الاثنين، 2 نوفمبر 2009

تاريخ ظفار .. حتى عام 798هجرية/1396م للباحث أ.د / محمد جاسم المشهداني

ضمن ندوة ظفار عبر التاريخ كانت ورقة البحث بعنوان تاريخ ظفار حتى عام 798هجرية/1396م للباحث محمد المشهداني وفيما يلي ورقة البحث
((فإن الكتابة في تواريخ المدن العربية في تاريخنا المعاصر يعد امراً مهماً من ناحية التأصيل التاريخي لمختلف الجوانب التاريخية لأي منها ، إضافة إلى كونه يعبر مدى حب المواطن العربي لمدنه العربية والتعرف على تاريخها انطلاقاً من وحدة التاريخ العربيالمشترك الذي يعد من الروابط الأساسية بين أبناء الامة .


كما ان التاليف في تواريخ المدن العربية حالياً ليس بدعاً وإنما هو استمرار لمنهجية المؤرخين العرب المسلمين الذين كتبوا قبل اكثر من الف سنة في التواريخ المحلية للمدن العربية الاسلامية ، ولذلك فإن أي جهد يبذل لاعادة كتابة تواريخ المدن العربية يعد تواصلاً صحيحاً منهجية المؤرخين القدامى ، الذين كتبوا في تراث مدنهم ومناقبها .

ولو رجعنا إلى جهود المؤرخين العرب المسلمين وما كتبوه في هذا الاتجاه فإننا نجد هذه الجهود متنوعة وشاملة ، ونقتبس هنا قول المؤرخ أبي عثمان عمر بن بحر الجاحظ المتوفي سنة 255هـــ ، في كتابة المرسوم ( في الاوطان والبلدان ) إذ جاء في مقدمة كتابه ما نصه :
( وفقك الله بالتقوى ، وكفاك الله الهم من امر الآخرة والاولى ، واثلج صدرك باليقين ، واعزك بالقناعة وختم لك بالسعادة ، وجعلك من الشاكرين سألت أبقاك الله ان اكتب لك كتاباً في تفاصيل البلدان ، وكيفية قناعة النفس بالاوطان ، وما في لوزمها من الغش والنقص ، وما في الطلب من علم التجارب والعقل )
وذكرت قول القائل : ( الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم ، ونسيت أبقاك الله عمل البلدان ... إن السبب الذي بعث على جمع نتف من اخبار العرب في حنينها إلى اوطانها وشوقها إلى تربها وبلدانها ووصفها في أشعارها توقد النار في أكبادها ... ) .

ولذلك تجئ ندوة ظفار في ذات السياق المتعلق بذكر مناقب الاوطان والبلدان والحنين إليها ، والتي تدرج ضمن ذات السياقات الفكرية في إعادة كتابة تاريخنا القومي .
فالتاريخ المحلي لظفار والاهتمام به كجزء من التاريخ العماني ، يأتي انسجاماً مع الدعوة لاعادة كتابة تاريخ الامة عبر الزمن ، وهذا ما ندعو إليه ونؤكد عليه منذ سنين ، وعن كتابة التاريخ المحلي لعمان هو جزء لا يتجزأ من كتابة التاريخ القومي للامة العربية ، لاننا عندما نفكر في كتابة تاريخ المدن العربية محلياً ، فغننا ندعو بذلك إلى كتابة تواريخ كل المدن العربية قومياً وان ذكر مناقب المدن العربية يأتي انسجاماً مع كتابة تاريخنا القومي عموماً ، وإظهار كل ما يتعلق من تاريخها للتعرف بدورها في التاريخ العربي الانساني .

لقد وقع اختياري على موضوع ( تاريخ ظفار حتى عام 798هـــ/1396 م ) وذلك لما لظفار من أهمية في التاريخ العربي قبل الاسلام وبعده ،ولما لاهلها من تواضع وحسن اخلاق وفضيلة ومحبة للغرباء ... ) .
ومن خواص هذه المدينة وعجائبها انه لا يقصدها أحد بسوء إلا عاد عليه مكروه وحيل بينه وبينها ، كما قال ابن بطوطة ما نصه :
( ذكر لي ان السلطان قطب الدين تمهتن بن طوران شاه صاحب هرمز نازلها مرة من البر والبحر ، فأرسل الله سبحانه عليه ريحاً عاصفاً كسرت مراكبه ورجع عن حصارها وصالح ملكها ، وكذلك ذكر لي ان الملك المجاهد سلطان اليمن عين ابن عم له بعسكر كبير وبرسم انتزاعها من يد ملكها وهو ايضاً ابن عمه ، فما خرج ذلك الامير من دارة سقط عليه حائط وعلى جماعة من أصحابه فهلكوا جميعاً ، ورجع الملك عن رأيه وترك حصارها وطلبها ) ،
ولذلك فان المدينة العربية التاريخية تستحق منا وقفة لدراستها ومعالجة جوانب من تاريخها ، واقتصرت في ذكر المدة إلى سنة 798هـــ/1396م وذلك لبداية ضعف الدور السياسي للمدينة بعد ان بقيت فترة تحت حكم الرسوليين لها وقد اقتضت ضرورات البحث أن يكون في ستة مباحث ، تناولت:

أولا: منها ( تسمية ظفار ) ،
ثانيا:( الجغرافية التاريخية لظفار )
ثالثا:( ظفار في العصور القديمة وعصر ما قبل الاسلام ) .
رابعا:فيتناول ( ظفار في العصور الاسلامية ) وهو من اوسع مباحث الدراسة .

خامسا: فقد تطرقت فيه إلى موضوع ( التاريخ الاقتصادي لظفار ) .
سادسا: فقد تناولت فيه موضوع ( علماء ظفار) .
أن هذه الدراسة هي محاولة واجتهاد لتاريخ هذه المدينة العربية سائلاً الله تعالى ان يوفقني فيما ذهبت إليه من دراسة لهذه المدينة ، من اجل لإظهار جانب من جوانب تاريخها .

