الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009

جماعة محبي تاريخ ظفار، خالد الشنفري

جاءت فكرة تأسيس جماعة لمحبي تاريخ ظفار لمعرفتي بالكثير من الذين يبحثوت عن تاريخ المنطقة في الكتب التاريخية العربية والاجنبية فتاريخ المنطقة غيرد مدون محليا او على الاقل لم نعثر على مخطوطات تتحدث عن تاريخ المنطقة سوى المخطوطة ذات الصفحات القليلة ( الدلائل والاخبار في خصائص ظفار) وفي فترة مابعد 1970 عصر النهضة ظهر بعض الباحثين المهتمين بتاريخ ظفار بالرغم من قلتهم ابرزهم المرحوم سعيد بن مسعود المعشني الذي له عدة كتب مطبوعة وعبدالمنعم البحرالرواس وله عدة كتب وابحاث غير منشورة
لذلك الهدف من جماعة محبي تاريخ تاريخ ظفار تبادل المعلومات عن تاريخ المنطقة والاستفادة من الخطوط والصكوك الموجودة التي تبرز كثير من الجوانب التاريخية للمنطقة قبل ان تضيع تلك الخطوط بدون الاستفادة منها وهذا قد حدث بالفعل من قبل بعض المسنيين الذين احتفظوا بتلك المخطوطات حتى ضاعت او اصبحت غير صالحة بسبب العوامل الطبيعية وكذلك يمكن استعارة الكتب مابين اعضاء الجماعة وسوف نقوم بوضع الية لتبادل المعلومات والالتقاء بين اعضاء الجماعة
ولكل من يريد ان ينتسب لجماعة محبي تاريخ ظفار عليه مراسلتنا عبر البريد الالكتروني

الاثنين، 26 أكتوبر 2009

أسماء ظفار عبر التاريخ

مسميات ظفار وفروعها :
عنوان ورقة بحث عرضت في ندوة ظفار عبر التاريخ وضمن كتاب الندوة وفيما يلي بعض الفقرات من هذا البحث ((
سميت ظفار قديماً بهذا الاسم نسبة إلى ..
ظفار بن حام النبي نوح عليه السلام

وسميت كذلك بــ (سفار _ ووبار _ ودافار _ و أوفير _ وبلاد بونت وآرام )

ومن أسماء ظفار التي عرفت بها لدى سكانها وسكان المناطق المجاورة لها في حضرموت والمهرة وغيرهم هي:
أرض ( الاحقاف )
وهي التسمية التي ورد ذكرها في آية قرآنية كريمة .
وعرفت لديهم كذلك بأرض( ريدان )


سميت ظفار قديماً بهذا الاسم نسبة إلى ظفار بن حام النبي نوح عليه السلام سكان فلسطين وبلاد الشام والرافدين ومصر ، وسكان غزة ومصر والفينيقيين والرومان القدماء ، الذين كانت تربطهم أواصر تجارية منتظمة بها وخصوصاً تجارة اللبان والبخور .

وقد عرف سكان ظفار شجرة ( اللبان ) المشهورة بأرضهم منذ أقدم العصور ويقال ان استخدام اللبان بشكل واسع من قبلهم لم يبدأ إلا في العصر الحجري الحديث أي قبل حوالي ثمانية آلاف سنة ويذكر ياقوت الحموي ان العرب والرومان كانوا يعبرون ( الربع الخالي ) بصورة مستمرة في رحلة تمتد خمسة وأربعين يوماً من شمال حدود المهرة وريسوت إلى بغداد وقد ظل هذا الطريق مستعملاً حتى الثلاثينات من القرن الحالي قبل اكتشاف واستخدام وسائل النقل البرية والجوية المتطورة . وقد كان هذا الطريق الذي كانت تسلكه التجارة البحرية التي كانت تصل من موانئ الصين والهند والسند بالوسائط البحرية إلى موانئ ظفار المشهورة قديماً كمرباط وطاقة وريسوت ومنها براً إلى بلاد اليمن والحجاز والنجد والعراق والشام ومصر وبلاد الرومان والبيزنطيين وفارس .

وقد عزز ذلك البروفيسور ( يوريس زارنيز ) من جامعة ساث وست ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية في بحثه عن الاكتشافات الأثرية بمحافظة ظفار . وتعزز ذلك بصورة الأقمار الصناعية الحديثة التي التقطتها وكالة : ناسا الامريكية للفضاء وبينت ان التجارة الواسعة التي كانت تتم من ظفار وإليها مع بلاد سومر وغيرها من البلدان السابق ذكرها ، كانت تمر عبر الطرق البرية الصحراوية من خلال ( وبار ) الشيصر حالياً وغيرها من مناطق ظفار الساحلية ومن هنا كانت اسطورة المدينة المفقودة التي حاول المليونير اليهودي الأمريكي الراحل ( هامر ) صاحب شركة نفظ (اسكتندتال ) اكتشافها والترويج لها ، لانها بالنسبة له ولغيره من المهتمين قد تبين أصول وعلاقة اليهود قديماً بمنطقة جنوب الجزيرة العربية ، وهو الامر الذي اثاره د. كمال صليبي من الجامعة الأمريكية في بيروت في كتابيه المثيرين للجدل واحدهما المعنون التوراه من الجزيرة العربية الصادر في بيروت عام 1985 م وتحدث فيه عن وجود مثل هذه العلاقة القديمة مع ظفار حيث بها مقابر منسوبة للأنبياء عمران وصالح وهود وعابر ، وأيوب ، ويقال أنه منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد وحتى حوالي عام 1800قبل الميلاد أي طوال 3200 سنة كانت الطلبات تتزايد من العراق ومصر وغزة ومنها لاوروبا على اللبان الظفاري . كما تفيد سجلات ( بليني ) التاريخية بانه في عام 66 بعد الميلاد كان الامبراطور الروماني ( نيرون ) الذائع الصيت بقوته وجبروته يحرق كمية كبيرة من اللبان أي البخور الظفاري ( بمناسبة دفن جثمان زوجته _ بربارا ) .

ومن أسماء ظفار التي عرفت بها لدى سكانها وسكان المناطق المجاورة لها في حضرموت والمهرة وغيرهم هي أرض،،،

-1- ( الاحقاف ) وهي التسمية التي ورد ذكرها في آية قرآنية كريمة .

-2-وعرفت لديهم كذلك بأرض ( ريدان )
كما كان الحميريون يطلقون على أنفسهم ملوك سبأ ويمنت وحضرموت وذو ريدان ( كما تشير إلى أغلب مصادر التاريخ القديم لهذه المنطقة .

ويوجد حصن ( ريدان ) بالجنوب من مدينة ( تريم ) بشمال اليمن والارجح ان تسمية الحصن والمدينة التي يوجد بها يعود لاسم ( ريدان ) البلاد التي هي ظفار الآن كما يشار لتسمية ملوك حمير السابق ذكرها في القابهم ان ظفار ذكرت تسلسلاً بعد حضرموت حسب الواقع الجغرافي ولم يذكر اسم المهرة حيث قد تكون حينئذ من توابع حضرموت أو ظفار . وظفار لما سبق ذكره عنها ، وللاعتزاز بها وبطبيعتها الخلابة كان يزورها ويصيف فيها بعض ملوك وأعيان اليمن والبلاد المجاورة . ومنهم الملك المشهور معد بن يكرب الزبيدي وملوك حمير ،))

أوضاع ظفار الإجتماعية في كتاب البلاد السعيدة ، أحمد بن محاد بن سعيد المعشني

أوضاع ظفار الإجتماعية في كتاب البلاد السعيدة عنوان ورقة بحث لاحمد المعشني عرضت في ندوة ظفار عبر التاريخ وفي الكتاب الذي صدر عن الندوة فيما نستعرض هذه الورقة

((الاهتمام الاوروبي بالجزيرة العربية وظفار

وعلى الرغم من اهتمام الغرب المسيحي بأوضاع العالم الاسلامي بسبب حالة الصراع والعداء التي سادت العلاقة بين الطرفين ، ابان انتشار الاسلام إلا ان الجزيرة العربية ظلت المنطقة الأكثر غموضاً لدى الغرب .

إذ شكلت هذه المنطقة البعيدة عنه جغرافياً لغزا ً محيراً ، بما تحويه من اسرار ، وبما نسج عنها من أساطير وحكايات ، وإذا اخذنا وجهة النظر الأوروبية أمكننا القول انه اعتباراً من القرن الخامس الميلادي وحتى عصر النهضة الأوروبية لم يكن لأوروبا أية فكرة واضحة عن شبه الجزيرة العربية كما تقول جاكلين بيرين ، لذلك فما ان بدأ عصر النهضة الأوروبية وبدأ عصر الاستكشاف الاوروبي حتى طرق أبواب الجزيرة العربية عدد من المغامرين والرحالين الأوروبيين يدفعهم كثير من الغايات والقاصد لارتياد هذه الاصقاع ، وأتت أيضاً بعض البعثات الاستكشافية الممولة من الحكومات الغربية .

ومن أشهر الامثلة لهذه البعثات البعثة الدنمركية أو بعثة نيبور الى بلاد اليمن عام 1761م ... وكانت أكثر المناطق إثارة لاهتمام الغرب في بداية عصر الاستكشاف مناطق اليمن والحجاز .


هذا بالنسبة للجزيرة العربية عموماً ، اما ظفار التي نحن بصدد الحديث عن نتائج إحدى الرحلات الاوروبية إليها في هذا المبحث ، فإنها بقيت لقرون مصدرا لأطماع للعديد من الشعوب التي وصلها شذى رائحة لبانها الشهير ، الذي مثل أحد مصادر تجارة العالم القديم ، هذه الشعوب التي لم تعرف الكثير من الحقائق عن أرض اللبان راحت تنسج الاساطير والحكايات علها تعوض هذا النقص الكبير في حقائقها التاريخية عن ظفار ، ومرة أخرى ولكون ظفار إحدى مكونات الجزيرة نجدها تقع تحت تصنيف المجهول بالنسبة للغرب ونجد المعلومات الأوروبية عنها متأخرة نسبياً ، ونجد المصادر الأوروبية مثلاً تشير إلى ان أفراد ا من البحرية البريطانية وصلوا إلى ظفار قبل نهاية القرن السابع عشر بعد تحطم سفينتهم .

وقد اكرمهم الأهالي وعاملوهم معاملة حسنة . ومنذذلك الوقت وصلت إلى أوروبا معلومات – وان كانت قليلة – عن ظفار .

وفي ثلاثينات القرن الماضي قامت البحرية البريطانية بمسح سواحلها ، وكانت أفضل المعلومات التي وصلتهم كما يقول بدول هي المعلومات التي كتبها القبطان هاينز الذي قابل رجلاً أمريكياً من بين رجال القبائل ، حيث يقيم في ظفار منذ ثلاثين عاماً مضت ، بعد ان أسره القراصنة ( حسب وصفهم ) واسلم وتزوج وقد وصف هاينز سكان المنطقة وهم من قبيلة ( الفرا ) بأنهم نشيطو الحركة وكرماء جداً .

ويقصد هاينز بالرجل الأمريكي الذي كتب عنه الصبي الأمريكي الذي أسره السيد محمد بن عقيل سنة 1805م ، من بين ركاب السفينة الامريكية ( اسكس ) التي استولى عليها ، ومن ثم اسلم هذا الصبي وكبر وسمى نفسه او سمى المسلم عبد الله لوليد او عبد الله السلماني كما تقول بعض الروايات المحلية .


أما اول من توغل في داخل ظفار لأميال قليلة بعد ذلك فهو ثيودور بنت وزجته مابل ، وذلك في عام 1884. إذ تجولا في المناطق الساحلية القريبة من الحافة حيث سكنا ، وفي المناطق الجبلية المجاورة لها .. وبعد مغادرة بنت وزوجته ( غير المحترفين لفن الرحلات ) ظفار ، يبدو انه لم ينوفر رحلات ذات شأن إليها ، حتى اواخر العقد الثالث من هذا القرن عندما جاء الى ظفار الرحالة الانجليزي الشهير برترام توماس .
برترام توماس ورحلته الى ظفار :

يعتبر برترام توماس أحد أشهر الرحالين الأوروبيين الرواد الذين زاروا الجزيرة العربية 0

وذلك لسببين :
الاول :
لما دونه من معلومات كثيرة ومتشعبة عن المنطقة التي تجول فيها ، وهي المنطقة الممتدة من ظفار في الجنوب إلى الدوحة في شبه جزيرة قطر في الشمال الغربي ، وان كانت ملاحظاته عن ظفار اشمل وأعمق .

الثاني :
يتمثل في اجتيازه لمنطقة الربع الخالي كاول اوروبي يتمكن من ذلك ، وقد يكون أول اجنبي يفعلها .. وقبل ان نبدأ مناقشة خواطر وملاحظات هذه الرحالة المغامر ، يجدر بنا أن نأخذ في الحسبان شخصيتة التي لم يعطنا مترجم الكتاب الاستاذ محمد عبد الله شيئاً عنها إلا ما أورده المؤلف بنفسه في متن الكتاب .

وبعد سعي غير مضن استطعنا الحصول على بعض المعلومات التي يمكن ان تسلط قليلاً من الضوء على المؤلف ، الذي أغفلت جل المراجع التي اطلعنا عليها ذكر الجانب الشخصي له .


