكان توماس يحاول الايحاء للقارئ بأن العرب الذين التقى بهم في ظفار وصحبهم في رحلته يعلمون ذلك ويقرون به ، ما هذا التناقض .

إن الامر لم يتوقف عند هذا الحد بل نجد المؤلف يحاول لي عنق التاريخ ، ونسبة هذه المغالطات التي تبناها إلى رجل مثل ابن بطوطة ، عندما نسب إليه أقوالاً لم يقل بها أصلاً بل قال بعكسها تماماً .. فنجده ينسب إلى ابن بطوطة هذه العبارة :

( وقد كتب الرحالة المغربي الذائع الصيت ابن بطوطة يقول : وبالاضافة إلى ذلك فان سكان ظفار يشبهون إلى حد كبير سكان شمال افريقيا في عاداتهم ، وملامحهم وعلى الأخص الأجزاء البارزة منها فهي لا تدل على انهم يمتون بصلة إلى عرب الجزيرة وانما تدل على انتمائهم الى البربر ) هل يقصد توماس ابن بطوطة الذي نعرفه هو الذي قال هذا الكلام أم هناك ابن بطوطة لآخر لا يعرفه أحد غير المؤلف هو الذي استقى منه هذا الكلام المعوج .. إذ ان ابن بطوطة الذي نعرفه يقول :
( واكثر أهلها أي ظفار رؤوسهم مكشوفة لا يجعلون عليها العمائم ، وفي كل دار من دورهم سجادة الخوص في البيت يصلي عليها صاحب البيت ، كما يفعل أهل المغرب ، وأكلهم الذرة وهذا التشابه ( يقصد بين أهل ظفار والمغرب ) كله مما يقوي القول بان صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير ، اليست حمير من قبائل العرب ؟

ومهما يكن من أمر فإن كلام توماس عن قضايا الانساب دفعة إلى تبني نظريات لم يجمع لها القدر الكافي من المعطيات حتى يثبتها مما حدا بالسير إثر كيث الـــذي شارك في وضع ملحق لكتاب توماس إلى القول :
( ان المعلومات التي تم الحصول عليها من برترام توماس قد ثبت انها على جانب كبير من الاهمية ولكن ليس بالقدر الذي يسمح بتفسير موضوع خطير كموضوع الأجناس .. ) ولا يحتاج كلام تومــــــاس إلى رد ابلغ من هذا .
ذكر المؤلف بعضاً من هذه العادات ومن ذلك مثلاً اشارته إلى انتشار ظاهرة الزواج المبكر لدى سكان ظفار ، سواء بالنسبة للذكور ام الاناث وان كانت لدى الاناث اكثر كذلك يلاحظ توماس ان البدو لا يعدون الزوجات إلا فيما ندر ويقول :

( وعلى الرغم من تعدد الزوجات ( الجائز ) الا انه يندر ان يكون للبدو أكثر من زوجة واحدة ذلك على الرغم من ان أغنياء البدو قد يتزوجون باكثر من واحدة إما بعد طلاق لاحدى زوجاتهم او بالجمع بينهن ) .

وعلى الرغم من ذلك فالانجاب عندهم كثير ، ويشير المؤلف كذلك الى قلة نسبة الطلاق عند البدو .

وفي معرض حديثه عن بعض العادات المرتبطة بالزواج ، نجد المؤلف قدوقع في عدد من الأخطاء ومن ذلك مثلاً قوله :
( إن أعلى مهر عند أهل الجبل لا يزيد عن عشرين بقرة أي ما يعادل مائتي ريال واقله بقرة واحدة )
وهذا الكلام غير صحيح . اذ من المعروف انه ليس هناك سقف أعلى وادنى بالنسبة للمهر لدى سكان ظفار بشكل عام ، إذ كان الناس في ذلك الوقت يعملون بالحديث الشريف
( أقلهن صاقاً أكثرهن بركة وبالنسبة لأهل الجبل نرى ان عشرين بقرة كثير قياساً لاوضاع الناس في ذلك الوقت ، كذلك نجد المؤلف يخطئ في اطلاق اسم ( جيلاب ) على الزواج إذ ان ( جيلاب )
تعني في الجبالية بيع الماشية ، ونرى انه كان يقصد ( قيلاب ) ( بالقاف الجبالية ) أي المهر وقد يكون هذا الخطأ نتيجة الترجمة الى العربية .. كذلك نجد المؤلف يقرر بأن الزواج في الجبل ( يتم بدافع النزوات ) وليس غيرها .
وهذا حكم بعيد عن الموضوعية والصواب .

كذلك اوقع المؤلف نفسه في خطأ آخر عندما جزم بأن عادة ظفار تفضيل ابن العم في الزواج لا توجد إلا عند قبائل المهرة دون سائر سكان ظفار وهذا ليس صحيحاً إذ أن هذا التفضيل موجود لدى معظم السكان تقريباً .

ومن المغالطات الغريبة التي وقع فيها المؤلف أيضاً ذكره لتقسيم متعارف عليه يتم بموجبه اقتسام المهر بين أفرد الاسرة خاصة عند قبائل الجبل والبادية ، ويضرب مثالاً على ذلك بقوله :
( وقد سمعت أن أحد العرسان دفع معراً قيمته مائتان ريال وهو مبلغ يضع صاحبته في أعلى السلم الاجتماعي . ويتم تقسيم المهر كالآتي : الأب يحصل على نصف المهر أي مائة ريال والاخ ثلاثين ريال والام عشرين ريال ، والاخت لا شئ والعم عشرين ريال والخال عشرة ريالات والعمة خمسة ريالات والخالة أربعة ريالات )

وقد تكون هذه الحالة التي أورها المؤلف فردية وان كنا نستبعد صحتها ، أما التقسيم الذي اورده كونه تقسيماً متعارفاً عليه فلا أصل له البتة ، إذ من المعروف ان المهر كله اوجله الى والد العروس في الغالب . هذه بعض الامثلة على العادات المرتبطة بالزواج التي أوردها المؤلف .