المبحث الاول
تسمية ظفار
_________

ضبط عدد من الجغرافيين والمؤرخين واللغويين تسمية ( ظفار ) بفتح اوله والبناء على الكسر ، بمنزلة قطــــــام وحذار ، وقد اعربه قوم ، وهـــــــــو بمعنى أظفره او معدول عن ظافر ، ومنهــــــم ابن خرداذبة ( ت، 300 هـــ ) ، والجوهري ( ت ، 398هـــ ) ، وابو الفداء ( ت ، 732هـــ ) ، وابن الاثير ( ت 630 هــــ ) ، وياقوت الحموي ( ت ، 626هـــ ) وهذا الراجخ في ضبط تسمية ظفار .

وهنـــاك من ضبط تسمية ظفار بضم الظاء بقولهم ( ظفار ) ، وهناك من يرى أن اللفظ ينطق احياناً ( ظفار ) او ( ظفور ) بسكون الظاء ، وفي احيان ( ظفار ) بكسر الظاء .
وتسمية ظفار ماخوذه من معناها من ( النبات العطر ) وهذا يدلل أصلاً على الفكره التي عبر عنها اليونانيون ، وذلك لاشتهار ظفار بتجارة البخور والعطر عبر التاريخ .
وورد تسمية ظفار في التوراه باسم ( سفار ) .
فالمدينة عريقة في القدم ، و ( سفار ) هو الحد الجنوبي لبلاد اليقطانيين وذلك باجماع آراء علماء التوراه ، وهي التي اشتهرت شهرة واسعة في العالم القديم ، وورد ذكرها في الكتب والمصادر القديمة وذلك لشهرتها هذه ولقدمها .
اما الفنيقيون الذين استوطنوا أرض عمان قبل ظهورهم في شرق البحر المتوسط ، فقد أطلقوا على ظفار تسمية ( أوفير ) وكذلك سماها اليونانيون ، وعرفت ظفار بظفار الساحل ، كما عرف عرفت فيما بعد بظفار الحبوض ، تمييزاً لها عن ظفار اليمن .
وبعد تدميرها ما بين سنة 618 – 619هـــ / 1221 - 1222م ، تم بناء مدينة المنصورة والتي سميت القاهرة والأحمدية قرب موقع مدينة ظفار ، ثم طغى اسم ظفار عليها فيما بعد كما سنرى من خلال الدراسة .

المبحث الثاني
الجغرافية التاريخية لظفار
_________________
كانت تسمية ظفار تطلق على الموضع التاريخي للمدينة المسماه ( ظفار) ثم اتسع هذا المصطلح ليشمل إقليماً أوسع من تحديد المدينة المحدودة المساحة ، فلقد ذهب كرتندن سنة 1837م إلى ان أقليم ظفار براً يمتد من مرباط الى دهاريز قصبة إقليم ظفار الساحلي .

وحقق ما اكده له فنرسلا نقلاً عن مبلغه في جده ، وعن هاينز بانه لم تعد في زمانه مدينة أسمها ظفار ، بل عن الاقليم الممتد من مرباط الى ريسوت هو الذي يحمل هذا الاسم ، وتقع ظفار في القسم الجنوبي الغربي من بلاد عمان ، وعلى ساحل البحر العربي في الرف الشرقي من اواسط الشاطئ الجنوبي لشبه جزيرة العرب .
ويمتد الاقليم بين خطي طول 47 – 52 و 10 – 56 شرقاً ، أي انه يقع بين رأس ( منجي ) شرقاً ورأس خربة على غرباً ، بطول يقرب من 240 ميلاً ، ممتداً بين الساحل الجنوبي عند خط عرض 45 – 56 شمالاً ، وصحراء الربع الخالي من الشمال أي مع امتداد خط عرض 30 – 19 شمالاً ، هذا بالنسبة للجغرافية .

اما بالنسبة لتحديد موظع ظفار من وجهة نظر المؤرخين ، فنجد من الاشارات القديمة الى هذا الموقع ، ما اورده بطليموس وقد حدد بطليموس المكان على خريطته ، وهو يتفق مع موقع ظفار ، وموقعها في جبال القمر ، وغبة القمر ، أي جون القمر التي تقوم عليه ظفار بالفعل ، اما موضع ( مهبط وحي القمر ) فمن خلال روايات بطليموس أنه كان قريباً جداً من الميناء السابق ريسوت ، ويتخلل هذا المكان سهل جيد الري على مسيرة نحو تسع ساعات طولاً وساعة عرضا عند طاقة ، حيث يبلغ اتساع له في العرض ، وهو أيضاً يجتاز التلال ويسمى الآن ظفار .

ويؤكد شبرنكر ان بطليموس ، استخدم المعلومات التي زوده بها الرحالون من الهند حتى الساحل الجنوبي الشرقي لبلاد العرب بطولة ، ولعله أصاب بإشارته الى المكان على خريطة بطليموس وهو يتفق مع موقع ظفار .

وقد وجد كارتر ( CARTER ) خرائب ست مدن أو نحوها في المكان الذي ذكره بطليموس لعلها كانت العواصم المتعاقبة للظفارية كما ذهب الى ذلك شبرنكر .
وقال الصاغاني : ( ظفار قرب مرباط وتعرف بظفار الساحل وإليه ينسب القسط وهو العود الذي يتبخر به ) ولذلك قيل " عود ظفاري منسوب الى ظفار ، وهو العود الذي يتبخر به " ، وهي على ساحل البحر الهند قريبه من الشحر ، وتبعد عن مرباط بحدود خمسة فراسخ ، أي ما يعادل 25 كيلومتراً .
وأكد أبو الفداء ( ت ، 732هـــ ) ان ظفار تقع على ساحل خور يخرج من البحر الجنوبي وعلى طرفه مدينة ظفار وهي قاعدة بلاد الشحر ، ويقطع البحر فيما بينها وبين بلاد الهند مع مساعدة الريح في شهر كامل .
وقال ابن بطوطه : ( قد قطعته مرة من قالقوط من بلاد الهند الى ظفار في ثمانية وعشرين يوماً بالريح الطيبة ، لم ينقطع لنا جري بالليل ولا بالنهار ) .

اما المسافات بين ظفار وبين غيرها من المدن والاقاليم فهي تعكس أهمية الموقع الجغرافي لظفار ، ومنها :
1.بين ظفار وعدن في البر ، مسيرة شهر في الصحراء .