يعتبر برترام توماس أحد الساسة والدبلوماسيين الإنجليز الذين خدموا في الاقطار العربية ، إذ عمل لمدة ثلاث عشرة سنة في السلك الدبلوماسي في العراق والاردن والخليج ، وفي اكتوبر من عام 1910 وصل إلى مسقط في عهد السلطان فيصل بن تركي ( 1888 – 1913 ) ، وأقام في الجزيرة العربية بشكل متكرر منذ سنة 1915 ، وفي عام 1924 عينه السلطان تيمور بن فيصل ( 1913 – 1923 م ) وزيراً للمالية في مجلس وزرائه .. وقام توماس برحلتين إلى ظفار الأولى في شتاء 1927 – 1928 والثانية في شتاء عام 1929 – 1930 ، وذكر في الكتاب أن الرحلة الاولى قطع فيها 600 ميل أي 960 كم أما الثانية فقطع فيها 200 ميل أي 320 كم على ظهور الجمال ، ونعلم ان توماس عبر الربع الخالي في رحلته الثانية ، وعلى هذا الاساس فليس من المعقول ان المسافة التي قطعها في هذه الرحلة 200 ميل فقط ، إذ نجد ان بين صلالة والدوحة لا يقل عن 600 ميل . وعلى ذلك فلابد من إعادة النظر في تقدير المسافة التي قطعها .

طاف برترام توماس في هاتين الرحلتين بإجزاء من ظفار ومنها عبر رمال الربع الخالي باتجاه الشمال . وفي عام 1931 أي بعد عام تقريباً من انجاز مهمته الثانية غادر مسقط ثم توجه إلى لبنان ( حيث أصبح أول مدير لمدرسة عربية ) .

وكانت مهمة توماس الرئيسية عبور منطقة الرمال ، لذلك نجده يقول : ( ولقد كان وصولي إلى مسقط تقريباً في تلك الليلة يعني عام 1910 تمهيداً لتحقيق الحلم الذي طالما روادني وهو الكشف عن أسرار الصحراء الجنوبية لربع الخالي ) .

كتاب البلاد السعيدة وأهميته :
الذي يهمنا كثيراً من أمر برترام توماس هو ذلك الكم من المعلومات التي دونها من خلال ملاحظاته ومشاهداته ، أثناء زيارته لظفار ... والتي أخرجها في كتاب هام سماه ( Arabia Felix ) ونشر في لندن ، وقامت وزارة التراث القومي والثقافة فيما بعد وعهدت إلى الاستاذ محمد أمين عبد الله – رحمه الله – بترجمة هذا الكتاب ، ومن ثم نشرته تحت عنوان ( البلاد السعيده ) عام 1981 م .

ان تتبع المؤلف في هذا السفر الكبير الواقعة ترجمته في أربعمائة وست صفحات ، والذي تناول المؤلف من المواضيع التي استطاع جمعها بنفسه ، او نقلها عن غيره ، يحتاج إلى وقت لا تتسع له أوراق هذه الندوة ، إذ نجد المؤلف يتحدث في هذا الكتاب عن الاوضاع الاجتماعية ، وعن التاريخ والجغرافيا وعن بعض الموضوعات العلمية مثل جيولوجية المنطقة ، كما يتحدث عن حيوانات ونباتات المناطق التي تجول فيها ، كذلك يتناول جانباً من ثقافة المجتمع وأحواله .

لذا رأينا ان نتتبع خطوات المؤلف وملاحظاته عن الاوضاع الاجتماعية التي دونها عن ظفار ، وذلك لأهمية هذا الموضوع من وجهة نظرنا ، كونه يعكس بعض الاوضاع التي سادت في المنطقة في ثلاثينات هذا القرن وكانت تشكل جانباً من التاريخ الحضاري لهذا البلد من جهة ، ولكون المؤلف قد وقع في مغالطات كثيرة كان لها الاثر الكبير في نقل صور غير دقيقة إلى حد كبير عن جملة من الموضوعات التي ناقشها من جهة أخرى ومن جهة ثالثة لان كتاب ( البلاد السعيدة ) أصبح من المراجع الرئيسية عن ظفار وتاريخها وحضارتها قلما يخلو كتاب يتناول شأناً من شؤون المنطقة في فترة ما بعد توماس – ان صح التعبير – من الاشارة إليه بين مصادره ومن المؤسف أن جل الكتاب الذين أتو بعد توماس اخذوا كلامه كانه مسلمة من المسلمات فلو أطلعنا مثلاً على كتبه الاستاذ صلاح البكري في كتابه القيم ( تاريخ حضرموت السياسي ) ، والذي سرد فيه طائفة من أخبار ظفار ، نجده نقل نقلاً حرفياً ما اورده برترام توماس ، وبنفس العبارات والصور تقريباً ، ولم يمض على نشر كتاب توماس سنة أو سنتان .

من هنا نرى وجوب قراءة الكتاب بكثير من الدقة والحذر لان الكثير من الملاحظات التي دونها المؤلف عن الوضع الاجتماعي – وعن سواه – قد جانبه فيها الصواب بشكل كبير كما أسلفنا ، وقد يكون سبب ذلك جهل المؤلف بالمنطقة لعدم مكوثه طويلاً بها . أو بسبب عدم قدرته على استيفاء المعلومات بشكل جيد ، أو قد يكون ذلك مرده إلى تعمد عدد من الذين التقاهم المؤلف واخذ عنهم ، إلى تشويه بعض الحقائق لاغراض ما قد يكون بينها التنافس القبلي او الاحقاد الشخصية ، أو الجهل ، او أن المؤلف نفسه عمد إلى تشويه الصورة التي نقلها لدوافع معينة ... أو قد تكون بعض المفاهيم والكلمات لم يحسن المترجم نقلها بصورة جيدة ونحن هنا اعتمدنا على النسخة المترجمة التي سبق ذكرها .

ومهما يكن من امر ، فانه على الرغم من العيوب الواضحة التي ظهرت في الكتاب ، إلا أنه يعد من المراجع الهامة التي يجب دراستها دراسة وافية للوقوف على مكامن الخطأ ومواطن الصواب فيه للاستفادة من الكتاب كمرجع رائد عن ظفار المعاصرة .

ان آراء المؤلف حول الوضاع الاجتماعية لظفار مبثوثة هنا وهناك في الكتاب ، بين صفحاته وبين سطوره وكلماته ، لذا حاولنا ان نستخرج هذه الاشارات من مضان الكتاب ونعيد ترتيبها ، في أبواب وضعناها عل ذلك يرسم لنا صورة محددة عما كان المؤلف يريد توضيحه ، ونبدأ مع ملاحظات المؤلف حول الوضع الاجتماعي لسكان ظفار في تلك الفترة التي زارهم فيها . ومن ثم نختم الحديث بتناول طائفة من عادات وتقاليد شاهدها المؤلف أثناء رحلته
يحاول المؤلف رسم صورة ما لمجتمع ظفار الذي استضافه ، وان كانت هذه المحاولة ليست من أولوياته ، إلا أنه يحاول وصف المجتمع من خلال مشاهداته في مدينة صلالة والمناطق الجبلية المحيطة بها ، ومناطق البادية التي مر بها .

وإذ اتبعنا النهج الذي رسمناه في بداية هذه السطور بتتبع الاشارات حول هذا الموضوع من بين سطور الكتاب ، نجد المؤلف يصف المجتمع في ظفار بانه يتكون من ثلاثة عناصر سكانية رئيسية هي : سكان المدن ، وسكان الجبل ، وسكان النجد أو كما يسميهم البدو .

وقد لاحظ المؤلف ان مجتمع ظفار في ذلك الوقت مجتمع تحكمه القبلية وتطغي عليه نزعتها ونزاعاتها واستنتج من ذلك – وهو محق – بأن بروز الروح القبلية بشكلها السافر أحد الأسباب المباشرة لحالة التخلف التي يعيشها المجتمع ، ويري ان هذه الروح تقل قليلاص في المدن وذلك بسبب وجود مقر سلطة الدولة المركزية .

ومن الامثلة التي ساقها المؤلف للاستدلال على طغيان الوضع القبلي على ما سواه ، وما نجم عن ذلك من آثار قوله عند حديثه عن وضع مجتمع البادية ، وهو بكل تاكيد ينطبق على شرائح المجتمع الاخرى ،
قال : ( السلاح والقتال والجمل هي دعائم القانون ، كما أن الاحقاد القبلية المتوارثة تمزق شملهم حيث القوة فوق القانون وحيث يتحرك كل فرد وسيف الخوف على حياته وممتلكاته مسلط فوق رأسه ... ) .

وفي هذا الصدد يشير أيضاً إلى ان الاعراف القبلية هسي السائدة وان أفراد هذه القبائل يحتكمون إلى ما سماه ( حكم العوض ) أو ( حكم الجوز ) ، وهذه التسمية غير صحيحة في اعتقادنا إذ ان العرف الذي يحتكمون إليه يسمونه ( سنن القبائل ) أو ( حكم السنن ) أما في المدن فالوضع مختلف قليلاً إذا كانت سلطة الحكومة مبسوطة وتفرض بعض القانون ولو بالقوة وعندما يحاول المؤلف وضع أمثلة للاحتكام إلى العرف نجده يقع في مغالطة ، فعندما يشير مثلاً إلى دية القتيل في جبل القرا وإنها تصل إلى خمسة آلاف ريال ، او يشير الى انه في بعض الاحيان عندما يعجز القاتل واهله عن سداد الدية يقوم اهل الميت بإعدامه .. وهذا امر غريب إذ لا صحة لتقدير الدية بمبلغ خمسة آلاف لانه في ذلك الوقت يعتبر مبلغاً كبيراً جداً ، ونتج عن ذلك ان الدية في الغالب كانت تعطي بشكل عيني من رؤوس الإبل والبقر والغنم والسلاح .

الامر الآخر إن الاعدام لم يكن معروفاً لديهم في ذلك الوقت فإما الدية من الثأر .

رد توماس في معرض تناوله الوضع الاجتماعي لسكان ظفار نفطة هامة ركز عليها كثيراً ، وهي انتشار الامية بشكل طاغ على السكان وفي ذلك يقول : ( ومن النادر ان ترى شخصاً يجيد القراءة والكتابة فيما عد بعض السادة المتجولين ، وقد ترقى إجادة القراءة والكتابة إلى مستوى السحر) .

وقد نتج عن تفشي الامية هذه العديد من الاعتقادات الباطلة والخرافات الزائفة التي أحاطت المجتمع بالطلاسم والاسرار ، فاعتقد الناس في الجن والعفاريت والارواح الشريرة ، ونسجوا الكثير من الحكايات والاساطير حول ذلك .

ومن ذلك مثلاً اعتقادهم بان العفاريت هي التي تاخذ أولادهم وإنها سبب موتهم .. ووصل بهم الامر في ذلك إلى درجة اعتقادهم في بعض الحيوانات ، ومن ذلك مثلاً اعتقاد ساد كثيراً في ظفار ، خاصة في السهل والجبل ، دار حول الضبع ، الذي نسجو حوله الكثير من الأساطير والحكايات .

وهنا اورد المؤلف حقيقة معروفة وهي أن معظم أهالي الجبل والسهل ( لا يحرمون أكل لحمه أي لحم الضبع ) فحسب ، وإنما يحرمون قتله أو الاشتراك في ذلك لانهم يعتقدون انه حيوان سحري وهو فرس الساحر ( والصواب مطية الساحره ) وان كل من يعتدي عليه لا بد أن يصاب بنوع أو بآخر من القصاص وهناك قصص كثيرة في هذا الموضوع لا يزال يرددها على مسامعنا كبار السن حول هذا الاعتقاد ، غير ان العديد من الرجال قد خرقوا وخالفوا ذلك الاعتقاد فتجدهم اكثروا من عمليات صيد الضباع حتى اوشكت هذه المخلوقات – التي ظلمت بهذا الاعتقاد – على الانقراض وقد أشار المؤلف إلى قلة أعداد الضباع التي شاهدها مقارنة بالحيوانات الاخرى في المنطقة .

ونرى ان هذه العقيدة قد اتت مع الهجرات الكبيرة التي وفدت إلى المنطقة في ذلك الوقت من المناطق القريبة .

وبالاضافة الى ذلك فان المؤلف يشير الى العديد من الخصال الاجتماعية المميزة التي اشتهر بها سكان ظفار . فيشير إلى الكرم وحسن الضيافة والنجدة والشجاعة ، كذلك يشير الى سيطرة روح الجماعة على سكان ظفار وفي ذلك يقول مثلاً :
( وعلى أي حال فان روح الجماعة هي الروح التي تسود مجتمعات البدو ) ، وكذلك يشير الى التسامح بين أفراد المجتمع على الرغم من الروح القبلية التي سيطرت تقريباً على الوضع الاجتماعي
فيقول مثلاً عن وضع الخدم :
( ووضع الخدم في هذه المجتمعات لا يقل مستوى عن وضع الاحرار ) ..
ويقول أيضاً : ( ان الخدم في هذه البلاد يتمتعون بحقوقهم الاجتماعية الكثيرة . كما يشير إلى عفوية البدوي وطيب عشرته في غير موضع من الكتاب .

ومن الصفات الحميدة التي لاحظها المؤلف في المجتمع عفة نسائه وفي ذلك يقول :
( وعلى الرغم من الحرية الواسعة التي تتمتع بها النساء فان السفاح يكاد يكون معدوماً ) ، غير انه يتطوع لتفسير سر هذه الظاهرة وهنا حركته بعض الأفكار والآراء وليس الموضوعية أو الأنصاف

فقال : ( وربما كان ذلك راجعاً إلى سهولة الزواج والطلاق أكثر مما يرجع إلى التطبيقات الشرعية المعمول بها في شبه الجزيرة العربية ) ؟ ولا نجد هذه الملاحظة بحاجة إلى تبرير . إذ ان سهولة الزواج والطلاق قد تكون من الأسباب الباعثة على انتشار الظاهرة وليس العكس .