ونلاحظ ان توماس اورد كذلك إشارات قليلة بعد ذلك عن مراسم الزواج وما يصاحبه فنجده يقول مثلاً :
( وقد جرت العادة على ان يصاحب عقد القران احتفالات كبيرة الغرض منها تقنين الزواج وتوثيق عراة ، فيقوم الخطيب ووكيل الزوجة وهو في الاغلب والدها أو شقيقها بالحضور أمام القاضي لانه ليس من العــــــــادة ان يذهب القاضي إلى منزل العريس في المناطق الصحراوية ، وهناك طريقة أخرى تتم بها مثل تلك الامور ، إذ يمكن لبعض رجال القبيلة ممن سبق لهم ان تتلمذوا على يد أحد القضاة ان ينوبو عن القاضي في اتمام عقد القران وبذلك يعتبر الزواج قانونياً ) .

بعد ذلك اشارة المؤلف إلى ان العريس لا بد ان يقدم إلى عروسه مجموعة من الحلي بالاضافة إلى خاتم ( الزواج ) وعادة تقديم خاتم الزواج ليست موجودة في عموم الجزيرة العربية ، ونرى أنها ليست سوى من الخلفيات الثقافية للمؤلف .

كما يذكر توماس بعد ذلك عادة لسنا متاكدين من صحة حدوثها وهي قوله ( وتعتبر القبلة على الأنف هي مقدمة للدخول على الزوجة ) .. ثم يتطوع ويقرر نوع العلاقة بين الرجال والنساء في مجتمع البادية فيقول :
( ينظر الرجل الى المرأة على انها جزء من متاع البيت وربما كان ذلك طبيعياً بالنسبة للبيئة الصحراوية ) وهي ملاحظة بكل تاكيد ليست موفقة إذ نرى البدوي معتزاً بالمرأة إما كانت أم أختاً أم بنتاً ،
والمؤلف نفسه يقول : ( والمتبع بين سكان القبائل البدوية ان يرث الابن لقب والدته وليس والده ) ، وهذا الانتساب لا يدل بالتاكيد على نظرة متدنية للمرأة وإنها من سقط المتاع بقدر ما يؤكد على انها موضع اعتزاز وفخر .. وهذا الاعتزاز موجود في عموم ظفار ،
فمثلاً نرى رجل الجبل عندما ( يتعزى ) فانه ( يتعزى ) باسم امه وليس باسم أبيه فيقول مثلاً : (انا ابن فلانة ) على الرغم من انهم لا يحملون أسماء أمهاتهم كما عند البدو .
عادات الختان :
__________

تناول المؤلف بعضاً من العادات المرتبطة بعملية ختان الذكور ،التي لها حتى عهد ليس ببعيد الكثير من الاهتمام ، والتي كان يرافقها الكثير من الأهازيج والاحتفالات ، فختان الذكور في مجتمع ظفار في تلك الأيام التي زار فيها توماس المنطقة كان من المناسبات الجميلة السعيدة ، والتي يحتفي بها الجميع ،

وفي ذلك يقول ( يعتبر الختان من العادات ذات الاهمية البالغة بين هذه القبائل .. ( يقصد قبائل ظفار ) ويختلف عنه في انحاء شبه الجزيرة العربية الامر الذي يوحى بأن للختان جذوراً نكاد تكون مستقلة ) ولا نوافقه على قضية الاستقلال هذه إذ أن مثل هذه العادات ، وان لم تكن بنفس الصورة كانت تتم في مناطق أخرى من الجزيرة العربية .

وفي أثناء ذكره لهذه العادة المتأصلة عند السكان نجده يصف لنا جانباً من الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة ، فيقول :

( ويحضر الاحتفال الذي يقام بهذه المناسبة كل من الرجال والنساء في منطقة مكشوفه فيؤتي بالشاب الذي يراد ختانه ويجلس على صخرة ويحمل سيفاً حاد الشفرة بيده ويقوم الشاب بقذف السيف إلى اعلى ثم يلتقطه بحيث تلمس راحته حد السيف ، ثم يأتي الخائن ، ويجلس إلى جانب الشاب .. ثم يجلس الشاب ويرفع يده اليسرى إلى اعلى انتظار لاجراء العملية وبمجرد انتهائها يتعين عليه ان ينهض ويدور حول الجمع يرفع سيفـــــــه ويخفضه بطريقة لا يظهر نتها أنـــــــــه يشعر بأي ألم .. وبهذا الاستعراض يثبت الشاب رجولته ) .

ومن الاشارات الغربية التي أوردها المؤلف في هذا الموضوع ونعتقد انه جانب الصواب قوله :
( بينما تقف خلف الخاتن فتــــــاة عذراء محجبة وتكون عادة إحدى قريبات الشاب أ اخته وفي يدها سيف .. )

كذلك قوله : ( ومن المألوف ان يقوم بعملية الختان احد زعماء القبائل أو شخص من عائلة مرموقة ) فبالنسبة لوقوف فتاة عذراء خلف المختون فان هذا مستبعد جداً ، لان نساء المنطقة معروف عنهن الحياء الشديد وهذا لا يسمح لهن التواجد بالقرب من المختون الذي عادة يكون كبيراً في السن قد يصل إلى مرحلة البلوغ أحياناً ، وهذا الكلام لا يعني عدم حضور النساء لاحتفالات الختان .

اما النقطة الثانية التي اوردها المؤلف ويحدد فيها من يقوم بالعملية فالمعروف ان الذي يقوم بها عادة أي شخص لديه خبرة ودراية بصرف النظر عن مكانته ومركزه الاجتماعي ، ومن الجدير بالملاحظة ان الاشخاص الذين ذكرهم المؤلف عادة يترفعون عن إجراء عمليات الختان .