2.بين ظفار وحضرموت ، ستــــــــــــــة عشر يوماً .

ولموقع ظفار الجغرافي أهمية عظيمة فهو يشغل جزءا من البقعة المحصورة بين خليج عمان ومضيق باب المندب وهو بهذا يشكل حلقة وصل بين الهند وشرق أفريقيا وموقع البلاد على ساحل البحر العربي اكسبها أهمية تجارية في ميدان البحر ، إذ تمر بموائها السفن التجارية مثل ميناء صلالة ومرباط .

وبالاضافة الى حصانة وأهمية الموقع الجغرافي لظفار فان الاستكشافات الحديثه أكدت وجود سور وقلاع تحيط بالمدينة إذ يقول ويندل عن رحلته الى ظفار ما نصه :
( وأول شئ عثرنا عليه هو رأس قمة عالية من جبل لم نر مثله ، وهناك تكوينات من الطوب تدل على وجود تحصينات دفاعية قديمة ، كانت تستخدم للدفاع عن المدينة ، وهناك كذلك برج مرتفع في الشرق خارج أسوار المدينة ، على بعد سنة أقدام منها ، يقف عليه المحاربون باعتياره موقعاً هاماً للسيطرة وانزال الهزيمة بالأعداء . وكان اهم ما في حملتنا هو العمل داخل هذه المنطقة شمال سور المدينة ، حيث يجد الجيولوجي آثار لمبان قديمة عظيمة ، وفي أعالي الصخور توجد قطع من البرونز الذي تم اكتشافه حديثاً بالمنطقة .
من أهم المناطق التي لفتت اهتمام المستكشفين في ظفار تلك الواحات التي تبعد مسافة سبعة وخمسين ميلاً شمال شرق صلالة ، وفي وادي النظور المتسع على الحافة الجنوبية لنجد . وقد زجدنا في هذه الواحات كذلك بعض الآثار القديمة .
في موقعنـــــــا هذا وخلال ساعة تقريباً وصلنا إلى تكوينات مدهشة تشير الى وجود أنواع من الزراعة قديماً .
كما وجدنا هنا إثنتي عشر مجموعة من أكوام الصخور وقد كانت باتاكيد مدافة تقع على الطريق المستقيم الذي يجري شمال وجنوباً ، كما يوجد هنا خط مستقيم بموازاة الغرب ، يتكون من مناطق حارة جداً ، وكانت هناك نقوش على بعض الأحجار ، ولكنها كانت غامضة وغريبة .
وهناك سور دفاعي في الجزء الشمالي ، وافضل تفسير لهلذه الأطلال هو انه كان يوجد هناك حصن للحراسة والسيطرة على مزارع اللبان ، وانها كانت منطقة هامة لانتاج البخور وعلى أية حال فان واحات نظور كانت محطة هامة للراحة على طريق القوافل المارة في الطريق الى الخليخ في الشمال على تجارة البخور واللبان ، وهكذا كان الهدف من إقامة هذا الحصن .
وقد كانت حنون وخور روري ونظور هي المواقع الوحيدة في ظفار كلها ، التي يمكن القول بانها تعود الى عصور ما بعد الاسلام .

المبحث الثالث
ظفار في العصور القديمة وعصر ماقبل الاسلام
________________________________
يرجع تاريخ ظفار الى العصور التاريخية القديمة ، اذ اقترن تاريخها بالدور الاقتصادي الذي كانت تقوم به عير العصور من ناحية الموقع الجغرافي ، ومن ناحية انتاجها الاقتصادي ، فقد عرفت ظفار منذ نبي الله سليمان عليه السلام ، إذ يروي بأن بلقيس ملكة سبأجعلت اللبان هدية الى الملك سليمان في القرن العاشر قبل الميلاد كما ذكر المؤرخ الانجليزي برستيد في كتابه تاريخ مصر ، مبيناً ان مادة المر الشبيهة باللبان وجدت في قبر توت عنخ آمون .

وروي ان احد علماء الآثار عثر عام 1971م على معبد غريب الشكل في شمال روديسيا يشبه الى حد كبير المعابد الفينيقية في ظفار ، إذ كان الفينيقيون استوطنو ارض عمان قبل ظهورهم في شرق البحر المتوسط ، وكانوا سادة المحيط الهندي واستطاعوا الوصول الى شرق افريقيا وجلبوا الذهب وريش النعام الى ظفار وكانوا ينقلونها الى جنوب العراق وفلسطين .
ويقول السالمي مؤرخ عمان بأن الآشوريين استولوا على عمان وطالبوا بدفع الجزية عينا باللبان الذي كانوا يقدمونه لأحد آلهتهم المسمى مردوخ .
وأشار البروفسور ( نيكسون ) إلى ان اللبان كان جملة السلع التي كانت تحمل الى الملك الآشوري سرجون الأكدي وذلك عام 750ق.م مع الخيول والجمال من الجزيرة العربية إضافة الى الأنسجة التي تستوردها عمان من الهند ، ثم تنتقل الى العراق والى الفراعنة ومصر .
وقد استهــــوى اللبان في اوفير ( ظفار) الاسكندر المقدوني أثناء حملته الى الشرق فأمر قائده ( نيار خوس ) بالتوجه بحراً من السند الى الجزيرة العربية ، بينما توجه هو غرب مدينة المحمرة في الساحل الشرقي لشط العرب ، واسمها القديم ( خاراكاس ) شرق مدينة البصرة ، وقد وصل القائد ( نيار خوس ) الى رأس مسندم في شمال عمان ، ولكنه قفل عائداً الى الاسكندر الذي استقبله في مدينة البصرة ، وفي رواية ان الاسكندر بعث الى الكـــــاهن الأعظم في أثينا بكمية من اللبان ، واوصاه بالاقتصاد في استعمالها ريثما يتم احتــــــــلال ظفار ( اوفير ) ويبعث إليه بالمزيد من هذه البخور المقدس ، إلا ان الاسكندر توفي قبل أن يحقق هذا الهدف .
وشاع ذكر مدينة ظفار في الكتب اليونانية إضافة الى ان بطليموس ذكرها في خريطته عن المنطقة وهو يتفق مع موقع ظفار ، وارجع الظن أن مدينة ظفار الساحلية أقدم من القصبة الحميرية .
وازداد الطلب على اللبان نتيجة للاستهلاك المتزايد في كل من بلاد النهرين ، وسوريا ، واليونان ، وروما ، حيث ازداد الطلب الى قمته في القرون الأولى الميلادية وكان ذلك هو العصر الذذي كان فيه اللبان من أهم السلع على الإطلاق يجري تصديرها من بلاد العرب الى الغرب ، بل من الجائز أيضاً الى الصين ، وهو الأمر الذي يمكن مقارنته بسلعة النفط في العصور الحديثة .
ويعد ميناء ( سمهرم ) المعروف بــ ( خور روري ) وهو في ظفار عمان من الموانئ المعروفة التي كانت في القرن الأولى للميلاد ، وعثرت البعثة الامريكية لدراسة الانسان فيه على بقايا خزف تبين لها من فحصه انه مستورد من موانئ البحر الأبيض المتوسط في القرن الأول للميلاد ، ووجوده في هذا المكان يشير بالطبع الى الاتصال التجاري الذي كان بين البلاد العربية الجنوبية وسكان البحر المتوسط في ذلك العهد .
وتثبت مدينة سمهرم الحصينة وجود مستوطنات من عصر ما قبل الاسلام في المنطقة ويعود تاريخها الى القرن الأول الميلادي ، ويبدو أن هذه المنطقة المنجة للبخور لم تكن فقط منطقة مهجورة تقوم بتصدير سلعة هامة بل انها كانت جزءاً من مجتمع حضاري يرتع بهذا الثراء .
ومن الحوداث السياسية المتعلقة بظفار قبل مجئ المسلمين إليها ، انه في عام 570 م أي قبل 52 سنة قبل الهجرة النبوية الشريفة غزت قوات الملك الساساني انوشروان مدينة ظفار واحتلتها .