وقد حاول المؤلف أثناء حديثه عن الوضع الاجتماعي للمنطقة ان يسجل ملاحظاته أماكن سكن بعض القبائل في ظفار حيث أشار مثلاً إلى التجمعات السكانية فسي السهول وفي الجبال والبادية ، غير انه لم يكن دقيقاً بشكل جيد في تحديد البعض ، فمثلاً نجده يقول :
( تستوطن ظفار قبيلتان رئيسيتــــــــــان هما قبيلــــة ( القرا ) التي تقيم في منطقة الجبل ( وقبيلة الكثير ) التي تعيش في القرى الواقعة على السهل ) وهذا الكلام فيه تستطيع كثير ولا يعكس الواقع السكاني للمنطقة حتى وان قلنا ان المؤلف يقصد بظفار منطقة السهول الجنوبية والجبال المحيطة بها لذا نجده في موضع آخر يناقض هذا التقرير بذكره للقبائل التي تستوطن منطقة الرمال وهي قبائل مهرة والرواشد وبيت يماني ... ومعظم قبائل العفر والمناصير وبيت كثير والمناهيل والصيعر والكرب .. وجزء كبير من منطقة الرمال التي ذكرها المؤلف تدخل في حدود ظفار جغرافياً .

ومن الموضوعات الهامة التي أثارها المؤلف بشكل فيه الكثير من التسرع وعدم الحكمة موضوع الأنساب وعلم السلالات ..وفي هذا السياق نجده يناقش هذه المسألة الخطيرة غير متوخ للدقة في كثير من الاحيان ، وكذلك نجده غير متقيد بالمنهج العلمي في طرحه ونظرته .. ومن المغالطات التي وقع فيها قوله :
( وتجمع كافة المصادر على ان عرب جنوب الجزيرة ينحدرون من أصل حبشي ) وماذا أيضاً ؟ يقول :
( ومع ذلك فيبدو من الغرابة بمكان ان نقرر ان المصريين وعرب القارة الافريقية هم العرب الاقحاح بين العرب الساميين ، اما عرب الشمال فهم عرب مستعربة أي انهم عرب بالتجنس والاستيطان أكثر منهم عرب بالسلالة ) .
وكنا نتمنى أن يذكر لنا المؤلف تلك المصادر ، وهل كان يقصد المصادر العربية أم المصادر الأجنبية .

ويقول أيضاً بشكل متعسف :
( ولا أتصور ان أحداً من الرحالين والعلماء الأوروبيين الذي أشرت إليهم آنفاً ( يقصد العالم جليسر والرحالة بيرتون ) له المام بالمجموعات القبلية التي ألقيت بها في ظفار الامر الذي يؤكد ان هناك من الاعتبارات التي ترجح كون هؤلاء العرب من سلاللات غير معروفة ) ! ألم يقل المؤلف قبل قليل ان عرب الجنوب ينحدرون من أصل حبشي ؟ فكيف يقرر هنا انهم من سلالات غير معروفة ؟
نجده بعد ذلك يقرر ويقول :
( وكان هذا الوعي بين السكان في ظفار ) بالفوارق العرقية بينهم وبين العرب بوجه عام مثيراً للاهتمام وربما كان ذلك دليلاً على احتمال ان يكون سكان القرا من سلالة الفاتحين الأحباش المسيحين الذين غزو جنوب غرب الجزيرة العربية وكان توماس يحاول الايحاء للقارئ بأن العرب الذين التقى بهم في ظفار وصحبهم في رحلته يعلمون ذلك ويقرون به ، ما هذا التناقض .

إن الامر لم يتوقف عند هذا الحد بل نجد المؤلف يحاول لي عنق التاريخ ، ونسبة هذه المغالطات التي تبناها إلى رجل مثل ابن بطوطة ، عندما نسب إليه أقوالاً لم يقل بها أصلاً بل قال بعكسها تماماً .. فنجده ينسب إلى ابن بطوطة هذه العبارة :

( وقد كتب الرحالة المغربي الذائع الصيت ابن بطوطة يقول : وبالاضافة إلى ذلك فان سكان ظفار يشبهون إلى حد كبير سكان شمال افريقيا في عاداتهم ، وملامحهم وعلى الأخص الأجزاء البارزة منها فهي لا تدل على انهم يمتون بصلة إلى عرب الجزيرة وانما تدل على انتمائهم الى البربر ) هل يقصد توماس ابن بطوطة الذي نعرفه هو الذي قال هذا الكلام أم هناك ابن بطوطة لآخر لا يعرفه أحد غير المؤلف هو الذي استقى منه هذا الكلام المعوج .. إذ ان ابن بطوطة الذي نعرفه يقول :
( واكثر أهلها أي ظفار رؤوسهم مكشوفة لا يجعلون عليها العمائم ، وفي كل دار من دورهم سجادة الخوص في البيت يصلي عليها صاحب البيت ، كما يفعل أهل المغرب ، وأكلهم الذرة وهذا التشابه ( يقصد بين أهل ظفار والمغرب ) كله مما يقوي القول بان صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير ، اليست حمير من قبائل العرب ؟

ومهما يكن من أمر فإن كلام توماس عن قضايا الانساب دفعة إلى تبني نظريات لم يجمع لها القدر الكافي من المعطيات حتى يثبتها مما حدا بالسير إثر كيث الـــذي شارك في وضع ملحق لكتاب توماس إلى القول :
( ان المعلومات التي تم الحصول عليها من برترام توماس قد ثبت انها على جانب كبير من الاهمية ولكن ليس بالقدر الذي يسمح بتفسير موضوع خطير كموضوع الأجناس .. ) ولا يحتاج كلام تومــــــاس إلى رد ابلغ من هذا .
ذكر المؤلف بعضاً من هذه العادات ومن ذلك مثلاً اشارته إلى انتشار ظاهرة الزواج المبكر لدى سكان ظفار ، سواء بالنسبة للذكور ام الاناث وان كانت لدى الاناث اكثر كذلك يلاحظ توماس ان البدو لا يعدون الزوجات إلا فيما ندر ويقول :

( وعلى الرغم من تعدد الزوجات ( الجائز ) الا انه يندر ان يكون للبدو أكثر من زوجة واحدة ذلك على الرغم من ان أغنياء البدو قد يتزوجون باكثر من واحدة إما بعد طلاق لاحدى زوجاتهم او بالجمع بينهن ) .

وعلى الرغم من ذلك فالانجاب عندهم كثير ، ويشير المؤلف كذلك الى قلة نسبة الطلاق عند البدو .

وفي معرض حديثه عن بعض العادات المرتبطة بالزواج ، نجد المؤلف قدوقع في عدد من الأخطاء ومن ذلك مثلاً قوله :
( إن أعلى مهر عند أهل الجبل لا يزيد عن عشرين بقرة أي ما يعادل مائتي ريال واقله بقرة واحدة )
وهذا الكلام غير صحيح . اذ من المعروف انه ليس هناك سقف أعلى وادنى بالنسبة للمهر لدى سكان ظفار بشكل عام ، إذ كان الناس في ذلك الوقت يعملون بالحديث الشريف
( أقلهن صاقاً أكثرهن بركة وبالنسبة لأهل الجبل نرى ان عشرين بقرة كثير قياساً لاوضاع الناس في ذلك الوقت ، كذلك نجد المؤلف يخطئ في اطلاق اسم ( جيلاب ) على الزواج إذ ان ( جيلاب )
تعني في الجبالية بيع الماشية ، ونرى انه كان يقصد ( قيلاب ) ( بالقاف الجبالية ) أي المهر وقد يكون هذا الخطأ نتيجة الترجمة الى العربية .. كذلك نجد المؤلف يقرر بأن الزواج في الجبل ( يتم بدافع النزوات ) وليس غيرها .
وهذا حكم بعيد عن الموضوعية والصواب .

كذلك اوقع المؤلف نفسه في خطأ آخر عندما جزم بأن عادة ظفار تفضيل ابن العم في الزواج لا توجد إلا عند قبائل المهرة دون سائر سكان ظفار وهذا ليس صحيحاً إذ أن هذا التفضيل موجود لدى معظم السكان تقريباً .

ومن المغالطات الغريبة التي وقع فيها المؤلف أيضاً ذكره لتقسيم متعارف عليه يتم بموجبه اقتسام المهر بين أفرد الاسرة خاصة عند قبائل الجبل والبادية ، ويضرب مثالاً على ذلك بقوله :
( وقد سمعت أن أحد العرسان دفع معراً قيمته مائتان ريال وهو مبلغ يضع صاحبته في أعلى السلم الاجتماعي . ويتم تقسيم المهر كالآتي : الأب يحصل على نصف المهر أي مائة ريال والاخ ثلاثين ريال والام عشرين ريال ، والاخت لا شئ والعم عشرين ريال والخال عشرة ريالات والعمة خمسة ريالات والخالة أربعة ريالات )

وقد تكون هذه الحالة التي أورها المؤلف فردية وان كنا نستبعد صحتها ، أما التقسيم الذي اورده كونه تقسيماً متعارفاً عليه فلا أصل له البتة ، إذ من المعروف ان المهر كله اوجله الى والد العروس في الغالب . هذه بعض الامثلة على العادات المرتبطة بالزواج التي أوردها المؤلف .

ونلاحظ ان توماس اورد كذلك إشارات قليلة بعد ذلك عن مراسم الزواج وما يصاحبه فنجده يقول مثلاً :
( وقد جرت العادة على ان يصاحب عقد القران احتفالات كبيرة الغرض منها تقنين الزواج وتوثيق عراة ، فيقوم الخطيب ووكيل الزوجة وهو في الاغلب والدها أو شقيقها بالحضور أمام القاضي لانه ليس من العــــــــادة ان يذهب القاضي إلى منزل العريس في المناطق الصحراوية ، وهناك طريقة أخرى تتم بها مثل تلك الامور ، إذ يمكن لبعض رجال القبيلة ممن سبق لهم ان تتلمذوا على يد أحد القضاة ان ينوبو عن القاضي في اتمام عقد القران وبذلك يعتبر الزواج قانونياً ) .

بعد ذلك اشارة المؤلف إلى ان العريس لا بد ان يقدم إلى عروسه مجموعة من الحلي بالاضافة إلى خاتم ( الزواج ) وعادة تقديم خاتم الزواج ليست موجودة في عموم الجزيرة العربية ، ونرى أنها ليست سوى من الخلفيات الثقافية للمؤلف .

كما يذكر توماس بعد ذلك عادة لسنا متاكدين من صحة حدوثها وهي قوله ( وتعتبر القبلة على الأنف هي مقدمة للدخول على الزوجة ) .. ثم يتطوع ويقرر نوع العلاقة بين الرجال والنساء في مجتمع البادية فيقول :
( ينظر الرجل الى المرأة على انها جزء من متاع البيت وربما كان ذلك طبيعياً بالنسبة للبيئة الصحراوية ) وهي ملاحظة بكل تاكيد ليست موفقة إذ نرى البدوي معتزاً بالمرأة إما كانت أم أختاً أم بنتاً ،
والمؤلف نفسه يقول : ( والمتبع بين سكان القبائل البدوية ان يرث الابن لقب والدته وليس والده ) ، وهذا الانتساب لا يدل بالتاكيد على نظرة متدنية للمرأة وإنها من سقط المتاع بقدر ما يؤكد على انها موضع اعتزاز وفخر .. وهذا الاعتزاز موجود في عموم ظفار ،
فمثلاً نرى رجل الجبل عندما ( يتعزى ) فانه ( يتعزى ) باسم امه وليس باسم أبيه فيقول مثلاً : (انا ابن فلانة ) على الرغم من انهم لا يحملون أسماء أمهاتهم كما عند البدو .
عادات الختان :
__________

تناول المؤلف بعضاً من العادات المرتبطة بعملية ختان الذكور ،التي لها حتى عهد ليس ببعيد الكثير من الاهتمام ، والتي كان يرافقها الكثير من الأهازيج والاحتفالات ، فختان الذكور في مجتمع ظفار في تلك الأيام التي زار فيها توماس المنطقة كان من المناسبات الجميلة السعيدة ، والتي يحتفي بها الجميع ،

وفي ذلك يقول ( يعتبر الختان من العادات ذات الاهمية البالغة بين هذه القبائل .. ( يقصد قبائل ظفار ) ويختلف عنه في انحاء شبه الجزيرة العربية الامر الذي يوحى بأن للختان جذوراً نكاد تكون مستقلة ) ولا نوافقه على قضية الاستقلال هذه إذ أن مثل هذه العادات ، وان لم تكن بنفس الصورة كانت تتم في مناطق أخرى من الجزيرة العربية .

وفي أثناء ذكره لهذه العادة المتأصلة عند السكان نجده يصف لنا جانباً من الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة ، فيقول :

( ويحضر الاحتفال الذي يقام بهذه المناسبة كل من الرجال والنساء في منطقة مكشوفه فيؤتي بالشاب الذي يراد ختانه ويجلس على صخرة ويحمل سيفاً حاد الشفرة بيده ويقوم الشاب بقذف السيف إلى اعلى ثم يلتقطه بحيث تلمس راحته حد السيف ، ثم يأتي الخائن ، ويجلس إلى جانب الشاب .. ثم يجلس الشاب ويرفع يده اليسرى إلى اعلى انتظار لاجراء العملية وبمجرد انتهائها يتعين عليه ان ينهض ويدور حول الجمع يرفع سيفـــــــه ويخفضه بطريقة لا يظهر نتها أنـــــــــه يشعر بأي ألم .. وبهذا الاستعراض يثبت الشاب رجولته ) .