إضافة الى ذلك أورد المؤلف بعض الملاحظات الغريبة حول الموضوع ومن ذلك قوله :
( وفي تلك المناسبة تقوم النساء بانشاد الاغاني وقرع الطبول كما يقمن بتعرية صدورهن ابتهاجاً بذلك )
أن موضوع ابتهاج النساء وإظهار فرحتهن مفهوم ومعلوم في مثل هذه المناسبات. اما قرع الطبول وتعرية الصدور فمسألة تحتاج إلى إعادة نظر .

إذ ان ذلك يتعارض مع ما هو معروف عن عادات وتقاليد هذه المناسبة .
من خلال تتبعنا للاشارات التي دونها برترام توماس عن بعض العادات المرتبطة بالوفاة لدى سكان ظفار ، في ذلك الوقت نجده اهتم ببعض الجوانب الشكلية من هذه العادات ومن ذلك نجده يعطي اهتماماً لموضوع ( النحيرة ) وهو ما ينحر على الميت من ذبائح فيقول :
( إن تقديم الاضاحي وشئ من لحمها يعتبر من المناسبات الهامة التي يحرص عليها سكان المناطق الجبلية عند وفاة واحد منهم ، وهم يتمسكون بهذا التقليد أشد التمسك ، ويقضي بان يتم ذبح نصف عدد الماشية التي يملكها المتوفي ، كما توزع نصف تركته باعتبارها ضريبة على الورثة تؤدي بعد وفاته .. اما الفقراء منهم فيذبحون بقرة واحدة أو ماعزاً واحداً والحد الأدنى للذبائح هو عشرون ذبيحة بالنسبة للأثرياء او الذين يمتلكون اكثر من أربعين رأساً ..وقدتذبح بالاضافة إلى الابقار بعض الاغنام او الجمال غير أن ذبح الأبقار يعد دليلاً على مكانة المتوفي .
وفي يوم الوفاة وعند القبر تذبح بقرة او بقرتان ثم تتكرر العملية بعد مضي فترة قد تطول أو تقصر حسب إمكانيات أسرة المتوفي ، ولا تقدم الاضحية الكيرى قبل مضي نصف شهر إلى ثلاثة أشهر من تاريخ الوفاة حيث يتم ذبح عشرة إلى عشرين رأس بقرا أو ما يعادل نصف الماشية التي كان يمتلكها المتوفي ويسمى هذا ( يوم النحيرة ) .

ولنا على هذا الكلام عدة ملاحظات :

الأولى :
ان المؤلف يخلط بين النحيرة والاضحية ، إذ ان النحيرة هي ما يذبح على الميت من ذبائح كما ذكرنا ، وتحت هذا الاسم الجامع تنطوي مجموعة مسميات مختلفة ، فهناك النحيرة وسراج القبر والختم ، واما الأضحية فهي هنا لها معنيان الاول شعيره الأضحية المعروفة والثانية ذبيحة يقدمها أهل الميت بعد مدة معينة من وفاته – عادة بعد مضي عام وينوون بها أضحية عنه .

الملاحظة الثانية :
وهي حرص سكان الجبل على هذه العادة وهو صحيح ، وغالبيتهم لا يزالون حريصين عليها حتى الآن .

الملاحظة الثالثة :
هي قوله : ان نصف تركة المتوفي من الماشية تذبح عليه بعد موته والنصف الآخر توزع باعتبارها ضريبة على الورثه .. وهذا الكلام بعيد عن الصواب ، إذ لا يعقل ان تقسم تركة المتوفي إلى قسمين قسم للذبح وقسم للتوزيع ، وإذا كان هذا هو الحال فماذا يبقى للورثه ؟! نعتقد هنا ان المؤلف قصد باخراج نصف تركة المتوفي ، عادة إخراج ثلث مال الميت المنشرة بين سكان الجبل وغيرهم من سكان ظفار ، وحتى كلامه عن الحد الادنى للذبائح على الأغنياء التي تطوع بإخبارنا بأنها نصف التركة أو عشرين راساً فيها مبالغة كبيرة ، صحيح ان هناك من يذبح عليه أكثر من هذا ولكن ذلك ليس مقياساً وبسي هناك سقف معين .
وقضية نصف التركة ليست صحيحة إطلاقاً .

الملاحظة الرابعة
وهي قوله : ان ذبح الابقار تدل على مكانة المتوفي ، وهذا في حقيقة الامر مجانب للصواب ، فمن المعروف حب أهل ظفار للإبل واعتزازهم بها خاصة سكان الجبل والنجد ، ومن هنا فان ذبحها في مناسبات الزواج أو الوفاة يدل على مكانة الزوج أو المتوفي .
وليس ذبح البقر ، أما الغنم فإنها عادة لا تذبح في هذه المناسبات الكبيرة .

وبعد ان ذكر المؤلف ( النحيرة ) وما يتعلق بها عرج على موضوع التركة وهنا وقع في مغالطة كبيرة اخرى تمثلت في قوله :
( ويعقب هذه الوليمة توزيع تركة المتوفي على افراد اسرته . فبالنسبة لقبائل الحدود الجنوبية كقبيلة بيت كثير وقبيلة جبال القر فانه يتم توزيع الإرث عن طريق الرف وليس عن طريق الشريعة الاسلامية ، ولا تسمح قبائل بيت كثير لمديني المتوفي أن يأخذوا من ارثه أكثر من الثلث )

نجد المؤلف هنا يغالط نفسه فبعد ان قال ان تركة المتوفي من الماشية تقسم نصفين نصف يذبح عليه وصف يوزع على الناس كضريبة ، فماذا بقي هؤلاء الورثة ليوزع عليهم ؟! إذا علما ان تركة الميت عادة لا تزيد عن عدد معين من رؤوس الماشية والمغالطة الاكبر في هذه المنطقة هي قوله :
( ان تقسيم التركة لا تتفق مع الشريعة الاسلامية )
والذي يدحض هذا الكلام هو قول المؤلف نفسه بعد عدة أسطر فقط عندما قال :
( كما ان العرف بين القبائل الجبلية يختلف عنه بين قبائل الحدود الجنوبية .. وان كان في نفس الوقت يتفق مع الشريعة الاسلامية ) .