البحث الرابع
ظفار في العصور الاسلامية
___________________

كما مر بنا كانت ظفار تحت الحكم الفارسي وعندما دخلت بلاد عمان في حضيرة الدولة العربية الاسلامية ، ادى الى دخول ظفار تحت السيادة العربية الاسلامية ، وتم تحريرها من السيطرة الفارسية على يد القائد العربي المسلم عكرمة بن أبي جهل ، وتتابع عليها الولاة في مختلف العهود الاسلامية .
وفي العصور الاسلامية أخذت ظفار مكانتها أيضاً إذ تأثرت بالاحداث التي شهدتها عمان بصورة خاصة وذكر ابن حوقل ( ت ، 340هــ ) أنه في سنة 154هــ / 770م كان المستولي على هذه البلاد أحمد بن منجويه إذ قال ابن حوقل ممن زار عمان في هذه السنة : " إن المستولى على هذه البلاد لما دخلتها في سنة أربعة وخمسين ومائة والمتحكم فيها أحمد ابن منجوية ، وكان دار حكمه بمرباط ، وهي مدينة صغيرة على شاطئ البحر ، وعلى مسيرة يوم ونصف منها مدينة ظفار وهي أيضاً له ، ويبدو أن المنجويين ظلوا مسيطرين على ظفار حتى سبعينات القرن الرابع الهجري .
وفي مطلع القرن السادس الهجري وتحديداً في سنة 500هــ / 1106 م تعرضت ظفار الى غزو فارسي ، غير أن سكانها تمنكوا من إعادة إعمارها .
وفي مطلع القرن السابع الهجري وتحديداً في سنة 600هــ/1203م، تغلب رجل من التجار يقال له محمود بن محمد الحميري على بعض بلاد حضرموت ، وظفار وظفار واستمرت أيامه في حضرموت الى سنة وتسع عشرة وستمائة وما بعدها ، وكان الطريق من ظفار الى بغداد سالكاً في سنة 616هـــ وذلك قبل تدميرها .
قال ابن المجاور : " كان من بغداد الى ظفار ومرباط طريق آمن يسلكه البدو في العام مرتين يجلبون الجيل ، ويأخذون عوضها العطر والبر ويرجعون الى العراق ، فلما تغلب أحمد بن محمد ابن علي هؤلاء فتحو في الملك ووقع خلف في البلاد ، وانقطعت الطرق واندثرت فلما حكم أحمد بن محمد بن عبد الله بن مزروع الحبوض آمن العباد وعمرت البلاد وخرج البدو على رؤوسهم في الطريق القديمة وصاروا على الطريق المستقيم بالخيل إلى ظفار ، فباعو واشتروا قلما أرادوا الرجوع قال لهم أحمد بن محمد : كيف علمتم الطريق ؟ قال أحدهم : غني سافرت مع أبي وانا طفل على هذه الطريق مرة واحدة فسرت الآن فيها بقياس التعقل تامة وكتب الله السلامة حتى بلغنا المقصد ، قال لهم : فمن أين تخرجون ؟ قالوا من مشهد الحسين بن علي بن أبي طالب ( يعني مدينة كربلاء التي تبعد 100 كم جنوب غرب بغداد ) ، فإذا وصلنا الى المنزل الفلاني افترق الطريق طريقين يأخذ أحدهما الى الحساء والقطيف والثاني يجئ الى مرباط وظفار ، فقال لهم : شاهد الله على بدوي سلك هذا الطريق ثانية لا يلومن إلا نفسه ، قالوا : ولم ؟ قال : نخاف أن يندرس الطريق لكثرة سلاكة فتجئ خيل أمير المؤمنين عليه السلام غائرة على تلك البلاد علينا ، وانا مع ذلك خربت البلاد وبنيت المنصورة لأقطع الشر عني ، فدخلت البدوان من بلد ظفار ولم يرجعوا إليها ومنها انقطع الطريق سنة ست عشرة وستمائة .
غير أن احمد بن محمد بن عبد الله الحبوضي أقدم سنة 618هــ/1221م وفي رواية سنة 619هــ/1222م الى تخريب ظفار وبنى المنصورة بدلاً منها وسكنت سنة ، وكان أحمد الحبوضي حذراً من الأعداء وكان يخشى على بلاده منهم ، لذلك فانه أقدم على تخريب ظفار سنة ثماني عشرة وستمائة خوفاً من الملك المسعودي أبي المظفر يوسف بن محمد بن أبي بكر ابن أيوب ، وبنى المنصورة وسماها القاهرة وسكنت سنة عشرين وستمائة والاسم المعروفة به ظفار وهي على ساحل البحر ، وقد أدير عليها سور من الحجر والجص ، ويقال من اللبن والجص ورتب عليه أربعة ابواب .
باب البحر ، ينفذ الى البحر ويسمى باب الساحل ، وبابين مما يلي البر وهما على الاسم لابواب ظفار المهدومة أحدهما مشرق يسمى باب حرقة ينفذ الى عين فرض والثاني مما يلي المغرب ويسمى باب الحرجاء ينفذ الى الحرجاء .
والحرجاء مدينة لطيفة وضعت على ساحل البحر بالقرب من البلد وما بني المنصورة إلا بالاحكام البلاد خوفاً على العباد ، فلما بنى المنصورة ولم يؤنبه إليه الملك المسعود ولا عاتبه فيما صنع ( كان امر الله قدراً ومقدوراً ) .
وكان بناء المنصورة على مقربة من ظفار والى الغرب منها ثم حملت هذه المدينة اسم ظفار بعده ، وأشاد المؤرخ ابن المجاور بمدينة المنصورة قائلاً : ( هواؤها طيب وجوها موافق وماؤها من خليج عذب فرات يطلع بها الفواكة كم كل فن من فواكة الهند : الفلفل والنارجيل ومن فواكة الساحلية قصب السكر والموز ومن فواكة العراق الرمان والعنب ومن النخل حمل ومن ديار مصر والليمون والاترنج والنارنج ومن السند النبق ومن الحجاز الدوم وهو المقل )
وفي سنة 664هــ/1265م قام امير هرمز محمود بن احمد الكوسي بغزو ظفار ونهبها ، وقد احتلت قواته الاقليم وسبت اهله ، ومن ثم دخلت ظفار في مرحلة تاريخية حاسمة ممثلة بالصراع بين الرسولين في اليمن وحكام ظفار .
كان دخول الرسولين لاول مرة الى اليمن بمعية حاشية ( توران باشا ) وهو شقيق صلاح الدين الأيوبي وفي رواية بمعية خلفه وشقيقه ( طغتسيكن ) وذلك عام 579هــ/1183م .
وبعد قيام الدولة الرسولية في اليمن بداية للاحتكاك بظفار وكان حاكم ظفار في ذلك الوقت سالم بن أدريس بن أحمد بن محمد الحبوضي ، وهو جد أحمد بن محمد الذي سيطر على ظفار بعد وفاة حاكمها ، وكان سالم الحبوضي قد جاء في الاصل من مدينة حبوض الحضرمية الواقعة بالقرب من شبام ، وكان أحمد بن محمد الحبوضي الذي يدعى بالنوخذه تاجراً ثرياً ذا حظوة كبيرة لدى حاكم ظفار بحيث ان هذا الحاكم عينه بمنصب وزيره الخاص حيث توفي الحاكم سيطر أحمد علي ظفار وهو الذي دمر ظفار عام 619هــ/1222م ، وبنى مدينة جديدة أسماها الاحمدية ، وكان اول إحتكاك مع ظفار سنة 678هــ/1279م ، إبان عهد الحاكم الرسولي المظفر يوسف بن نور الدين عمر ، وكانت مدينة ظفار حينذاك تحت سيطرة شخص يدعى سالم بن إدريس بن أحمد بن محمد الحبوضي .