ومن الاشارات الغربية التي أوردها المؤلف في هذا الموضوع ونعتقد انه جانب الصواب قوله :
( بينما تقف خلف الخاتن فتــــــاة عذراء محجبة وتكون عادة إحدى قريبات الشاب أ اخته وفي يدها سيف .. )

كذلك قوله : ( ومن المألوف ان يقوم بعملية الختان احد زعماء القبائل أو شخص من عائلة مرموقة ) فبالنسبة لوقوف فتاة عذراء خلف المختون فان هذا مستبعد جداً ، لان نساء المنطقة معروف عنهن الحياء الشديد وهذا لا يسمح لهن التواجد بالقرب من المختون الذي عادة يكون كبيراً في السن قد يصل إلى مرحلة البلوغ أحياناً ، وهذا الكلام لا يعني عدم حضور النساء لاحتفالات الختان .

اما النقطة الثانية التي اوردها المؤلف ويحدد فيها من يقوم بالعملية فالمعروف ان الذي يقوم بها عادة أي شخص لديه خبرة ودراية بصرف النظر عن مكانته ومركزه الاجتماعي ، ومن الجدير بالملاحظة ان الاشخاص الذين ذكرهم المؤلف عادة يترفعون عن إجراء عمليات الختان .

إضافة الى ذلك أورد المؤلف بعض الملاحظات الغريبة حول الموضوع ومن ذلك قوله :
( وفي تلك المناسبة تقوم النساء بانشاد الاغاني وقرع الطبول كما يقمن بتعرية صدورهن ابتهاجاً بذلك )
أن موضوع ابتهاج النساء وإظهار فرحتهن مفهوم ومعلوم في مثل هذه المناسبات. اما قرع الطبول وتعرية الصدور فمسألة تحتاج إلى إعادة نظر .

إذ ان ذلك يتعارض مع ما هو معروف عن عادات وتقاليد هذه المناسبة .
من خلال تتبعنا للاشارات التي دونها برترام توماس عن بعض العادات المرتبطة بالوفاة لدى سكان ظفار ، في ذلك الوقت نجده اهتم ببعض الجوانب الشكلية من هذه العادات ومن ذلك نجده يعطي اهتماماً لموضوع ( النحيرة ) وهو ما ينحر على الميت من ذبائح فيقول :
( إن تقديم الاضاحي وشئ من لحمها يعتبر من المناسبات الهامة التي يحرص عليها سكان المناطق الجبلية عند وفاة واحد منهم ، وهم يتمسكون بهذا التقليد أشد التمسك ، ويقضي بان يتم ذبح نصف عدد الماشية التي يملكها المتوفي ، كما توزع نصف تركته باعتبارها ضريبة على الورثة تؤدي بعد وفاته .. اما الفقراء منهم فيذبحون بقرة واحدة أو ماعزاً واحداً والحد الأدنى للذبائح هو عشرون ذبيحة بالنسبة للأثرياء او الذين يمتلكون اكثر من أربعين رأساً ..وقدتذبح بالاضافة إلى الابقار بعض الاغنام او الجمال غير أن ذبح الأبقار يعد دليلاً على مكانة المتوفي .
وفي يوم الوفاة وعند القبر تذبح بقرة او بقرتان ثم تتكرر العملية بعد مضي فترة قد تطول أو تقصر حسب إمكانيات أسرة المتوفي ، ولا تقدم الاضحية الكيرى قبل مضي نصف شهر إلى ثلاثة أشهر من تاريخ الوفاة حيث يتم ذبح عشرة إلى عشرين رأس بقرا أو ما يعادل نصف الماشية التي كان يمتلكها المتوفي ويسمى هذا ( يوم النحيرة ) .

ولنا على هذا الكلام عدة ملاحظات :

الأولى :
ان المؤلف يخلط بين النحيرة والاضحية ، إذ ان النحيرة هي ما يذبح على الميت من ذبائح كما ذكرنا ، وتحت هذا الاسم الجامع تنطوي مجموعة مسميات مختلفة ، فهناك النحيرة وسراج القبر والختم ، واما الأضحية فهي هنا لها معنيان الاول شعيره الأضحية المعروفة والثانية ذبيحة يقدمها أهل الميت بعد مدة معينة من وفاته – عادة بعد مضي عام وينوون بها أضحية عنه .

الملاحظة الثانية :
وهي حرص سكان الجبل على هذه العادة وهو صحيح ، وغالبيتهم لا يزالون حريصين عليها حتى الآن .

الملاحظة الثالثة :
هي قوله : ان نصف تركة المتوفي من الماشية تذبح عليه بعد موته والنصف الآخر توزع باعتبارها ضريبة على الورثه .. وهذا الكلام بعيد عن الصواب ، إذ لا يعقل ان تقسم تركة المتوفي إلى قسمين قسم للذبح وقسم للتوزيع ، وإذا كان هذا هو الحال فماذا يبقى للورثه ؟! نعتقد هنا ان المؤلف قصد باخراج نصف تركة المتوفي ، عادة إخراج ثلث مال الميت المنشرة بين سكان الجبل وغيرهم من سكان ظفار ، وحتى كلامه عن الحد الادنى للذبائح على الأغنياء التي تطوع بإخبارنا بأنها نصف التركة أو عشرين راساً فيها مبالغة كبيرة ، صحيح ان هناك من يذبح عليه أكثر من هذا ولكن ذلك ليس مقياساً وبسي هناك سقف معين .
وقضية نصف التركة ليست صحيحة إطلاقاً .

الملاحظة الرابعة
وهي قوله : ان ذبح الابقار تدل على مكانة المتوفي ، وهذا في حقيقة الامر مجانب للصواب ، فمن المعروف حب أهل ظفار للإبل واعتزازهم بها خاصة سكان الجبل والنجد ، ومن هنا فان ذبحها في مناسبات الزواج أو الوفاة يدل على مكانة الزوج أو المتوفي .
وليس ذبح البقر ، أما الغنم فإنها عادة لا تذبح في هذه المناسبات الكبيرة .

وبعد ان ذكر المؤلف ( النحيرة ) وما يتعلق بها عرج على موضوع التركة وهنا وقع في مغالطة كبيرة اخرى تمثلت في قوله :
( ويعقب هذه الوليمة توزيع تركة المتوفي على افراد اسرته . فبالنسبة لقبائل الحدود الجنوبية كقبيلة بيت كثير وقبيلة جبال القر فانه يتم توزيع الإرث عن طريق الرف وليس عن طريق الشريعة الاسلامية ، ولا تسمح قبائل بيت كثير لمديني المتوفي أن يأخذوا من ارثه أكثر من الثلث )

نجد المؤلف هنا يغالط نفسه فبعد ان قال ان تركة المتوفي من الماشية تقسم نصفين نصف يذبح عليه وصف يوزع على الناس كضريبة ، فماذا بقي هؤلاء الورثة ليوزع عليهم ؟! إذا علما ان تركة الميت عادة لا تزيد عن عدد معين من رؤوس الماشية والمغالطة الاكبر في هذه المنطقة هي قوله :
( ان تقسيم التركة لا تتفق مع الشريعة الاسلامية )
والذي يدحض هذا الكلام هو قول المؤلف نفسه بعد عدة أسطر فقط عندما قال :
( كما ان العرف بين القبائل الجبلية يختلف عنه بين قبائل الحدود الجنوبية .. وان كان في نفس الوقت يتفق مع الشريعة الاسلامية ) .

وقبل ان نختم اشارات توماس عن بعض العادات المرافقة للوفاة في مجتمع ظفار ذلك الوقت لا بد من ايراد ملاحظة هامة اشار إليها المؤلف بقوله :
( ولا يبيح العرف عند هذه القبائل ( يقصد القبائل الجبلية )
ان تبدي المرأة أي مظهر من مظاهر الحزن على موت زوجها بينما يباح ذلك لام المتوفي وبناته واخواته ، كما يسمح لهن بأن يندبن المتوفي ويرفعن أصواتهم باليكاء .. )

وهي ملاحظة صادقة ، إذ كان من العيب على المراة التي توفي زوجها ان ترفع صوتها بالبكاء او ان تبكيه بشكل علني ، ولا يزال بقايا هذه العادة سارية وان كانت بشكل أقل في المجتمع حتى يومنا هذا . ويختم ملاحظة توماس عن العادات المرتبطة بالوفاة بملاحظته بان الزنوج في صلالة يقيمون حفلاً تابينيا للميت بعد ثلاثة أشهر من موته .
عادات الاكل والشرب :
_______________

دون برترام توماس طرفاً من العادات والتقليد المتعلقة بموضوع الاكل والشرب ، وركز في هذا الجانب على بعض انواع الماكولات ، وبعض الاشارات المتفرقة عن موضوعات يمكن ادخالها في هذا الباب .

فالمؤلف يذكر على سبيل المثال ان اللحم هو الغذاء الاساسي عند سكان الجبل ، غير انهم لا يستسيغون اكل الدجاج وما يشبهها من الطيور والبيض .
ومن الغريب ان يستثني المؤلف لحم الغنم من اللحم الذي يعتبره غذاء السكان ، فيقول بعد ان يشير إلى قطعان الاغنام : ( واهل الجبل لا ياكلون لحومها ، وانما يقدمونها في الولائم والمناسبات للضيوف ) . إذ يعد لحم الغنم من أشهى اللحوم عند القوم ، لذلك يقدمونه إلى الضيف والغريب .

وفي سياق آخر يورد المؤلف ملاحظة نرى انه لم يوفق في رصدها بشكل جيد حين يقول :
( ان المرأة في هذه المنطقة تعمل في ظل نوعين من المحرمات ، فلايباح لها حلب الماشية كما لا يباح لها أن تطهو الطعام .. فهذه الاشياء تعتبر من الاعمال المخصصة للرجل ).
وهو بالتاكيد يريد هنا الاشارة إلى الطهي في المناسبات العامة ، أي الولائم مثل :
الاعراس والمآتم والختان والعزائم ، إذ يقوم الرجال في هذه المناسبات بالتكفل باعداد الاكل لانها مناسبات في الغالب لا يحضرها إلا الرجال أما الطهي في المنزل وإعداد الاكل للاسرة فإن الذي يقوم باعداده بطبيعة الحال سيدة البيت وليس غيرها .


ومن عادات الاكل التي أوردها المؤلف عن سكان المنطقة هو ملاحظته تقديم الضيف أولاً وتفضيله على اهل البيت وكذلك ملاحظته :
تقاسيم البدو للطعام القليل في الحالات التي يقل فيها الطعام لديهم ، وهي عادة منتشرة في عموم ظفار في ذلك الوقت ، كذلك يشير المؤلف إلى عادة البدو في انهم إذا حضروا إلى عين ماء بعد انقطاع يوم أو يومين ، ألا يشرب أحدهم حتى يكتمل الجميع في المكان .
ومن أكثر الملاحظات التي أوردها المؤلف غرابة في هـــــذا المرضوع قوله :
( ويحتفظ جميع أفراد قبيلته مهرة بهذا النوع من الكلاب ( يقصد السلوقي ) يصطادون به ( هكذا ) الأرنب والظباء كما يأكلون لحمها ) أي لحم الكلاب ، وهذا الكلام لا يحتاج إلى رد إذ أن أشد أنواع اللحوم حرمة عند المسلمين هي لحوم الكلاب .

لذا فان المؤلف لم يورد هذه الملاحظة نتيجة مشاهدة عين حسبما نعتقد ولكنة نقلها عن بعض المرافقين الذين قد يكون قصدهم من ذكر ذلك لرحالة اجنبي هو التشفي والعداء القبلي أو الشخصي بين أفرادالقبائل في ذلك الوقت .


بعد ذلك يسوق المؤلف عدداً من الاشارات المتفرقة عن هذا الموضوع ، إذ يذكر ان أفضل اللحوم عند البدو لحم الإبل وهذا لا شك فيه .

كذلك يورد ان من عادة البدو ألا يشربو ا وهم وقوف ، وهذه العادة بالمناسبة عامة في ظفار ، كذلك يشير المؤلف إلى تقاطر الرجال في الجبال إلى مكان الولائم على شكل جماعات يرددون الاهازيج .

وقد اشار المؤلف أكثر من مرة إلى حلول الضيوف في مخيمة أثناء الرحلة سواء في جبال ظفار ، ام في البادية ، ونلاحظ انه لم يكن مرتاحاً بوجودهم ، خاصة عندما وصل إلى منطقة الرمال وأصبح بعيداً عن مراكز التموين ، إذ نجده يتبرم من وجود الضيوف لأن ذلك ربما ينهي مخزونه هو ورفاقه من الطعام ، ويعطلهم عن مهمتهم في اجتياز منطقة الرمال ، وذكر ان رفاقه لم يشاركوه في هذا الشعور .