وقبل ان نختم اشارات توماس عن بعض العادات المرافقة للوفاة في مجتمع ظفار ذلك الوقت لا بد من ايراد ملاحظة هامة اشار إليها المؤلف بقوله :
( ولا يبيح العرف عند هذه القبائل ( يقصد القبائل الجبلية )
ان تبدي المرأة أي مظهر من مظاهر الحزن على موت زوجها بينما يباح ذلك لام المتوفي وبناته واخواته ، كما يسمح لهن بأن يندبن المتوفي ويرفعن أصواتهم باليكاء .. )

وهي ملاحظة صادقة ، إذ كان من العيب على المراة التي توفي زوجها ان ترفع صوتها بالبكاء او ان تبكيه بشكل علني ، ولا يزال بقايا هذه العادة سارية وان كانت بشكل أقل في المجتمع حتى يومنا هذا . ويختم ملاحظة توماس عن العادات المرتبطة بالوفاة بملاحظته بان الزنوج في صلالة يقيمون حفلاً تابينيا للميت بعد ثلاثة أشهر من موته .
عادات الاكل والشرب :
_______________

دون برترام توماس طرفاً من العادات والتقليد المتعلقة بموضوع الاكل والشرب ، وركز في هذا الجانب على بعض انواع الماكولات ، وبعض الاشارات المتفرقة عن موضوعات يمكن ادخالها في هذا الباب .

فالمؤلف يذكر على سبيل المثال ان اللحم هو الغذاء الاساسي عند سكان الجبل ، غير انهم لا يستسيغون اكل الدجاج وما يشبهها من الطيور والبيض .
ومن الغريب ان يستثني المؤلف لحم الغنم من اللحم الذي يعتبره غذاء السكان ، فيقول بعد ان يشير إلى قطعان الاغنام : ( واهل الجبل لا ياكلون لحومها ، وانما يقدمونها في الولائم والمناسبات للضيوف ) . إذ يعد لحم الغنم من أشهى اللحوم عند القوم ، لذلك يقدمونه إلى الضيف والغريب .

وفي سياق آخر يورد المؤلف ملاحظة نرى انه لم يوفق في رصدها بشكل جيد حين يقول :
( ان المرأة في هذه المنطقة تعمل في ظل نوعين من المحرمات ، فلايباح لها حلب الماشية كما لا يباح لها أن تطهو الطعام .. فهذه الاشياء تعتبر من الاعمال المخصصة للرجل ).
وهو بالتاكيد يريد هنا الاشارة إلى الطهي في المناسبات العامة ، أي الولائم مثل :
الاعراس والمآتم والختان والعزائم ، إذ يقوم الرجال في هذه المناسبات بالتكفل باعداد الاكل لانها مناسبات في الغالب لا يحضرها إلا الرجال أما الطهي في المنزل وإعداد الاكل للاسرة فإن الذي يقوم باعداده بطبيعة الحال سيدة البيت وليس غيرها .


ومن عادات الاكل التي أوردها المؤلف عن سكان المنطقة هو ملاحظته تقديم الضيف أولاً وتفضيله على اهل البيت وكذلك ملاحظته :
تقاسيم البدو للطعام القليل في الحالات التي يقل فيها الطعام لديهم ، وهي عادة منتشرة في عموم ظفار في ذلك الوقت ، كذلك يشير المؤلف إلى عادة البدو في انهم إذا حضروا إلى عين ماء بعد انقطاع يوم أو يومين ، ألا يشرب أحدهم حتى يكتمل الجميع في المكان .
ومن أكثر الملاحظات التي أوردها المؤلف غرابة في هـــــذا المرضوع قوله :
( ويحتفظ جميع أفراد قبيلته مهرة بهذا النوع من الكلاب ( يقصد السلوقي ) يصطادون به ( هكذا ) الأرنب والظباء كما يأكلون لحمها ) أي لحم الكلاب ، وهذا الكلام لا يحتاج إلى رد إذ أن أشد أنواع اللحوم حرمة عند المسلمين هي لحوم الكلاب .

لذا فان المؤلف لم يورد هذه الملاحظة نتيجة مشاهدة عين حسبما نعتقد ولكنة نقلها عن بعض المرافقين الذين قد يكون قصدهم من ذكر ذلك لرحالة اجنبي هو التشفي والعداء القبلي أو الشخصي بين أفرادالقبائل في ذلك الوقت .


بعد ذلك يسوق المؤلف عدداً من الاشارات المتفرقة عن هذا الموضوع ، إذ يذكر ان أفضل اللحوم عند البدو لحم الإبل وهذا لا شك فيه .

كذلك يورد ان من عادة البدو ألا يشربو ا وهم وقوف ، وهذه العادة بالمناسبة عامة في ظفار ، كذلك يشير المؤلف إلى تقاطر الرجال في الجبال إلى مكان الولائم على شكل جماعات يرددون الاهازيج .

وقد اشار المؤلف أكثر من مرة إلى حلول الضيوف في مخيمة أثناء الرحلة سواء في جبال ظفار ، ام في البادية ، ونلاحظ انه لم يكن مرتاحاً بوجودهم ، خاصة عندما وصل إلى منطقة الرمال وأصبح بعيداً عن مراكز التموين ، إذ نجده يتبرم من وجود الضيوف لأن ذلك ربما ينهي مخزونه هو ورفاقه من الطعام ، ويعطلهم عن مهمتهم في اجتياز منطقة الرمال ، وذكر ان رفاقه لم يشاركوه في هذا الشعور .