أما سبب توجه الرسوليين لاحتلال ظفار فيعود لأسباب سياسية واقتصادية معاً .
فقد شهدت حضرموت في سنة 678هــ / 1279م كساداً اقتصادياً في ميدان الزراعة أدى الى حدوث مجاعة شديدة وناشدوا سالم الحبوضي حاكم ظفار تقديم معونة له كما اقترحوا عليه بيع حصونهم في حضرموت ، فقبل سالم العرض وذهب شخصياً الى المنطقة للإشراف على شراء الحصون المعروضة للبيع الواحد تلو الىخر .
ولم يصمد من الحصون أما الحبوضيين إلا حصن ( تريم ) التي تلقت المساعدة من الرسوليين وممثليهم في حضرموت ولم يكد سالم يعود الى ظفار حتى سارع الحضارمة الى طرد ممثليه واستعادوا حصونهم وعندما سمع الرسوليون في عاصمتهم ( تعز ) بتلك الأخبار شعروا بقلق إذ راو أن سيطرتهم على حضرموت قد تعرضت للتحدى من قبل الحبوظيين ، ثم ان القلق إنتابهم أيضاً من الاخبار التي أشارت إلى ان سالم كان قد أرسل مبعوثاً الى عدن وهو ميناء يقع تحت سيطرة الرسوليين .

وفي العام نفسه قام وفد رسولي يضم عدداً من التجار في عدن بالذهاب إلى بلاد فارس عن طريق البح ، غير أن السفينة أ{غمت على الرسو بساحل ظفار ، وقام حاكمها سالم بالسيطرة عليها والاستيلاء على الهدايا التي كانت موجودة على ظهرها معتبراً إياها بمثابة تعويض عن الحصون التي كان قد فقدها في حضرموت ، وقد كتب الملك المظفر الحاكم الرسولي الى حاكم ظفار آنذاك سالم الحبوضي محذرا إياه من نتائج ما قام به من عمل وضمن تحذيره آية من القرآن الكريم منها قوله تعالى ( ... وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) .

كما قام الملك المظفر بارسال المجد بن علي القاسم الى ظفار بصفة مبعوثه الشخصي ، غير انه اجبر على إشهار السلاح بوجه الحبوضيين رغم ان المعركة بينهما لم تكن حاسمة ، وكتب سالم العبارة الآتية : (( هو ذا رسولك فأين العقوبة )) .
وحين امتنع حاكم الشحر راشد بن شجنعه بان يقدم له الدعم ويمتنع عن دفع الجزية للرسولين ، جاء رد فعل الرسولين سريعاً فعزلوا راشد من منصبه ونصبوا بدلا منه حاكمهم في الشحر سيف الدين البندقار ، في تلك الفترة قرر الملك المظفر الرسولي القيام بحملة عسكرية على ظفار وتحرك بإتجاه عدن للقيام بالاستعداد لتلك الحملة ، وهكذا أرسلت حملة عاجلة بقيادة حاكم عدن غازي بن المعمار بيد انه أرغم أيضاً على العودة إلى عدن دون دخول أية معارك حاسمة في ظفار .