ونختم الحديث عن بعض عادات الاكل والشرب التي اوردها المؤلف بالاشارة إلى اهمية الحليب ، سواء حليب البقر عند سكان الجبال والمدن ، ام حليب الإبل عند سكان البادية والجبل ، وذلك لما يمثله هذا المصدر الغذائي الغني من اهمية فائقة لدى سكان ظفار .
عادات العلاج والتطبب :
________________
يشير المؤلف في هذا المرضوع إلى طرق التداوي عند السكان فيشير إلى التداوي بالاعشاب ، والكي كما تدخل في قائمة الادوية امعاء بعض الحيوانات البرية التي يصيدونها ، كذلك يشير الى ان الكي يأتي في المقام الاول بالنسبة للعلاجات ، خاصة عند البدو ،
ويقول : ( وقلما نجد بدوياً ليست به ندبه أو علامة الكي .. ) وهناك بعض من الناس يعتقدون في النفع الطبي للحم الضبع . وكذلك يرى بعض أهل الجبل ان الاكتحال بذيل الثعبان يقوي العيون .
كما تناول القليل من بول الناقة الصغيرة يفيد في آلام المعدة ومن العلاجات المستخدمة لعلاج بعض الامراض ذبح ذبيحة ورش دمها على المريض ) .

وهناك علاجات أخرى تدخل فيها الاعتقادات واحياناً الخرافات والشعوذة ومنها – كما يشير المؤلف –
الرقية بالبخور والتعاويذ والحروز ، وما يسميه خطأ ( حمراء الراية ) والصحيح ان اسمها ( احمرارها ) وبالجبالية اسمها ( رعيب ) أو ( رعبوت ) .
وهي لدواء العين او الحسد كما يقول ، والصواب ان البدو يستخدمونها لعلاج عدة أمراض مثل ، الحمى ولدغات الأفاعي والعقارب السامة .
وكذلك لعلاج بعض الامراض المستعصية . والطريقة الثانية يسميها ( الحبل ) ولا ندري من أين جاء بالتسمية إذ الأهالي يسمونها ( الذرع ) بالجبالية وهي نوع من التنجيم والشعوذة ، وتستخدم أيضاً في علاج بعض الأمراض التي استعصت على العلاج العادي .

بعض العادات الطريفة التي أوردها المؤلف :
______________________________
أورد المؤلف جملة من العادات الطريفة التي شاهدها بدى سكان ظفار ، ومنها :
قيام بحارة السفن التي تصل إلى الميناء باطلاق الرصاص في الهواء إعلاناً وابتهاجاً بوصول السفينة إلى البلاد .

ومنها أيضاً عادة غناء الخدم الصباحي عند القصر في حالة الحاكم أو أحد المهمين . ومن العادات الطريفة أيضاً عند أهل الجبل انهم يسمون حيواناتهم بأسماء معينة ، فكل بقرة اسم خاص ، كذلك الحال بالنسبة للإبل عند البدو وعند اهل الجبل 0

ومن العادات الطريفة التي ذكرها المؤلف أيضاً ، عادات التحية عند أهل ظفار ، فيشير إلى عادة تقبيل الخد لدى الرجال في جبال ظفار ، غير انه يخطئ عندما يورد طريقه التقبيل بأن الرجل يقبل الخد الأيسر للرجل الذي يلقاه ، ومن ثم يقبل كتفه الأيمن والصحيح في تحية القومان يقبل أحدهم الخد الأيمن لصاحبه ويضع كل منها راحته اليمنى على الكتف الأيمن للآخر .

اما مصافحة الرجل للمرأة من غير محارمة ، فقد ذكرها توماس موفق إذ قال :
( فانهم هنا يكتفون من هذا ( أي من المصافحة ) بلمس أطراف أصابع بعضهم البعض ( أي الرجل والنساء ) ويتعين على المرأة او الفتاةفي هذه الحالة ان تسحب يدها بسرعة فائقة يد الرجل أثناء التحية ، أما إمساك يد الفتاة أو لمس راحتها كما هو معروف في أوروبا ، فيعتبر عملاً منافياً للتقاليد ، وقد يدفع ذلك أهل الفتاة للانتقام من الرجل ) ولا تزال هذه العادة سارية لدى السكان .

وفي هذا الصدد أيضاً يذكر المؤلف طريقة التحية لدى بدو الرمال فيقول :
( ان التقبيل على الانف بين سكان الصحراء يحل محل المصافحة باليد ) .
وننهي حديث المؤلف عن بعض العادات الطريفة التي صادفته ، بهذه العادة الطريفة وهي عدم عندما قام أحد مرافقية من البدو يوضع حزام خراطيشه ( محزمة ) وكان خالياً على الارض فما كان من أصحابه إلى أخذ الواحد تلو الآخر يلقون بطقاتهم على الارض ، وعندما فرغ الجميع من ذلك كان لدى الشيخ سيف عشر طلقات ) وكانت هذه العادة منتشرة بين أبناء مجتمع ظفار ، ولهذه العادة مدلولات اجتماعية متعددة ، فهي تدل على روح التكافل ، كما إنها توحي بالبساطة والعفوية ، كما غنها تشير إلى الكرم والبذل ، خاصة إذا علمنا ان الذخيرة كانت من أغلى السلع ، فكانت الطلفة بريال واحد ، والريال في ذلك الوقت كانت له قيمة يعلمها من عايش تلك الفترة .))

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

ابن بطوطة في ظفار ، خالد الشنفري

زار الرحالة المعروف ابن بطوطة ظفار مرتان في سنة 726 هـ / 1325 م وفي سنة 748هـ / 1347م
والان نستعرض ماكتبه ابن بطوطة عن رحلته الى ظفار

الرحلة الاولى سنة 726هـ

(( ذكر سلطان ظفار
وهو السلطان الملك المغيث بن الملك الفائز ابن عم ملك اليمن. وكان أبوه أميراً على ظفار من قبل صاحب اليمن. وله عليه هدية يبعثها له في كل سنة. ثم استبد الملك المغيث بملكها، وامتنع من إرسال الهدية. وكان من عزم ملك اليمن على محاربته، وتعيين ابن عمه ووقوع الحائط عليه ما ذكرناه آنفاً. وللسلطان قصر بداخل المدينة يسمى الحصن، عظيم فسيح، والجامع بإزائه. ومن عادته أن تضرب الطبول والبوقات والأنفار والصرنايات على بابه كل يوم بعد صلاة العصر؛ وفي كل يوم إثنين وخميس تأتي العساكر إلى بابه فيقفون خارج المشور ساعة وينصرفون، والسلطان لا يخرج ولا يراه أحد إلا في يوم الجمعة، فيخرج للصلاة ثم يعود إلى داره. ولا يمنع أحد من دخول المشور، وأمير جندار قاعد على بابه، وإليه ينتهي كل صاحب حاجة أو شكاية، وهو يطالع السلطان، ويأتيه الجواب للحين. وإذا أراد السلطان الركوب خرجت مراكبه من القصر وسلاحه ومماليكه إلى خارج المدينة، وأتى بجمل عليه محمل مستور بستر أبيض منقوش بالذهب، فيركب السلطان ونديمه في المحمل بحيث لا يرى. وإذا خرج إلى بستانه وأحب ركوب الفرس ركبه ونزل عن الجمل. وعادته أن لا يعارضه أحد في طريقه ولا يقف لرؤيته ولا لشكاية ولا لغيرها، ومن تعرض لذلك ضرب أشد الضرب. فتجد الناس إذا سمعوا بخروج السلطان فروا عن الطريق وتحاموها. ووزير هذا السلطان الفقيه محمد العدني، وكان معلم صبيان، فعلم هذا السلطان القراءة والكتابة، وعاهده على أن يستوزره إن ملك. فلما ملك استوزره، فلم يكن يحسنها، فكان الاسم له والحكم لغيره. ومن هذه المدينة ركبنا البحر نريد عمان في مركب صغير لرجل يعرف بعلي بن إدريس المصيري من أهل جزيرة مصيرة. وفي الثاني لركوبنا نزلنا بمرسى حاسك وبه ناس من العرب، صيادون للسمك، ساكنون هنالك، وعندهم شجر الكندر، وهو رقيق الورق. وإذا شرطت الورقة منه قطر منها ماء شبه اللبن، ثم عاد صمغاً. وذلك الصمغ هو اللبان وهو كثير جداً هنالك. ولا معيشة لأهل ذلك المرسى إلا من صيد السمك، وسمكهم يعرف باللخم " بخاء معجم مفتوح "، وهو شبيه كلب البحر. يشرح ويقدد ويقتات به. وبيوتهم من عظام السمك، وسقفها من جلود الجمال. وسرنا من مرسى حاسك أربعة أيام ووصلنا إلى جبل لمعان " بضم اللام "، وهو في وسط البحر، وبأعلاه رابطة مبنية بالحجارة وسقفها من عظام السمك، وبخارجها غدير ماء يجتمع من المطر.