ونختم الحديث عن بعض عادات الاكل والشرب التي اوردها المؤلف بالاشارة إلى اهمية الحليب ، سواء حليب البقر عند سكان الجبال والمدن ، ام حليب الإبل عند سكان البادية والجبل ، وذلك لما يمثله هذا المصدر الغذائي الغني من اهمية فائقة لدى سكان ظفار .
عادات العلاج والتطبب :
________________
يشير المؤلف في هذا المرضوع إلى طرق التداوي عند السكان فيشير إلى التداوي بالاعشاب ، والكي كما تدخل في قائمة الادوية امعاء بعض الحيوانات البرية التي يصيدونها ، كذلك يشير الى ان الكي يأتي في المقام الاول بالنسبة للعلاجات ، خاصة عند البدو ،
ويقول : ( وقلما نجد بدوياً ليست به ندبه أو علامة الكي .. ) وهناك بعض من الناس يعتقدون في النفع الطبي للحم الضبع . وكذلك يرى بعض أهل الجبل ان الاكتحال بذيل الثعبان يقوي العيون .
كما تناول القليل من بول الناقة الصغيرة يفيد في آلام المعدة ومن العلاجات المستخدمة لعلاج بعض الامراض ذبح ذبيحة ورش دمها على المريض ) .

وهناك علاجات أخرى تدخل فيها الاعتقادات واحياناً الخرافات والشعوذة ومنها – كما يشير المؤلف –
الرقية بالبخور والتعاويذ والحروز ، وما يسميه خطأ ( حمراء الراية ) والصحيح ان اسمها ( احمرارها ) وبالجبالية اسمها ( رعيب ) أو ( رعبوت ) .
وهي لدواء العين او الحسد كما يقول ، والصواب ان البدو يستخدمونها لعلاج عدة أمراض مثل ، الحمى ولدغات الأفاعي والعقارب السامة .
وكذلك لعلاج بعض الامراض المستعصية . والطريقة الثانية يسميها ( الحبل ) ولا ندري من أين جاء بالتسمية إذ الأهالي يسمونها ( الذرع ) بالجبالية وهي نوع من التنجيم والشعوذة ، وتستخدم أيضاً في علاج بعض الأمراض التي استعصت على العلاج العادي .

بعض العادات الطريفة التي أوردها المؤلف :
______________________________
أورد المؤلف جملة من العادات الطريفة التي شاهدها بدى سكان ظفار ، ومنها :
قيام بحارة السفن التي تصل إلى الميناء باطلاق الرصاص في الهواء إعلاناً وابتهاجاً بوصول السفينة إلى البلاد .

ومنها أيضاً عادة غناء الخدم الصباحي عند القصر في حالة الحاكم أو أحد المهمين . ومن العادات الطريفة أيضاً عند أهل الجبل انهم يسمون حيواناتهم بأسماء معينة ، فكل بقرة اسم خاص ، كذلك الحال بالنسبة للإبل عند البدو وعند اهل الجبل 0

ومن العادات الطريفة التي ذكرها المؤلف أيضاً ، عادات التحية عند أهل ظفار ، فيشير إلى عادة تقبيل الخد لدى الرجال في جبال ظفار ، غير انه يخطئ عندما يورد طريقه التقبيل بأن الرجل يقبل الخد الأيسر للرجل الذي يلقاه ، ومن ثم يقبل كتفه الأيمن والصحيح في تحية القومان يقبل أحدهم الخد الأيمن لصاحبه ويضع كل منها راحته اليمنى على الكتف الأيمن للآخر .

اما مصافحة الرجل للمرأة من غير محارمة ، فقد ذكرها توماس موفق إذ قال :
( فانهم هنا يكتفون من هذا ( أي من المصافحة ) بلمس أطراف أصابع بعضهم البعض ( أي الرجل والنساء ) ويتعين على المرأة او الفتاةفي هذه الحالة ان تسحب يدها بسرعة فائقة يد الرجل أثناء التحية ، أما إمساك يد الفتاة أو لمس راحتها كما هو معروف في أوروبا ، فيعتبر عملاً منافياً للتقاليد ، وقد يدفع ذلك أهل الفتاة للانتقام من الرجل ) ولا تزال هذه العادة سارية لدى السكان .

وفي هذا الصدد أيضاً يذكر المؤلف طريقة التحية لدى بدو الرمال فيقول :
( ان التقبيل على الانف بين سكان الصحراء يحل محل المصافحة باليد ) .
وننهي حديث المؤلف عن بعض العادات الطريفة التي صادفته ، بهذه العادة الطريفة وهي عدم عندما قام أحد مرافقية من البدو يوضع حزام خراطيشه ( محزمة ) وكان خالياً على الارض فما كان من أصحابه إلى أخذ الواحد تلو الآخر يلقون بطقاتهم على الارض ، وعندما فرغ الجميع من ذلك كان لدى الشيخ سيف عشر طلقات ) وكانت هذه العادة منتشرة بين أبناء مجتمع ظفار ، ولهذه العادة مدلولات اجتماعية متعددة ، فهي تدل على روح التكافل ، كما إنها توحي بالبساطة والعفوية ، كما غنها تشير إلى الكرم والبذل ، خاصة إذا علمنا ان الذخيرة كانت من أغلى السلع ، فكانت الطلفة بريال واحد ، والريال في ذلك الوقت كانت له قيمة يعلمها من عايش تلك الفترة .))