عاد موسى الحبوضي شقيق سالم عاهل ظفار من الحج بحفاوة من قبل البند قدار حاكم الشحر الرسولي ومن خلال وساطة هذا الاخير استقبل موسى بترحاب من قبل الملك المظفر الرسولي . وكان بين سالم وموسى خلاف سابق ، وخاصة فيما يتعلق باعتراضه على السفن المارة بساحل المحيط الهندي ، ومهاجمة العديد من السفن العائدة الى عدن ولذلك بدأ الملك المظفر الرسولي يعد العدة مرة اخرى للقيام بهجوم على ظفار حيث امضى وقتاً وبذل مجهوداً كبيراً .

ويشير ابن حاتم في هذا الخصوص ، وكان معاصرا لتك الاحداث – أن السلطان كان قد بذل جهوداً مضنية لاستكمال استعداداته حتى تساقطت خواتمه من أنامله من جراء الوهن والضعف اللذين شعر بهما في حينه ، ورغم انشغال المظفر بامور أخرى استدعت مغادرته عدن ، فإن الاستعدادات تواصلت وأهمها بناء السفن بالاخص الشراعية الكبيرة المعروفة بـــ ( الشواني ) فضلاً عن مراكب الإمدادات الصغيرة التي تنقل القمح والتمور .

كما تمت تهيئة سائر انواع الأسلحة والعدد العسكرية مثل الاقواس والدروع والخوذ والتروس والمقاليع وحدوات الخيل وستة منجنيقات مع كامل ادوات استخدمها إضافة الى روائع الكنوز بضمنها : الملابس الثمينة التي كدست على متون السفن ، وقد تم تقسيم القوات الهائلة التي اعدت للحملة إلى ثلاث فروق .

الفرقة البحرية بقيادة سيف الدين سنقر.
والفرقة الثانية تتحرك عبر حضرموت بقيادة شمس الدين أردمر .
أما الفرقة الثالثة فطلب منها التحرك طوال الساحل بقيادة حسام الدين لؤلؤ إضافة الى موسى الحبوض الذي كان على خلاف مع اخيه والبيت الآتي يصف تلك الحملة بشكل بليغ
ملأنا البر حتى ضاق خيلاً
كذاك البحر نملؤه سفينا
ولم تقدم لنا المصادر معلومات مهمة بشأن تقدم القوة البحرية وتحركت السفن ببطءحتى تبقى على اتصال مع الفرقة الساحلية الثالثة التي أعتمدت على تلك السفن من اجل الغمدادات .

غادرت الفرقة الثانية اليمن عبر ( الجوف ) ومن مدينة شمالية يمكن ان تكون ( صنعاء ) وسعت الى جمع الحلفاء من القبائل في طريقهم لتضخم عدد قواتهم ومن الجوف تحركوا عبر ( شبوة ) و ( ثمود ) ولم يتوقفوا إلا لمحاربة الجماعات المعادية او لتلقي الدعم من الجماعات الموالية دخل الجيش ( واد عمد ) لجمع الامدادات ، كما تمت زيارة الموقع المشهور لضريح النبي هود حيث كان سالم قد شيد جامعاً .

توقفت القوات في منطقة ( حبروت ) القريبة لفترة خمسة عشر يوماً وبانتظار اخبار تقدم الفرقتين الآخريين كما تم ارسال الرسل لجلب الاخبار ويعد هذا الطريق في الواقع مدهشاً وقد يكون هدف الرسوليين من استخدام هذه الفرقة اكثر من فتح ظفار ، فالطريق غير المباشر الى حد ما الذي سلكوه بمغالاة رسولية في إظهار القوة وإبداء العون للقبائل المتعاطفة مع تذكير الآخرين بالقوة المؤثرة القادرين على حشدها .

تحركت الفرقة الساحلية الثالثة عبر أبين واحور وميفع دون ان تواجه صعوبات كبيرة غير ان صعوبات متزايدة بدأت تواجههم الى الشرق من ميفع طوال ساحل البحر مما أرغمهم على سلوك طريقهم الى داخل البلاد ، كان ذلك يعني بالطبع الابتعاد عن سفن الامدادات مما ساعد على إيجاد متاعب للرجال بيد أنهم وجدوا تعويضاً لذلك لأنهم وجدوا السكان المحليين في طريقهم متعاطفين مع الرسوليين ومعادين للحبوضيين ، لقد قدموا للحملة كل ما يستطيعونه من مساعدة .

تقرر ان يكون لقاء الفرق الثلاث في ريسوت التي يدعوها المؤرخين ميناء ظفار ، فتحركت القوات التي التقت بعد ذلك نحو عوقد بين ريسوت وظفار ولقد استغربت حملتهم على الطريق فترة خمسة أشهر كاملة منذ انطلاقهم من اليمن ، حيث تنبه سالم في ظفار الى خطر وجود الجيش الرسولي الهائل قرر ان الامل الوحيد لاحراز النصر كان في القيام بهجوم مباغت قبل ان تستعد القوات للمعركة .

علم القادة الرسوليون بأخبار الهجوم الوشيك في اللحظة الحرجة ، فتم ترتيب خطوط العركة على عجل . على ان سالم ، حاكم ظفار الحبوضي نفسه ، كان قد قتله الرسوليون في بداية المعركة مما ادى الى هرب القوات الحبوضية البرية التي شعرت بخيبة أمل كبيرة ، كما هرب أيضاً قادة الأسطول البحري الذين كانو على اهبة الاستعداد للتصدي للاسطول الرسولي ، بحيث انهم لم يحاولوا مهاجمة السفن وقد دفن سالم قرب أبيه بالقرب من ظفار .