وصف ظفار
وركبنا البحر من كلوا إلى مدينة ظفار الحموض " وضبط اسمها بفتح الظاء المعجم والفاء وآخره راء مبنية على الكسر "، وهي آخر بلاد اليمن على ساحل البحر الهندي، ومنها تحمل الخيل العتاق إلى الهند. ويقطع البحر فيما بينها وبين بلاد الهند مع مساعدة الريح في شهر كامل، قد قطعته مرة في قالقوط من بلاد الهند إلى ظفار في ثمانية وعشرين يوماً بالريح، ولم ينقطع لنا جري بالليل ولا بالنهار. وبين ظفار وعدن في البر مسيرة شهر في صحراء. وبينها وبين حضرموت ستة عشر يوماً، وبينها وبين عمان عشرون يوماً. ومدين ظفار في صحراء لا قرية بها ولا عمالة لها، والسوق خارج المدينة بربض يعرف بالحرجاء، وهي من أقذر الأسواق وأشدها تنتاً وأكثرها ذباباً، لكثرة ما يباع فيها من الثمرات والسمك. وأكثر سمكها النوع المعروف بالسردين، وهو بها في النهاية من السمن. ومن العجائب أن دوابهم إنما علفها من هذا السردين وكذلك غنمهم. ولم أر ذلك في سواها. وأكثر باعتها الخدم، وهن يلبسن السواد. وزرع أهلها الذرة، وهم يسقونها من آبار بعيدة الماء. وكيفية سقيهم أنهم يصنعون دلواً كبيرة، ويجعلون لها حبالاً كثيرة، ويتحزم بكل حبل عبد أو خادم، ويجرون الدلو على عود كبير مرتفع عن البئر، ويصبونها في صهريج يسقون منه. ولهم قمح يسمونه العلس وهو في الحقيقة نوع من السلت، والأرز يجلب إليهم من بلاد الهند، وهو أكثر طعامهم. ودراهم هذه المدينة من النحاس والقصدير، ولا تنفق في سواها. وهم أهل تجارة لا عيش لهم إلا منها، ومن عاداتهم أنه إذا وصل مركب من الهند أو غيرها خرج عبيد السلطان إلى الساحل، وصعدوا في صنبوق إلى المركب، ومعهم الكسوة الكاملة لصاحب المركب أو وكيله، وللربان وهو الرئيس، وللكراني وهو كاتب المركب، ويؤتى إليهم بثلاثة أفراس فيركبونها، وتضرب أمامهم الأطبال والأبواق من ساحل البحر إلى دار السلطان فيسلمون على الوزير وأمير الجند، وتبعث الضيافة لكل من بالمركب ثلاثاً، وبعد الثلاث يأكلون بدار السلطان.
وهم يفعلون ذلك استجلاباً لأصحاب المراكب. وهم أهل تواضع وحسن أخلاق وفضيلة ومحبة للغرباء، ولباسهم القطن، وهو يجلب إليهم من بلاد الهند.ويشدون الفوط في أوساطهم عوضاً عن السروال، وأكثرهم يشد فوطة في وسطه، ويجعل فوق ظهره أخرى من شدة الحر، ويغتسلون مرات في اليوم.
وهي كثير ة المساجد. ولهم في كل مسجد مطاهر كثيرة معدة للاغتسال. ويصنع بها ثياب من الحرير والقطن والكتان حسان جداً.
والغالب على أهلها رجالاً ونساء المرض المعروف بداء الفيل، وهو انتفاخ القدمين. وأكثر رجالهم مبتلون بالأدر والعياذ بالله ومن عوايدم الحسنة التصافح في المسجد إثر صلاة الصبح والعصر، يستند أهل الصف الأول إلى القبلة، ويصافحهم الذين يلونهم. وكذلك يفعلون بعد صلاة الجمعة، يتصافحون أجمعون. ومن خواص هذه المدينة وعجائبها أنه لا يقصدها أحد بسوء إلا عاد عليه مكروه، وحيل بينه وبينها. وذكر لي أن السلطان قطب الدين تمتهن بن طوران شاه صاحب هرمز نازلها مرة من البر والبحر، فأرسل الله سبحانه عليه ريحاً عاصفاً كسرت مراكبه ورجع عن حصارها وصالح ملكها. وكذلك ذكر أن الملك المجاهد سلطان اليمن عين ابن عم له بعسكر كبير، برسم انتزاعها من يد ملكها، وهو أيضاً ابن عمه، فلما خرج ذلك الأمير من داره سقط عليه حائط وعلى جماعة من أصحابه فهلكوا جميعاً. ورجع الملك عن رأيه وترك حصارها وطلبها. ومن الغرائب أن أهل هذه المدينة أشبه الناس بأهل المغرب في شؤونهم. نزلت بدار الخطيب بمسجدها الأعظم، وهو عيسى بن علي، كبير القدر كريم النفس. فكان له جوارٍ مسميات بأسماء خدام المغرب، إحداهن اسمها بخيتة والأخرى زاد المال. ولم أسمع هذه الأسماء في بلد سواها. وأكثر أهلها رؤوسهم مكشوفة، لا يجعلون عليها العمائم. وفي كل دار من دورهم سجادة الخوص، معلقة في البيت، يصلي عليها صاحب البيت، كما يفعل أهل المغرب. وأكلهم الذرة. وهذا التشابه كله مما يقوي القول بأن صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير. وبقرب من هذه المدينة بين بساتينها زاوية الشيخ الصالح العابد أبي محمد بن أبي بكر بن عيسى، من أهل ظفار. وهذه الزاوية معظمة عندهم، يأتون إليها غدواً وعيشاً، ويستجيرون بها. فإذا دخلها المستجير لم يقدر السلطان عليه. رأيت بها شخصاً ذكر لي أن له بها مدة سنين مستجيراً لم يتعرض له السلطان وفي الأيام التي كنت بها استجار بها كاتب السلطان، وأقام فيها حتى وقع بينهما الصلح. أتيت هذه الزاوية، فبت بها في ضيافة الشيخين أبي العباس أحمد وأبي عبد الله محمد ابني الشيخ أبي بكر المذكور، وشاهدت لهما فضلاً عظيماً، ولما غسلنا أيدينا من الطعام أخذ أبو العباس منهما ذلك الماء الذي غسلنا به فشرب منه، وبعث الخادم بباقيه إلى أهله وأولاده فشربوه. وكذلك يفعلون بمن يتوسمون فيه الخير من الواردين عليهم. وكذلك أضافني قاضيها الصالح أبو هاشم عبد الله الزبيدي، وكان يتولى خدمتي وغسل يدي بنفسه، ولا يكل ذلك إلى غيره. وبمقربة من هذه الزاوية تربة سلف السلطان الملك المغيث، وهي معظمة عندهم، ويستجير بها من طلب حاجة، فتقضى له. ومن عادة الجند أنه إذا تم الشهر ولم يأخذوا أرزاقهم، استجار بهذه التربة، وأقاموا في جوارها إلى أن يعطوا أرزاقهم.
وعلى مسيرة نصف يوم من هذه المدينة الأحقاف، وهي منازل عاد. وهنالك زاوية ومسجد على ساحل البحر، وحوله قرية لصيادي السمك. وفي الزاوية قبر مكتوب عليه: هذا قبر هود بن عابر عليه أفضل الصلاة والسلام. وقد ذكرت أن بمسجد دمشق موضعاً مكتوب عليه: هذا قبر هود بن عابر. والأشبه أن يكون قبره بالأحقاف لأنها بلاده، والله أعلم. ولهذه المدينة بساتين فيها موز كثير كبير الجرم. وزنت بمحضري حبة منه فكان وزنها اثنتي عشرة أوقية. وهو طيب المطعم شديد الحلاوة. وبها أيضاً التنبول والنارجيل المعروف بجوز الهند، ولا يكونان إلا ببلاد الهند، وبمدينة ظفار هذه، لشبهها بالهند وقربها منه؛ اللهم إلا أن في مدينة زبيد، في بستان السلطان شجيرات من النارجيل. وإذ قد وقع ذكر التنبول و النارجيل، فلنذكرهما، ولنذكر خصائصهما.
ذكر التنبول
والتنبول شجر يغرس كما تغرس دوالي العنب، ويصنع له معرشات من القصب، كما تصنع لدوالي العنب، أو يغرس في مجاورة النارجيل، فيصعد فيها كما تصعد الدوالي، وكما يصعد الفلفل. ولا ثمر للتنبول. وإنما المقصود منه ورقه، وهو يشبه ورق العليق. وأطيبه الأصفر. وتجنى أوراقه في كل يوم. وأهل الهند يعظمون التنبول تعظيماً شديداً، وإذا أتى الرجل دار صاحبه فأعطاه خمس ورقات منه، فكأنما أعطاه الدنيا وما فيها، لا سيما إن كان أميراً أو كبيراً. وإعطاؤه عندهم أعظم شأناً وأدل على الكرامة من إعطاء الفضة والذهب. وكيفية استعماله أن يؤخذ قبله الفوفل، وهو شبه جوز الطيب، فيكسر حتى يصير أطرافاً صغاراً، ويجعله الإنسان في فمه ويعلكه، ثم يأخذ ورق التنبول، فيجعل عليها شيئاً من النورة ويمضغها مع الفوفل. وخاصيته أنه طيب النكهة، ويذهب بروائح الفم، ويهضم الطعام، ويقطع ضرر شرب الماء على الريق، ويفرح آكله، ويعين على الجماع. ويجعله الإنسان عند رأسه ليلاً فإذا استيقظ من نومه، أو أيقظته زوجته أو جاريته أخذ منه، فيذهب بما في فمه من رائحة كريه. ولقد ذكر لي أن جواري السلطان والأمراء ببلاد الهند لا يأكلن غيره، وسنذكره عند ذكر بلاد الهند.
ذكر النارجيل
وهو جوز الهند، وهذا الشجر من أغرب الأشجار شأناً وأعجبها أمراً، وشجره شبه شجر النخل لا فرق بيهما، إلا أن هذه تثمر جوزاً، وتلك تثمر ثمراً. وجوزها يشبه رأس ابن آدم، لأن فيها شبه العينين والفم، وداخلها شبه الدماغ إذا كانت خضراء، وعليها ليف شبه الشعر، وهم يصنعون به حبالاً يخيطون به المراكب عوضاً عن مسامير الحديد، ويصنعون منه الحبال للمراكب. والجوزة منها وخصوصاً التي بجزائر ذيبة المهل، تكون بمقدار رأس الآدمي. ويزعمون أن حكيماً من حكماء الهند في غابر الزمان كان متصلاً بملك من الملوك ومعظماً لديه، وكان للملك وزير بينه وبين هذا الحكيم معاداة. فقال الحكيم للملك: إن رأس هذا الوزير إذا قطع ودفن تخرج منه نخلة تثمر بثمر عظيم، يعود نفعه على أهل الهند وسواهم من أهل الدنيا. فقال له الملك: فإن لم يظهر من رأس الوزير ما ذكرته، قال: إن لم يظهر، فاصنع برأسي كما صنعت برأسه. فأمر الملك برأس الوزير فقطع، وأخذه الحكيم، وغرس نواة تمر في دماغه، وعالجها حتى صارت شجرة، وأثمرت بهذا الجوز. وهذه الحكاية من الأكاذيب، ولكن ذكرناها لشهرتها عندهم. ومن خواص هذا الجوز تقوية البدن وإسراع السمن والزيادة في حمرة الوجه. وأما الإعانة على الباءة ففعله فيها عجيب. ومن عجائبه إنه يكون في ابتداء أمره أخضر. فمن قطع بالسكين قطعة من قشره وفتح رأس الجوزة شرب منها ماء في النهاية من الحلاوة والبرودة. ومزاجه حار معين على الباءة. فاذا شرب ذلك الماء أخذ قطعة القشرة وجعلها شبه الملعقة وجرد بها ما في داخل الجوزة من الطعم، فيكون طعمه كطعم البيضة إذا شربت ولم يتم نضجها كل التمام، ويتغذى به. ومنه كان غذائي أيام إقامتي بجزائر ذيبة المهل مدة عام ونصف عام. وعجائبه أن يصنع منه الزيت والحليب والعسل.فأما كيفية صناعة العسل منه فإن خدام النخل منه، ويسمون الفازانية، يصعدون إلى النخلة غدواً وعشياً إذا أرادوا أخذ مائها الذي يصنعون منه العسل، وهم يسمونه الأطواق، فيقطعون العذق الذي يخرج منه الثمر، ويتركون منه مقدار إصبعين، ويربطون عليه قدراً صغيرة فيقطر فيها الماء الذي يسيل من العذق. فإذا ربطها غدوة، صعد إليها عشياً ومعه قدحان من قشر الجوز المذكور، أحدهما مملوء ماء فيصب ما اجتمع من ماء العذق في أحد القدحين ويغسله بالماء الذي في القدح الآخر، وينجر من العذق قليلاً ويربط عليه القدر ثانية، ثم يفعل غدوة كفعله عشياً، فإذا اجتمع له الكثير من ذلك الماء طبخه كما يطبخ ماء العنب إذا صنع منه الرب، فيصير عسلاً عظيم النفع طيباً، يشتريه تجار الهند واليمن والصين، ويحملونه إلى بلادهم، ويصنعون منه الحلواء. وأما كيفية صنع الحليب منه فإن بكل دار شبه الكرسي، تجلس فوقه المرأة، ويكون بيدها عصا، في أحد طرفيها حديدة مشرفة، فيفتحون في الجوزة مقدار ما تدخل تلك الحديد، ويجرشون ما في باطن الجوزة، وكل ما ينزل منها يجتمع في صحفة، حتى لا يبقى في داخل الجوزة شيء، ثم يمرس ذلك الجريش بالماء، فيصير كلون الحليب بياضاً، ويكون طعمه كطعم الحليب، ويأتدم به الناس. وأما كيفية صنع الزيت فإنهم يأخذون الجوز بعد نضجه وسقوطه عن شجره، فيزيلون قشره ويقطعونه قطعاً ويجعل في الشمس، فإذا ذبل طبخوه في القدور واستخرجوا زيته، وبه يستصبحون. ويضعه الناس في شعورهم، وهو عظيم النفع.))

الرحلة الثانية سنة 748هـ

((ذكر سلطان ظفار
ووجدت سلطانها في هذه الكرة الملك الناصر ابن الملك المغيث، الذي كان ملكاً بها حين وصولي إليها فيما تقدم، ونائبه سيف الدين عمر أمير جندر، التركي الأصل. وأنزلني هذا السلطان، وأكرمني. ثم ركبت البحر، فوصلت إلى مسقط))

تاريخ ظفار في كتاب تاريخ حضرموت للمؤلف صالح الحامد

سنبدأ النبش في تاريخ ظفار من خلال المخطوطات والمصادر التاريخية المختلفة وذلك لعدم وجود مخطوطات محلية تتحدث عن تاريخ المنطقة واليوم نستعرض كتاب تاريخ حضرموت للمؤلف الاديب صالح الحامد
((

المقدمة
التعريف بظفار. تعلقها أولا بنواب الخلفاء ، آل المنجوي آو آل منجوه .آل الحبوظي وتاريخهم الى عهد ولاية سالم بن ادريس الحبوظي .

ظفار :
ظفار اسم لصقع على الطرف الشرقي من جنوب جزيرة العرب ، على شط الطرف الجنوبي من الخليج الفارسي ، يحدها شرقا إلى جهة الشمال سلطنة عمان ومسقط ، وجنوبا إلى جهة الغرب حدود بلاد المهرة ( سيحوت ) وما إليها من سواحل حضرموت ، أما من جهة الشرق فالبحر ومن جهة الغرب فالصحراء .
ومدينتها ظفار ، التي سميت الناحية باسمها ، ومرساها ( مرباط ) ، واليها ينسب الامام السيد محمد بن علي العلوي المعروف بصاحب مرباط ، جد آل ابي علوي اهل حضرموت المقبور بها . كما أن بظفار قرى اخرى منها (الرباط) و ( جاذب ) . اما ظفار الحديثة فقد اختطها احمد بن محمد الحبوظي سنة 620 عشرين وستمائة . فحينئذ انتقل سكان ظفار القديمة اليها . فخربت القديمة بعد خلوها من السكان ، ولم تبق سوى رسومها وخرائبها . ومن ذلك الحين سميت الجديدة هذه : بظفار الحبوظي ، نسبة الى مختطها المذكور .

تاريخ ظفار السياسي في ذلك العهد :
أما تاريخها السياسي ، فالمفهوم أنها كسائر أصقاع جزيرة العرب ، كانت تحت حكم نواب الخلفاء . ثم إنها فيما قبل القرن السادس كانت متعلقة بعمان تحت سلطة آل الجلندي ، ثم انها انفصلت وصار لها امراء مختصون بها ، وهم المنجويون او آل منجوه .
فمنهم المنجوي الذي قصده الشاعر التكريتي العدني فامتدحه بقصيدته المشهورة بالتكريتية ، أيام سيف الاسلام طغتكين المتوفي سنة 593 هـ ، التي أولها :-
عج برسم الدار فالطلل ___ فالكثيب الفرد فالأثل الخ
وقد أجازه المنجوي بمركب وشحنته . ولما علم ملك اليمن اذ ذاك وهو طغتكين بن ايوب خبره ونقل اليه الشعر اغتاظ لذلك ووجد له من القصيدة - فيما قيل ما يبرر عقابة له- إذا قدم الى بلده وهو قوله فيها :- ( وهو تاج والملوك حذا ) فأوعز الى نائبه بعدن أن يقبض على الشاعر التكريتي متى قدم ، أي ويحضره اليه ، فعندما جيء به اليه ومثل بين يديه قال له : كيف تقول وهو تاج والملوك حِذا ؟ قال لم أقل حِذا بكسر الحاء وانما فتحتها فأطلقه .
وحينما اتصل الخبر بالمنجوي صاحب (ظفار) بأن الشاعر قد قبض عليه وعلى ماله بعث اليه بمركب آخر وشحنته وقال : يترك مع بعض العدول ينفقه عليه ويكسوه حتى يأتيه الله بالفرج ، فوصل المركب الثاني وقد اطلق سراحه فتسلمه ، ولما علم سيف الاسلام طغتكين بذلك ،قال : يحق لمادح هذا أن يقول فيه ما يشاء .