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

ابن بطوطة في ظفار ، خالد الشنفري

زار الرحالة المعروف ابن بطوطة ظفار مرتان في سنة 726 هـ / 1325 م وفي سنة 748هـ / 1347م
والان نستعرض ماكتبه ابن بطوطة عن رحلته الى ظفار

الرحلة الاولى سنة 726هـ

(( ذكر سلطان ظفار
وهو السلطان الملك المغيث بن الملك الفائز ابن عم ملك اليمن. وكان أبوه أميراً على ظفار من قبل صاحب اليمن. وله عليه هدية يبعثها له في كل سنة. ثم استبد الملك المغيث بملكها، وامتنع من إرسال الهدية. وكان من عزم ملك اليمن على محاربته، وتعيين ابن عمه ووقوع الحائط عليه ما ذكرناه آنفاً. وللسلطان قصر بداخل المدينة يسمى الحصن، عظيم فسيح، والجامع بإزائه. ومن عادته أن تضرب الطبول والبوقات والأنفار والصرنايات على بابه كل يوم بعد صلاة العصر؛ وفي كل يوم إثنين وخميس تأتي العساكر إلى بابه فيقفون خارج المشور ساعة وينصرفون، والسلطان لا يخرج ولا يراه أحد إلا في يوم الجمعة، فيخرج للصلاة ثم يعود إلى داره. ولا يمنع أحد من دخول المشور، وأمير جندار قاعد على بابه، وإليه ينتهي كل صاحب حاجة أو شكاية، وهو يطالع السلطان، ويأتيه الجواب للحين. وإذا أراد السلطان الركوب خرجت مراكبه من القصر وسلاحه ومماليكه إلى خارج المدينة، وأتى بجمل عليه محمل مستور بستر أبيض منقوش بالذهب، فيركب السلطان ونديمه في المحمل بحيث لا يرى. وإذا خرج إلى بستانه وأحب ركوب الفرس ركبه ونزل عن الجمل. وعادته أن لا يعارضه أحد في طريقه ولا يقف لرؤيته ولا لشكاية ولا لغيرها، ومن تعرض لذلك ضرب أشد الضرب. فتجد الناس إذا سمعوا بخروج السلطان فروا عن الطريق وتحاموها. ووزير هذا السلطان الفقيه محمد العدني، وكان معلم صبيان، فعلم هذا السلطان القراءة والكتابة، وعاهده على أن يستوزره إن ملك. فلما ملك استوزره، فلم يكن يحسنها، فكان الاسم له والحكم لغيره. ومن هذه المدينة ركبنا البحر نريد عمان في مركب صغير لرجل يعرف بعلي بن إدريس المصيري من أهل جزيرة مصيرة. وفي الثاني لركوبنا نزلنا بمرسى حاسك وبه ناس من العرب، صيادون للسمك، ساكنون هنالك، وعندهم شجر الكندر، وهو رقيق الورق. وإذا شرطت الورقة منه قطر منها ماء شبه اللبن، ثم عاد صمغاً. وذلك الصمغ هو اللبان وهو كثير جداً هنالك. ولا معيشة لأهل ذلك المرسى إلا من صيد السمك، وسمكهم يعرف باللخم " بخاء معجم مفتوح "، وهو شبيه كلب البحر. يشرح ويقدد ويقتات به. وبيوتهم من عظام السمك، وسقفها من جلود الجمال. وسرنا من مرسى حاسك أربعة أيام ووصلنا إلى جبل لمعان " بضم اللام "، وهو في وسط البحر، وبأعلاه رابطة مبنية بالحجارة وسقفها من عظام السمك، وبخارجها غدير ماء يجتمع من المطر.