أصدرت القادة الرسوليون للمنتصرون عفواً عاما عن السكان المحليين وسمحوا للتجار الذين رافقوا الاسطول مزاولة التجار بعد ان وضعت الحرب أوزارها . ودخلت قوات الرسوليين المدينة يوم الاحد المصادف 28 رجب 677هـــ/ديسمبر 1278م .
وفي الجمعة التالية أقيمت الصلوات في سائر أرجاء المدينة باسم السلطان الرسولي الملك المظفر ويشير سائر المؤرخين الى الخيبة التي نجمت من جراء الاستيلاء على ظفار مذكرين بأن جيش الرسوليين كان قد سار خمسة أشهر ليجد ان الاستيلاء على المدينة لم يستغرق اكثر من خمسة أيام .

ولم تكن هناك ضرورة لاستخدام المنجنيقات او التجهيزات الهائلة التي تعد أساسية في حالة وجود حصار طويل . وقد تم ابعاد كل أبناء العائلة الحبوضية من ظفار حيث ان تاريخ العائلة الحبوضية اختفى من صفحات التاريخ في ذلك الوقت بالذات .
في عام 692هــ/1292م منح الحاكم الرسولي ظفار لابنة الواثق ابراهيمبصفة لإقطاعية حيث مكث هناك لحين وفاته عام 711هـــ/1311م ، دفن الواثق في ظفار وفي الرباط كما تدعى في الوقت الحاضر .

وفي هذا الضريح بالذات تم العثور اولاً على شواهد قبر الواثق ونحن نعلم ان الواثق والفائز كانا يدفعان نوعاً من الاتاوة السنوية للرسوليين في تعز ، غير ان الاتاوة توقفت في زمن ( المغيث ) الذي خلف الفائز وذلك قبل عام 730هـــ/1329 م ، ويتضح أن ذلك يمثل فترة استقلال عن عاصمة الرسوليين .
وهنـــــــاك إشارة تاريخية اخـــــــرى عام 798هــ/1396م ، تشير الى وصول الحاكم الرسولي في ظفار المدعو ( الفائز ) الى البلاط في تعز حيث طلب مساعدة مالية .

ترك الرسوليون وراءهم آثار معمارية باقية وقد يكون السلطان الرسولي الثاني ( المظفر ) الذي توفي في عام 694هـــ/1295م ، اعظم أولئك على الاطلاق ، وتشير المصادر الاولية إلى انه قد أسس شخصياً ( مدرسة ) في ظفار .

وتجدر الاشارة الى انه كان قد كتب الى السلطان المملوكي ( بيبرس ) في مصر يطلب منه إرسال طبيب إلى ظفار ( لأنها وبيئة ) ، كما اننا نقرأ عن أثر رسولي معماري تركة الرسوليون في ظفار . كما شيدت إبنة السلطان الرسولي الرابع المؤيد جامعاً في المدينة . ( انظر الملحق الثاني في هذا البحث ) .

المبحث الخامس
التاريخ الاقتصادي لظفار
_________________

ظل اقليم ظفار والمناطق الجنوبية من جزيرة العرب طوال ( 15 ) قرناً اكثر إزدهاراً إبان القرون التي كان فيها المحيط الهندي مركزاً صاخباً للتجارة البحرية التي كان العرب يحتكرون طرقاً حيوية تربط بين حضارتين ، كانت المراكب القادمة من الهند وسيلان ترسو في صلالة وغيرها من موانئ الجنوب العربي ، وهي تنقل اللبان والصمغ والمسك والتوابل التي كانت تستعمل في التحنيط والتبخير وصناعة العقاقير ، كما كان يحرق في المآتم والافراح وغير ذلك وكذلك الطقوس الدينية تستهلك اكبر كمية من البخور والمسك وكانت ظفار من ابرز مناطق تصديرها ، وفي بلاد فارس كان داريوس يستورد حوالي ( 30 ) طنا من البخور في كل عام .

وفي بلاد بابل كان مذبح ( بعل ) يحاط بكميات من المسك تبلغ حوالي ( 60 ) ألف رطل إنجليزي كل عام .

وكذلك آلهة الهندوس والبوذيين واليونان والرومان وكانت جميعها تطلب الرحيق المجفف لنبات معين ينمو في الغالب في ظفار والشحر وسقطرة وكان هذا الرحيق المجفف لنبات معين ينمو في الغالب في ظفار والشحر وسقطره وكان هذا الرحيق يساوي ثقله ذهباً .

ويظن ان سابديتس الذي بنى مرباطاً قد سيطر على اغلب سواحل جنوب الجزيرة العربية ، من عدن الى ظفار وذلك في القرن الأول قبل الميلاد وبذلك انحصرت معظم التجارة مع المناطق الشمالية كسوريا والعراق ، وان ظفار لعبت دوراً هاماً في النشاط التجاري البحري في العصور الوسطى .

ويقول كوستا : ( إن نظرة واحدة على إحدى خرائط المحيط الهندي تدل فوراً على اهمية ظفار من وجهة نظر إمدادات السفن ).

وقال عن اهلها ابن بطوطة في رحلته سنة 736هــ/1335 م ، (وهم اهل تجارة لا عيش لهم إلا منها ) .
ومما ساعد على الازدهار التجاري لظفار ، هو وجود طرق المواصلات التي تربط ظفار بغيرها من البلدان ، فقد تحدث الهمداني : (عن طريق ساحلي يؤدي من عدن الى عمان عن طريق ظفار ماراً بريسوت الى اليسار ) ، كما ان ابن المجاور زرا ظفار سنة 619هــ/1222م وزودنا بالمراحل المختلفة للطريق من شبام في حضرموت الى ظفار ، وحدثنا أيضاً عن طريق مامون للقوافل من بغداد ( خلال الصحراء ) الى مرباط وظفار ، يسلكه البدو مرتين في السنة وياتون فيهما بالجياد ، ويتقايضون عليها بالتوابل والعباءات النفسية .
أما المسافة من ظفار الى جاوة فهي ميل في ليلة واحدة والمساافة بينهما وبين جزيرة سقطرة يومين وليلة في البحر ) .