ومع كون المنجويين هم أسرة الإمارة بظفار ، فقد نقل أن فيهم علماء .
قال أبو مخرمة في ترجمة عبد المؤمن الاصبحي الظفاري : انه تفقه بسعد المنجوي.
ولست أدري هل نسبة المنجوي هذا ترجع إلى ابن منجوه الذي ذكره المؤرخ شنبل الذي اسمه حارثة أم لا ؟
فقد قال شنبل في حوادث سنة 605 خمس وستمائة ما نصه : ( وفي ذي القعدة قتل والي ظفار الذي يدعى إنه ابن حارثة بن منجوة ) اهـ . وغير مستبعد ان يكون هذا نجل المنجوي ممدوح الشاعر التكريتي السابق الذكر ويمكن ان يكون اسمه حارثة كما قلنا والله اعلم .

السلطان الأكحل

السلطان الأكحل :

ومنهم السلطان الأكحل المنجوي ، وهو الذي تولى على ( مرباط ) واسمه محمد ابن احمد الأكحل ، ذكره الطيب ابن مخرمة فقال : - سلطان مرباط ، قال الجندي : من قوم يقال لهم المنجويون من بيت يقال لهم آل بُلُخ ، بضم الباء واللام وآخره خاء معجمة ونسبهم في مذحج . وكان واحد زمانه كرما وحلما وتواضعا .

حكي من مكارمه ان جماعة من اعيان حضرموت قصدوه وحملوا له هدايا تناسب احوالهم . ولكن فقيرا صحبهم ، فلما سمعهم يذكرون هذا السلطان بالجود والكرم كما سمعهم يذكرون ما لديهم مما أعدوه هدايا للسلطان اجتنى اضغاثا من الأراك عدده سبعة أعواد وجعله حزمة ، فعندما وصلوا بلدة مرباط مقر السلطان الأكحل المذكور ، ودخلوا على السلطان المذكور وقدّموا إليه الهدايا . دخل معهم هذا الفقير . فسلّم ثم وضع حزمة الاراك بين يدي السلطان الأكحل وأنشد : -
جعلت هديتي لكم سواكا ولم أقصد به أحدا سواكا
بعثت اليك ضغثا من اراك رجاء أن اعود وان اراك

فما كان من السلطان الأكحل المنجوي المذكور إلا أن أعطاه مثلما أعطى سائر ضيوفه الذين قدّموا له أسنى ما يستطيعون اهداءه اليه من الهدايا فجعل له جاريتين ووصيفا يخدمونه مدة إقامته . وعند عودته الى وطنه أعطاه من كل ما في خزائنه سبعة أجزاء ، فما كان يوزن بالبهاركالحديد اعطى سبعة ابهرة وما هو ( بالمن ) كالزعفران أو بالمكيال يعطى من كل سبعة سبعة .ي-
وهذا مع اضافته الى ماتقدم عن المنجوي ممدوح التكريتي واكرامه له مما يدل على تاصل الكرم العربي في هذه الاسره الكريمه ، المعروفة بآل منجوه او المنجوين .
ولما لم يكن للسلطان الاكحل عقب ولم يكن في اهله من هو كفء حينئذ للقيام بالملك ، وكان اذ ذاك رجل يعمل بالتجارة للملك المذكور . وهو محمد بن احمد الحبوظي فقد قام محمد المذكور بالملك بعد وفاة الاكحل .
وكانت وفاة الاكحل كما في تاريخ ابي مخرمة بعد الستمائة ولم يذكر في اي سنة إلا أن الظاهر أنه بعد الستمائة بسنين ليست قليلة . لان المنجوي او ابن منجوه صاحب ظفار الذي ذكره المؤرخ علوي شنبل , وقال : انه يدعي انه ابن حارثة بن منجوة , توفي سنة 605 خمس وستمائة . ومن المستبعد ان يكون هو هذا . مع شهرة السلطان الاكحل عند الحضرميين , حتى صاروا يرحلون الى بابه للوفادة عليه لشهرته وكرمه . وان يكون المؤرخ المحقق السيد علوي شنبل يجهله , وهو هو المتتبع للحقائق , والمنقب عن الدقائق . والله تعالى اعلم .

آل الحبوظي وولايتهم على ظفار

بعد ان انتهت دولة المنجويين قامت مقامها دولة الحبوظيين , واولهم محمد بن احمد . وقد كان -ــ كما اشرنا آنفا ــ تاجرا يتجر للسلطان الاكحل .
ولما مات الاكحل ولم يبق له عقب ولم يوجد في اهله واسرته من يصلح للولاية وتوجد فيه الاهلية التامة لذلك . نهض محمد الحبوظي بتأييد اهل البلاد بالولاية بعده واضطلع بأعباء السلطنة .
والظاهر ان محمد بن احمد المذكور , لم تطل مدته ولم تعلم سنة وفاته , ولكن المؤكد انه توفي قبل سنة 620 عشرين وستمائة , وقد كان محمد هذا هو مؤسس الدولة الحبوظية بظفار , واستمرت بعده في عقبه الى سنة 678 هـ , حين قتل السلطان سالم بن ادريس الحبوظي كما سيأتي وانتهت بقتله .
وتولى ظفار بعد محمد بن احمد نجله احمد بن محمد الحبوظي , وكان ملكا جوادا شجاعا شهما حسن السيرة . وهو الذي اختط مدينة ظفار الجديدة عام 620 عشرين وستمائة , وأمر اهل مرباط ان ينتقلوا اليها فسميت باسمه واشتهرت بظفار الحبوظي .
الا انه في بعض السنين ثار عليه اهل مملكته ووجوه دولته بظفار وتألبوا عليه . ثم اعتقلوه وخلعوه ونصبوا ابن اخيه مكانه . فلما لم يجدوا ابن اخيه المذكور على ما توسموا فيه وسار فيهم سيرة غير مرضية . وبلغ خبر ذلك الى عمه احمد بن محمد وهو يومئذ في المعتقل . كتب من معتقله الى الوزير ووجوه دولته كتابا اودعه هذه الابيات :
حاشاكُمُ ان تقطعوا صلة الذي او تصرفوا علم المعارف أحمدا
هو مبتدا نجباء ابنا جنسه والله يأبى رفع غير المبتدا
أغريتم الزمن المعاند باسمه وحذفتموه كأنه ياء الندا

فعند ذلك أطلقوه وعزلوا ابن اخيه وأعادوه واليا عليهم . ومع ذلك لم يفكر احمد المذكور في الانتقام من احد من الذين باشروا القبض عليه وتسببوا فيه . فلم يحدث اليهم ولا الى ابن اخيه المعزول شيئا يكرهونه بل عفا عنهم وصفح .
ومن العجيب قول ابي مخرمة ( وهو اول من ملك ظفار من الحبوظيين . وقيل ان من ملكها أبوه ) , وهو بنفسه قد ذكر ان الذي تولى ظفار بعد الاكحل هو محمد بن محمد وهو والد احمد هذا .ثم ان خلعه وتولية ابن اخيه بدله يؤيد ما قلناه اذ تولية ابن اخيه دون غيره تدل على ان الملك سابق في نسبه وانه وارثه . وهذا لايكون الا اذا جدّه محمد قد ولي الامر قبله والله تعالى اعلم .
ولم يذكر الطيب ابو مخرمة سنة وفاته, ولكن المؤرخ شنبل ذكر ذلك فقال :- وفي سنة 628 ثمان وعشرين وستمائة توفي ابن الحبوظي في رجب.
وكانت الولاية بعد وفاة احمد المذكور لابنه ادريس بن احمد الحبوظي . وقد طالت مدة ولايته على ظفار الى نحو اثنتين واربعين سنة . اذ توفي سنة 670 سبعين بعد الستمائة في شهر رمضان منها . وعند ذلك تولى ابنه النابغة الشهم سالم بن ادريس الحبوظي .
وأصل الحبوظيين من حضرموت , ولكنهم انتقلوا منها إلى ظفار . ولعلهم ينسبون الى حبوظة بلدة او قرية كانت بحضرموت , ذكر صاحب الجوهر أن موقعها بين تريم والعجز . وقد دثرت ونُسي اسمها فلا تعرف الا في التاريخ .
أما بعد هذه المقدمة فسنسوق للقراء مانحن بصدده من تاريخ استيلاء سالم بن ادريس الحبوظي على حضرموت وما عقب ذلك . وكيف آل الامر الى تجهيز صاحب اليمن الملك المظفر على ظفار . وكانت نهايته ان قتل شهيد الدفاع عن وطنه ظفار .


سالم بن إدريس الحبوظي
صاحب ظفار
الذي استولى على حضرموت

هو السلطان سالم بن ادريس بن أحمد بن محمد بن أحمد الحبوظي الحضرمي الأصل ، صاحب ظفار ، الملك الشهم المتدين ذو الهمة العالية والنفس العصامية .
تولى أمر ظفار بعد وفاة أبيه وذلك سنة 670 هـ ، سبعين وستمائة ، وقتل عندما هاجمه جيش الملك المظفر .

كيف استولى الحبوظي على حضرموت :

لم تتفق المصادر التاريخية على كيفية استيلاء سالم بن ادريس الحبوظي على حضرموت ، إلا ان المصدر الحضرمي يقول بأنه اشترى شبانا من أهلها – وأهلها حينئذ بنو سعد – وخرج إلى حضرموت . ثم إنه دخل مدينة تريم مع من ظاهره من ( نهد ) وحصر فيها صاحبها ابن مسعود ، وقام تحتها ثلاثة أشهر ، ثم استفتح بلدة دمون فالعجز والغيل الاعلى وبلدة سيوون ، وذلك سنة 673 ثلاث وسبعين وستمائة .

ولما عجز ابن مسعود بن يماني صاحب تريم عن مقاومة الحبوظي وبرم بالأمر بعث ابنه الى ملك اليمن يستنجده ويستنصره على ابن الحوظي ، فلم ينجح وعاد الابن بدون طائل وليس معه من صاحب اليمن أي مدد . ولكن ابن شماخ حليف الملك المظفر صاحب اليمن وزعيم قبيلة خيثمة من نهد أقبل بعسكر إمدادا لابن يماني على مقاومة ابن الحوظي . فالجا الأمر ابن الحبوظي الى التحول من تريم الى دمون ، ثم الى شبام . وهناك اجتمع بأخيه موسى بن ادريس ، وكان مقيما بها . ولعله رأى الجو غير ملائم له فتجهز بعد ذلك للرحيل الى ظفار فغادر حضرموت وقد استناب في قراها آل كثير.
وبفتنة ابن الحبوظي التي اشتدت فيها مقاومة ابن مسعود ابن يماني له عظمت البليّة على تريم وأهلها حتى خلت من السكان فلم تقم بها جمعة مدة اقامة ابن الحبوظي بحضرموت وذلك تسعة شهور كاملة .

هذا هو ما ذكره المؤرخ الحضرمي الثقة علوي شنبل العلوي عن كيفية استيلاء الحبوظي على حضرموت . وسيأتي عن المؤرخ الخزرجي رواية ذلك بصورة اخرى . وفي ذلك ما فيه كما سنوضح ذلك ونرى أن ما هنا هو الصحيح .

أسباب تجهيز المظفر عليه وقتله :
من أسباب تجهيز الملك المظفر صاحب اليمن علي سالم بن ادريس المذكور ، ان الملك المظفر قد أرسل بهدية الى بعض ملوك فارس مع بعض التجار فرمت بهم الريح إلى ساحل ظفار . فاستولى ابن الحبوظي على تلك الأموال المهداة . فكتب اليه المظفر يقول له فيما يروي المؤرخون ( انه لم تجر بذلك عادة من اهلك ونحن سنحاسبك على قطع السبل وانت تعلم ما بيننا وبين والدك من الصحبة والمكافأة بيننا ، غير أننا نتأدب بآداب القرآن فان الله تعالى يقول : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) .