وصف ظفار
وركبنا البحر من كلوا إلى مدينة ظفار الحموض " وضبط اسمها بفتح الظاء المعجم والفاء وآخره راء مبنية على الكسر "، وهي آخر بلاد اليمن على ساحل البحر الهندي، ومنها تحمل الخيل العتاق إلى الهند. ويقطع البحر فيما بينها وبين بلاد الهند مع مساعدة الريح في شهر كامل، قد قطعته مرة في قالقوط من بلاد الهند إلى ظفار في ثمانية وعشرين يوماً بالريح، ولم ينقطع لنا جري بالليل ولا بالنهار. وبين ظفار وعدن في البر مسيرة شهر في صحراء. وبينها وبين حضرموت ستة عشر يوماً، وبينها وبين عمان عشرون يوماً. ومدين ظفار في صحراء لا قرية بها ولا عمالة لها، والسوق خارج المدينة بربض يعرف بالحرجاء، وهي من أقذر الأسواق وأشدها تنتاً وأكثرها ذباباً، لكثرة ما يباع فيها من الثمرات والسمك. وأكثر سمكها النوع المعروف بالسردين، وهو بها في النهاية من السمن. ومن العجائب أن دوابهم إنما علفها من هذا السردين وكذلك غنمهم. ولم أر ذلك في سواها. وأكثر باعتها الخدم، وهن يلبسن السواد. وزرع أهلها الذرة، وهم يسقونها من آبار بعيدة الماء. وكيفية سقيهم أنهم يصنعون دلواً كبيرة، ويجعلون لها حبالاً كثيرة، ويتحزم بكل حبل عبد أو خادم، ويجرون الدلو على عود كبير مرتفع عن البئر، ويصبونها في صهريج يسقون منه. ولهم قمح يسمونه العلس وهو في الحقيقة نوع من السلت، والأرز يجلب إليهم من بلاد الهند، وهو أكثر طعامهم. ودراهم هذه المدينة من النحاس والقصدير، ولا تنفق في سواها. وهم أهل تجارة لا عيش لهم إلا منها، ومن عاداتهم أنه إذا وصل مركب من الهند أو غيرها خرج عبيد السلطان إلى الساحل، وصعدوا في صنبوق إلى المركب، ومعهم الكسوة الكاملة لصاحب المركب أو وكيله، وللربان وهو الرئيس، وللكراني وهو كاتب المركب، ويؤتى إليهم بثلاثة أفراس فيركبونها، وتضرب أمامهم الأطبال والأبواق من ساحل البحر إلى دار السلطان فيسلمون على الوزير وأمير الجند، وتبعث الضيافة لكل من بالمركب ثلاثاً، وبعد الثلاث يأكلون بدار السلطان.
وهم يفعلون ذلك استجلاباً لأصحاب المراكب. وهم أهل تواضع وحسن أخلاق وفضيلة ومحبة للغرباء، ولباسهم القطن، وهو يجلب إليهم من بلاد الهند.ويشدون الفوط في أوساطهم عوضاً عن السروال، وأكثرهم يشد فوطة في وسطه، ويجعل فوق ظهره أخرى من شدة الحر، ويغتسلون مرات في اليوم.
وهي كثير ة المساجد. ولهم في كل مسجد مطاهر كثيرة معدة للاغتسال. ويصنع بها ثياب من الحرير والقطن والكتان حسان جداً.
والغالب على أهلها رجالاً ونساء المرض المعروف بداء الفيل، وهو انتفاخ القدمين. وأكثر رجالهم مبتلون بالأدر والعياذ بالله ومن عوايدم الحسنة التصافح في المسجد إثر صلاة الصبح والعصر، يستند أهل الصف الأول إلى القبلة، ويصافحهم الذين يلونهم. وكذلك يفعلون بعد صلاة الجمعة، يتصافحون أجمعون. ومن خواص هذه المدينة وعجائبها أنه لا يقصدها أحد بسوء إلا عاد عليه مكروه، وحيل بينه وبينها. وذكر لي أن السلطان قطب الدين تمتهن بن طوران شاه صاحب هرمز نازلها مرة من البر والبحر، فأرسل الله سبحانه عليه ريحاً عاصفاً كسرت مراكبه ورجع عن حصارها وصالح ملكها. وكذلك ذكر أن الملك المجاهد سلطان اليمن عين ابن عم له بعسكر كبير، برسم انتزاعها من يد ملكها، وهو أيضاً ابن عمه، فلما خرج ذلك الأمير من داره سقط عليه حائط وعلى جماعة من أصحابه فهلكوا جميعاً. ورجع الملك عن رأيه وترك حصارها وطلبها. ومن الغرائب أن أهل هذه المدينة أشبه الناس بأهل المغرب في شؤونهم. نزلت بدار الخطيب بمسجدها الأعظم، وهو عيسى بن علي، كبير القدر كريم النفس. فكان له جوارٍ مسميات بأسماء خدام المغرب، إحداهن اسمها بخيتة والأخرى زاد المال. ولم أسمع هذه الأسماء في بلد سواها. وأكثر أهلها رؤوسهم مكشوفة، لا يجعلون عليها العمائم. وفي كل دار من دورهم سجادة الخوص، معلقة في البيت، يصلي عليها صاحب البيت، كما يفعل أهل المغرب. وأكلهم الذرة. وهذا التشابه كله مما يقوي القول بأن صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير. وبقرب من هذه المدينة بين بساتينها زاوية الشيخ الصالح العابد أبي محمد بن أبي بكر بن عيسى، من أهل ظفار. وهذه الزاوية معظمة عندهم، يأتون إليها غدواً وعيشاً، ويستجيرون بها. فإذا دخلها المستجير لم يقدر السلطان عليه. رأيت بها شخصاً ذكر لي أن له بها مدة سنين مستجيراً لم يتعرض له السلطان وفي الأيام التي كنت بها استجار بها كاتب السلطان، وأقام فيها حتى وقع بينهما الصلح. أتيت هذه الزاوية، فبت بها في ضيافة الشيخين أبي العباس أحمد وأبي عبد الله محمد ابني الشيخ أبي بكر المذكور، وشاهدت لهما فضلاً عظيماً، ولما غسلنا أيدينا من الطعام أخذ أبو العباس منهما ذلك الماء الذي غسلنا به فشرب منه، وبعث الخادم بباقيه إلى أهله وأولاده فشربوه. وكذلك يفعلون بمن يتوسمون فيه الخير من الواردين عليهم. وكذلك أضافني قاضيها الصالح أبو هاشم عبد الله الزبيدي، وكان يتولى خدمتي وغسل يدي بنفسه، ولا يكل ذلك إلى غيره. وبمقربة من هذه الزاوية تربة سلف السلطان الملك المغيث، وهي معظمة عندهم، ويستجير بها من طلب حاجة، فتقضى له. ومن عادة الجند أنه إذا تم الشهر ولم يأخذوا أرزاقهم، استجار بهذه التربة، وأقاموا في جوارها إلى أن يعطوا أرزاقهم.