أما سوق ظفار فكان مركزاً تجارياً مهماً ويقع السوق خارج المدينة ، قال عنها ابن بطوطة عند زيارته لها عام 736هــ/1335م (والسوق خارج المدينة بربض يعرف بالجرجاء ... واكثر سمكها النوع المعروف بالسردين وكذلك غنهم ولم أر ذلك في سواها ، ومنها تحمل الخيل العتاق الى الهند وزرع اهلها يسقونها من آبار بعيدة الماء وكيفية سقيهم ) .
ومما ساعد على انتعاش الحالة الاقتصادية في ظفار نتيجة الموقع الجغرافي الممتاز وازدهار التجارة هو ازدهار زراعة اللبان فيها .
وقال القاضي محمد بن حمد الحجري ما نصه : ( اللبان لا يوجد في الدنيا إلا في جبال ظفار وهو غلة لسلطانها وانه شجر ينبت في ذلك الموضع مسيرة ثلاثة أيام وعند بادية كبيرة نازلة ويجتنبه اهل تلك الناحية وذلك انهم يجيئون الى شجرته ويجرحونها بالسكين فيسيل اللبان منه الى الارض ويجمعونه ويحملونه الى ظفار ، فياخذ السلطان قسطه ويعطيهم قسطهم ولا يقدرون حمله الى غير ظفار ابداً ).

وذكر ابن الفقيه عن ظفار بانها تكتنفها البساتين ، وينمو فيها لاتانبول والكاكاو .
وفي سنة 648هـــ/1250م ، ذكر الرحالة الصيني تشان جوركوا ان اللبان كان ضمن السلع المستوردة من ظفار يؤكد تشان جوروكوا على قيام الفيلة بنقل البضائع الى السفن في ظفار وكذلك اكد الرحالة الايطالي الشئ نفسه عندما زار ظفار عام 684هــ/1285م . ووصف ظفار بانها مدينة عظيمة .

وفي سنة 619هــ/1222م : ذكر ابن المجاور ( من المزارع المزدهرة في ظفار : الفلفل وقصب السكر وانواع كثيرة من الفاكهة كانت تزدهر في ظفار ، كما وجد آثاراً على شرفات قديمة زرعت فيها شجرة الكندر ) .

أما ابن بطوطة الذي زار ظفار سنة 736هــ/1335م في زمن حاكمها الملك المغيث فانه يشير الى أبرز المنتجات الزراعية فيها ، إذ يشير الى بساتين من آبار بعيدة الماء وكيفية سقيهم انهم يصنعون دلوا كبيرة ويجعلون لها حبالاً كثيرة ويتحزم كل حبل عبد او خادم ويجرون الدلو على عدد كبير مرتفع عن البشر ، ويصبونها في صهريج يسقون منه ، ولهم قمح يسمونه العلس وهو في الحقيقة نوع السلت – وهو الشعير – والارز يجلب من بلاد الهند ، وهو أكثر طعامهم ودراهم هذه المدينة من النحاس والقصدير ولا تنفق في سواها .

وقال ابن بطوطة : ( ولهذه المدينة بساتين فيها موز كثيرة كبير الجرم ، وزنت بمحضري حبة منه فكان وزنها إثنتي عشرة أوقية وهو طيب الطعم شديد الحلاوة وبها أيصاً التنبول والنارجيل المعروف بجوز الهند ، ولا يكونان إلا ببلاد الهند ، وبمدينة ظفار هذه لشبهها وقربها منه ، اللهم إلا ان في مدينة زبيد في بستان السلطان شجيرات من النارجيل) .
وقال الرحالة وينل فيلبس معلقاً على مزارع ظفار بقوله : ( مرتبط رفاهية ظفار على مر العصور بلبائها الرائع ، الذي كان يمثل عمود التجارة الأساسي في كل جنوب شبه الجزيرة العربية قديماً ، وهناك اتحاد خاص من العوامل الجغرافية والمناخية ، منذ العصور القديمة ) .
( ويعود اصل كل الانواع الجيدة من اللبان والتوابل الى ظفار ، حيث كان يتم شحن بعضه على مراكب شراعية ، والباقي الذي تحمله القوافل عبر وادي ميثان ووادي ( فسد ) حيث يمر الطريق بالربع الخالي ، ورغم انه حتى الآن لم يعرف تاريخ الاستخدام الاول للبخور ، إلا ان تجارته كانت مزدهرة للغاية وكان البخور من أغلى السلع التجارية ). وقد كتب الكثيرون من الرحالين والمستكشفين كثيراً عن بلاد البخور ، وعن ظفار بصفة خاصة ، عندما سلطت عليها الاضواء في منتصف القرن التاسع عشر ورغم ان ( نبات المر ) ينمو غرب الجزيرة العربية مع بعض أنواع التوابل والبخور إلا ان ظفار تعتبر هي الاول من حيث إنتاج التوابل .

المبحث السادس
علماء من ظفار
___________

رغم شحة المعلومات عن الحركة الفكرية في ظفار في العصور الاسلامية فان هناك بعض الاشارات الى عدد من علماء ظفار منهم :

ابو جعفر بن فارس القحطاني الحبوضي الخطيب .
الخطيب عمر بن فارس القحطــــــــــاني الحبوضي .
المقرئ محمد بن عمر بن فارس وكان صديقاً بأبي العلاء الفرضي .
محمد بن خوي بن معاذ الشحري اليماني ، سمع بالعراق وخراسان من أبي عبد الله محمد ابن الفضل الصاعدي العزاوي .
الشيخ الصالح العابد أبي محمد بن أبي بكر بن عيسى ، وله زاوية معلمة عند اهل ظفار يأتون إليهـــــــا غدوا وعشياً ، ويستجيرون بهــــــــــــا فإذا دخلها المستجير لا يقـــــــــــوم السلطان عليه . قال ابن بطوطة : (رأيت شخصاً ذكر لي انه له بها مدة سنين مستجيراً لم يتعرض له السلطان ، وفي الايام التي كنت بها استجار بها كاتب السلطان واقام فيها حتى وقع بينهما الصلح ) .
الشيخ أبو العباس أحمد بن الشيخ أبي بكر المذكور .قال ابن بطوطــــــــــــة : ( وشـــــــــاهدت لهما فــــــــضلاً عظيمــــــــاً ) .
القــــــــاضي الصالح أبو هــــــاشم عبد الملك الزبيدي .