قالوا : الا ان ابن الحبوظي ازداد غلظة . ورد له بجواب قال فيه : ( هذا الرسول فأين العذاب ؟ ) .
يضاف الى ذلك أيضا أن صاحب الشحر راشد بن شجنعة بن اقبال المقدم ذكره قد اتصل به ابن الحبوظي واستماله اليه ثم أغراه وشجعه على الانفصال عن طاعة صاحب اليمن والتخلص من دفع الخراج السنوي الذي اعتاد تقديمه اليه .
فعند ذلك جهز المظفر على الحبوظي جيشا صحبة الامير غازي بن المعمار , قال ابو مخرمة : فوصل ابن المعمار الى ساحل ظفار ولم يفد شيئا ورجع مثلما جاء .
قال : فلما رجع ابن المعمار عن ظفار , تشجع ابن ادريس وازداد أملا في النصر . فجهز عسكرا وسار نحو عدن فلم ينجح وكان شأنه كشأن ابن المعمار . وكان المظفر اذ ذاك في الجند فاستشاط غيظا . ونزل الى عدن وجهز بنفسه الحملة الاخيرة التي قضى بها على سالم بن ادريس كما سنقص ّ بذلك . زاد الخزرجي ان السبب فيما صنعه الحبوظي بهدية المظفر الى صاحب فارس مجاعة عظيمة وقحطا وقعا بحضرموت اضطرا اهلها ان اقبلوا الى صاحب ظفار سالم بن ادريس الحبوظي وطلبوا منه مايدفعون به كَلَب الجوع تلك السنة وسلموا اليه مصانعهم وحسنوا له ذلك , فأجابهم الى ماطلبوا وخرج معهم الى حضرموت لذلك . ولم يعلم مكرهم ــ كما قال الخزرجي ــ فلما أخذوا منه جميع ماطلبوا سلموا اليه المصانع فقبضها وعاد الى ظفار . ورأى انه قد أفلح وأن حضرموت كلها قد صارت تحت يده . فعند ذلك مالوا ميلة واحدة على مصانعهم وأخذوها طوعا وكرها , فأصبح لا مال له ولا بلاد . فكاد يهلك أسفا على مافرّط في امواله في غير مواضعها ــ هكذا قال ــ وأن ابن الحبوظي لذلك اراد التعويض عما خسره . فصنع ماصنع بهدايا المظفر الى ملك فارس اهـ .
هذا هو ماذكره الخزرجي المؤرخ اليمني . وهو عندي غير مستساغ ولا مقبول . ولا ننفي ذلك تنزيها لأهل حضرموت عن وصمة الغدر والخيانة المجسمين في هذا الصنيع بصورة فظيعة . بل لامرين آخرين أولهما : مخالفة هذا لما نقله المصدر الحضرمي من ان ابن الحضرمي اشترى شباما من أهلها ثم استفتح سائر حضرموت بلداً بلداً كما تقدم مما قصصناه عن السيد شنبل المؤرخ الحضرمي . وصاحب الدار ــ كما قيل ــ ادرى بما فيه. وأما ثانيهما : فلأن فيما قصّه الخزرجي نفسه ما يناقض هذا , إذ قال عند ذكر توزيع فرق جيش الحملة على الحبوظي المشار اليها ., أن الفرقة التي كانت طريقها على حضرموت مافارقوا الحرب ليلةً لأنها مشحونة بقلاع بني الحبوظي , ولم يكن فيها من احلاف المظفر الا ابن شماخ وابن مسعود وفيهما أيضا ميل الى ابن الحبوظي الخ ... وهذا يناقض كون الحضرميين سلبوا ابن الحبوظي القلاع والمصانع التي سلموها له , وأنهم تركوا ابن الحبوظي لا مال له ولا بلاد الى آخر ماذكره .
ويمكن ان تكون قصة وقوع القحط والمجاعة واضطرار اهل حضرموت الى الاستغاثة بابن الحبوظي صحيحة , ولكنها كانت قبل هذا التاريخ . ففي تاريخ السيد شنبل العلوي مايدل على سبق تعلق بني الحبوظي بحضرموت قبل ولاية سالم بن ادريس المذكور وابيه ايضا . وذلك أيام احمد بن محمد الحبوظي . بل انه ينص على ان سلطة الحبوظي على بعض بلدان حضرموت كانت من ذلك العهد . فلا يستبعد ان يكزن ما حكاه المؤرخ الخزرجي جرى في تلك الايام فكان السبب في علاقة بني الحبوظي السياسية بهذا القصر . وأن يكون الخزرجي لبُعد الديار اختلط عليه الامر فنسب القصة لسالم بن ادريس , حفيد احمد بن محمد المذكور , وهو الذي اختط ظفار الحديثة.
وعبارة المؤرخ شنبل في حوادث سنة 623 أن فيها في ربيع الاول لعشرين بقين منه , حصلت رابطة الحبوظي بشبام باذن مسعود . ثم قال :ــ وفيها في يوم الجمعة لخمسٍ بقين من شعبان نقل مسعود رابطة ابن الحبوظي الى تريم اهـ , والرابطة هي الحامية , فيستروح من هذه ان قصة بيع مصانع حضرموت او رهنها كانت في ذلك العصر السابق , لا عصر سالم بن ادريس .
وقضية استيلاء سالم بن ادريس الحبوظي على هدية المظفر مشكلة في نظري لأنها لا تناسب ماعليه هذاالامير الشهم من كرم الاخلاق والشيم . ولا يسوغ بحال ان تكون مخترعة ويمكن أن يكون ذلك الصنيع صادراً لعداوة بين الملك سالم بن ادريس صاحب ظفار والملك المهدى له . ويترجّح لدي أن تكون لصاحب هرمز الذي هاجم ظفار سنة 658 , ونال منها ومن اهلها بالقتل والأسر ثم انصرف كما في تاريخ شنبل والله تعالى اعلم .




شرح قصة تجهيز المظفر
على ظفار

وشرح قصة حملة صاحب اليمن الملك المظفر على ظفار أنه لما علم الملك المظفر بغارة صاحب ظفار سالم بن ادريس الحبوظي على ساحل عدن
وكان المظفر يومئذٍ بالجند استشاط غضباً واستطار غيظاً ونزل في حينه الى عدن وجهز على ظفار جيشاً كثيفاً فيه عدد كبير من الفرسان والرجالة ، وفيه من العُدَد والذخائر والأزواد الشئ الكثير .
ففرق الحملة الى ثلاث فرق : فرقة في البحر ، وفرقة في البر على السواحل ، والفرقة الثالثة في طريق النجد طريق حضرموت .
أما الفرقة التي في البحر فجعل قائدها سيف الدين سنقر الترنجلي نقيب المماليك البحرية ، وأما الفرقة التي على الساحل وكانو اربعمائة فارس من المماليك وحلفاء السلطان المظفر ، فعلى المماليك القائد الأمير حسام الدين لولو التوربزي ، وعلى الحلفاء فيروز ، وعلى الجميع الأمير ازدمر ، أما الفرقة الثالثة التي كانت طريقها في بر النجد ، فكانو ثلاثمائة فارس قائدهم الشخ بدر الدين عبد الله بن عمر بن الجنيد وهم العرب ، فاخترقوا البلاد الحضرمية عنوةً .
ولم تزل كل فرقة تسير على حسب ما يمكنها من السير بمقتضى سهولة الطريق ووعورتها وعلى مقدار ما يعترضها من العراقيل أو عدم ذلك . فأما الفرقة التي كانت طريقها على حضرموت فما فارقوا الحرب ليلةً واحدة . لأنها كانت مشحونة بقلاع بني الحبوظي . ولم يكن بها من أحلاف المظفر الا ابن شماخ والشيخ عمر بن مسعود ، وفيهما ميل الى ابن الحبوظي أيضاً . ولم يزل رجال ابن الجنود يتخلفون عنه . فما وصل إلى ظفار الا بعد خمسة اشهر من حين خروجهم من صنعاء ، وما بلغ منهم الى ظفار الحبوظي الا مائة فارس وثلاثة عشر رجلا .
وأما الفرقة التي على الساحل فكانت طريقها أصعب الطرق ، فانها وعرة على شواهق الجبال ، وفي كثبان الرمل ، فكانوا يسيرون اصعب سير يسايرون السفن الحربية التي فيها زادهم وعددهم ، وكانت السفن مشحونة بأنواع الاسلحة وآلات الخيل وغيرها . وكانت الأسواق فيها قائمة كأعظم ما تكون الأسواق في المدن ، وفيها من أصناف الطباخين والخبازين والحلاويين وارباب الصناعات ، فإذا إلتوت الطرق وأبطأت عليهم المؤونة تعبوا فلم يزالو كذلك حتى جمعهم الله في بندر رسيوت .
عند ذلك أقبلت السفن كما قال الخزرجي كأنها العقبان وراءها الطريدة وهي المركب الأعظم والسيوف مسلولة والأعلام منشورة ، وفي هذه الطريدة الخزانة ومبلغها اربعمائة ألف 400000 دينار ملوكية . وأما القماش من البنادقي والسوسي والموصلي والزبيدي فلا يحيط بها الحصر .
قال الخزرجي : فللَه دره من ملك ملأت البحر والبر كتائبه ووسع العرب مواهبه ورغائبه فكان كما قال عمرو بن كلثوم :

ملأنا البر حتى ضاق عنا ووجه البحر نملؤه سفينا

ولما أجتمعت العساكر في بندر رسيوت كانت الخيل خمسمائة فارس والرجْل سبعة الاف راجل ، فساروا حتى بلغوا * عوقد * فأرجف عليهم بوصول خيل حضرموت والبحرين مددا لابن الحبوظي ، فتشاوروا ولكنهم قالوا إنما جئنا للقتال لا غير .
وقد كان من الحزم لابن الحبوظي ان لا يبرز لملاقاة هذا الجيش الكثيف الذي كان من سبعة آلاف راجل وخمسمائة فارس . وليس لديه ما يكافئ هذه القوة . بل ولم يكن في ظن عسكر شمس الدين ازدمر ان يبرز لهم سالم ابن ادريس , ولكن هكذا قضى الله وقد قيل : إذا نزل القدر عمي البصر . فما راع القوم الا ان أقبل اهل ظفار يقدمهم ملكهم سالم بن ادريس مستقبلا جيش المظفر . فاصطف الجيش لمكافحته ثم اصطدم الجيشان صدمةً واحدة ً جالت بها العساكر المظفرية ــ كما قال المؤرخ ــ جولةً اقتلعت فيها من الفريقين نحو خمسمائة فارس .
ثم كانت الهزيمة لاهل ظفار , فما نجا منهم إلا من استسلم للاسر , وكانت القتلى منهم ثلاثمائة قتيل , اما الاسرى فعددهم ثمانمائة , غير العبيد الذين أُخذوا . وقتل صاحب ظفار سالم بن ادريس في تلك المعركة , ولم يُعرف الا بمصحفه الذي يصحبه , عرفه به اخوه موسى . وأخذ راسه , وطلب أهل ظفار الذمة فأعطوها .
ودخلت الاعلام المظفرية ظفار , وكانت الواقعة يوم السابع والعشرين من رجب سنة 678 هـ , المذكورة . وفي اليوم الثامن والعشرين وقع العفو عن الناس كلهم , فخطب للمظفر على منابر ظفار يوم الجمعة الثالث من شهر شعبان وقبض الامير ازدمر قصر ظفار .
وبعد هذا تسلموا مدينة شبام حضرموت , وذلك يوم الثامن من شهر رمضان سنة 678 هـ , وقد قبض اعوان المظفر كافة بني الحبوظي في اليوم السادس من رمضان من السنة المذكورة , فحملوا الى زبيد وبقوا بها حتى انقرضوا . قال الخزرجي : ولم يبق منهم في عصرنا احد , فسبحان من لايحول ولا يزول ملكه .
وبقي أميرا على ظفار سيف الدين سنقر الترنجلي نائباً عن الملك المظفر , وعين على حضرموت محمد بن محمد ناجي . وسياق هذه الاخبار يدل دلالةً بيّنة على ان الرسوليين تسلموا حضرموت من ايدي الحبوظيين مباشرةً , ولا يؤيد ماقيل من غدر الحضرميين بآل الحبوظي من قبل ذلك وطردهم عنها , والله أعلم .

إقطاع المظفر ظفار لابنه الواثق :
ثم إن الملك المظفر أقطع ظفار ابنه الواثق واسمه ابراهيم على ما حكى الخزرجي , أو عليّ على ماحكى ابومخرمة في قلائد النحر واسم المظفر يوسف بن المنصور الى آخر نسبه المقدم ذكره , فسار اليها وذلك سنة 692 هـ اثنتين وتسعين وستمائة . فاتجه اليها بطريق البحر من عدن في شهر رمضان من تلك السنة . ولم يزل بها محمود السيرة الى ان توفي فيها سنة 711 احدى عشرة وسبعمائة . قال ابو مخرمة : وكانت له مشاركة في الفقه والنحو واللغه . وله شعر حسن , منه ماكتبه الى والده المظفر من جملة قصيدةٍ يمتدحه فيها : ـ
ما أنت الا دوحة أنا غصنها إذ خير مافي الدوح غصن مثمر
قال الخزرجي : واستقل اولاده بالملك هناك و فهم ملوك ظفار إلى يومنا هذا , وقد توفي الخزرجي سنة 812 هـ , وقد زارها ابن بطوطة في رحلته التي ابتدأها سنة 725 هـ أيام ملكها المغيث بن الملك الفائق بن الجواد الرسولي المتولي عليها قبل اخيه المظفر المقتول سنة 775 هـ .
ولم تزل ظفار في ايدي بني الملك الواثق , يتوارثون ولايتها الى سنة 807 سبع وثمانمائة حينما أخذ آل كثير ظفار . وأخرجوا السلطان الرسولي منها وغادر تلك الناحية الى اليمن .
وبعد ذلك استمر آل كثير بها . الى ان صارت تحت سلطة امام اليمن في عهد المتوكل على الله اسماعيل وذلك سنة 1065 خمس وستين والف عندما اعترف سلاطين آل كثير بالطاعة للإمام المتوكل على الله , واستمرت الخطبة له في جميع نواحي حضرموت وظفار . الى ان ثار السلطان بدر بن عبدالله بن عمر على عمه بدر بن عمر الكثيري فقبض عليه فرأى الإمام ان ذلك انما حدث لكون بدر بن عمر المذكور كان واليا من قبله . فجهّز على حضرموت بجيش جرّار على رأسه الصّيفي احمد بن الحسن . فاجتاح حضرموت ولكنه لم يتمكن من الزحف على ظفار وعليها يومئذٍ جعفر بن عبدالله بن عمر . ثم تداعت الدولة الكثيرية وانهارت في ظفار وحضرموت كما سيأتي شرح ذلك في حينه . فوجّه أهل ظفار أنظارهم شطر الدولة العثمانية , فكانت تبعث إليهم نوّاباً من قِبَلها .
ومن أبرز من ولي على ظفار في تلك الفترة السيد فضل بن علوي بن سهل العلوي الحضرمي المتولي عليها سنة 1290 هـ تسعين ومائتين وألف , الى سنة 1296 هـ , ست وتسعين ومائتين وألف .
ثم صارت ظفار متعلقةً بعمان ومسقط , وصار أمرها إلى سلاطين مسقط وبقيت كذلك ولا تزال حتى الآن كمسقط تحت أولئك السلاطين , فسبحان من بيده تصاريف الامور)) .