وعلى مسيرة نصف يوم من هذه المدينة الأحقاف، وهي منازل عاد. وهنالك زاوية ومسجد على ساحل البحر، وحوله قرية لصيادي السمك. وفي الزاوية قبر مكتوب عليه: هذا قبر هود بن عابر عليه أفضل الصلاة والسلام. وقد ذكرت أن بمسجد دمشق موضعاً مكتوب عليه: هذا قبر هود بن عابر. والأشبه أن يكون قبره بالأحقاف لأنها بلاده، والله أعلم. ولهذه المدينة بساتين فيها موز كثير كبير الجرم. وزنت بمحضري حبة منه فكان وزنها اثنتي عشرة أوقية. وهو طيب المطعم شديد الحلاوة. وبها أيضاً التنبول والنارجيل المعروف بجوز الهند، ولا يكونان إلا ببلاد الهند، وبمدينة ظفار هذه، لشبهها بالهند وقربها منه؛ اللهم إلا أن في مدينة زبيد، في بستان السلطان شجيرات من النارجيل. وإذ قد وقع ذكر التنبول و النارجيل، فلنذكرهما، ولنذكر خصائصهما.
ذكر التنبول
والتنبول شجر يغرس كما تغرس دوالي العنب، ويصنع له معرشات من القصب، كما تصنع لدوالي العنب، أو يغرس في مجاورة النارجيل، فيصعد فيها كما تصعد الدوالي، وكما يصعد الفلفل. ولا ثمر للتنبول. وإنما المقصود منه ورقه، وهو يشبه ورق العليق. وأطيبه الأصفر. وتجنى أوراقه في كل يوم. وأهل الهند يعظمون التنبول تعظيماً شديداً، وإذا أتى الرجل دار صاحبه فأعطاه خمس ورقات منه، فكأنما أعطاه الدنيا وما فيها، لا سيما إن كان أميراً أو كبيراً. وإعطاؤه عندهم أعظم شأناً وأدل على الكرامة من إعطاء الفضة والذهب. وكيفية استعماله أن يؤخذ قبله الفوفل، وهو شبه جوز الطيب، فيكسر حتى يصير أطرافاً صغاراً، ويجعله الإنسان في فمه ويعلكه، ثم يأخذ ورق التنبول، فيجعل عليها شيئاً من النورة ويمضغها مع الفوفل. وخاصيته أنه طيب النكهة، ويذهب بروائح الفم، ويهضم الطعام، ويقطع ضرر شرب الماء على الريق، ويفرح آكله، ويعين على الجماع. ويجعله الإنسان عند رأسه ليلاً فإذا استيقظ من نومه، أو أيقظته زوجته أو جاريته أخذ منه، فيذهب بما في فمه من رائحة كريه. ولقد ذكر لي أن جواري السلطان والأمراء ببلاد الهند لا يأكلن غيره، وسنذكره عند ذكر بلاد الهند.
ذكر النارجيل
وهو جوز الهند، وهذا الشجر من أغرب الأشجار شأناً وأعجبها أمراً، وشجره شبه شجر النخل لا فرق بيهما، إلا أن هذه تثمر جوزاً، وتلك تثمر ثمراً. وجوزها يشبه رأس ابن آدم، لأن فيها شبه العينين والفم، وداخلها شبه الدماغ إذا كانت خضراء، وعليها ليف شبه الشعر، وهم يصنعون به حبالاً يخيطون به المراكب عوضاً عن مسامير الحديد، ويصنعون منه الحبال للمراكب. والجوزة منها وخصوصاً التي بجزائر ذيبة المهل، تكون بمقدار رأس الآدمي. ويزعمون أن حكيماً من حكماء الهند في غابر الزمان كان متصلاً بملك من الملوك ومعظماً لديه، وكان للملك وزير بينه وبين هذا الحكيم معاداة. فقال الحكيم للملك: إن رأس هذا الوزير إذا قطع ودفن تخرج منه نخلة تثمر بثمر عظيم، يعود نفعه على أهل الهند وسواهم من أهل الدنيا. فقال له الملك: فإن لم يظهر من رأس الوزير ما ذكرته، قال: إن لم يظهر، فاصنع برأسي كما صنعت برأسه. فأمر الملك برأس الوزير فقطع، وأخذه الحكيم، وغرس نواة تمر في دماغه، وعالجها حتى صارت شجرة، وأثمرت بهذا الجوز. وهذه الحكاية من الأكاذيب، ولكن ذكرناها لشهرتها عندهم. ومن خواص هذا الجوز تقوية البدن وإسراع السمن والزيادة في حمرة الوجه. وأما الإعانة على الباءة ففعله فيها عجيب. ومن عجائبه إنه يكون في ابتداء أمره أخضر. فمن قطع بالسكين قطعة من قشره وفتح رأس الجوزة شرب منها ماء في النهاية من الحلاوة والبرودة. ومزاجه حار معين على الباءة. فاذا شرب ذلك الماء أخذ قطعة القشرة وجعلها شبه الملعقة وجرد بها ما في داخل الجوزة من الطعم، فيكون طعمه كطعم البيضة إذا شربت ولم يتم نضجها كل التمام، ويتغذى به. ومنه كان غذائي أيام إقامتي بجزائر ذيبة المهل مدة عام ونصف عام. وعجائبه أن يصنع منه الزيت والحليب والعسل.فأما كيفية صناعة العسل منه فإن خدام النخل منه، ويسمون الفازانية، يصعدون إلى النخلة غدواً وعشياً إذا أرادوا أخذ مائها الذي يصنعون منه العسل، وهم يسمونه الأطواق، فيقطعون العذق الذي يخرج منه الثمر، ويتركون منه مقدار إصبعين، ويربطون عليه قدراً صغيرة فيقطر فيها الماء الذي يسيل من العذق. فإذا ربطها غدوة، صعد إليها عشياً ومعه قدحان من قشر الجوز المذكور، أحدهما مملوء ماء فيصب ما اجتمع من ماء العذق في أحد القدحين ويغسله بالماء الذي في القدح الآخر، وينجر من العذق قليلاً ويربط عليه القدر ثانية، ثم يفعل غدوة كفعله عشياً، فإذا اجتمع له الكثير من ذلك الماء طبخه كما يطبخ ماء العنب إذا صنع منه الرب، فيصير عسلاً عظيم النفع طيباً، يشتريه تجار الهند واليمن والصين، ويحملونه إلى بلادهم، ويصنعون منه الحلواء. وأما كيفية صنع الحليب منه فإن بكل دار شبه الكرسي، تجلس فوقه المرأة، ويكون بيدها عصا، في أحد طرفيها حديدة مشرفة، فيفتحون في الجوزة مقدار ما تدخل تلك الحديد، ويجرشون ما في باطن الجوزة، وكل ما ينزل منها يجتمع في صحفة، حتى لا يبقى في داخل الجوزة شيء، ثم يمرس ذلك الجريش بالماء، فيصير كلون الحليب بياضاً، ويكون طعمه كطعم الحليب، ويأتدم به الناس. وأما كيفية صنع الزيت فإنهم يأخذون الجوز بعد نضجه وسقوطه عن شجره، فيزيلون قشره ويقطعونه قطعاً ويجعل في الشمس، فإذا ذبل طبخوه في القدور واستخرجوا زيته، وبه يستصبحون. ويضعه الناس في شعورهم، وهو عظيم النفع.))

الرحلة الثانية سنة 748هـ

((ذكر سلطان ظفار
ووجدت سلطانها في هذه الكرة الملك الناصر ابن الملك المغيث، الذي كان ملكاً بها حين وصولي إليها فيما تقدم، ونائبه سيف الدين عمر أمير جندر، التركي الأصل. وأنزلني هذا السلطان، وأكرمني. ثم ركبت البحر، فوصلت إلى مسقط))