الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

مسجد عقيل بصلالة الشرقية .. طراز معماري فريد بلمسة حضارية

امتزج فيه المعمار المملوكي والفاطمي والفارسي والإسلامي
مسجد عقيل بصلالة الشرقية .. طراز معماري فريد بلمسة حضارية

استطلاع ـ أحمد أبو غنيمة:يقع مسجد عقيل بصلالة الشرقية المعروفة قديما بحافة السادة بولاية صلالة ويبعد عن المسجد الجامع بصلالة الوسطى مسافة لا تزيد عن 400 متر ويتوسط المسجد العديد من البيوت السكنية الآهلة بالسكان ويوجد إلى الشمال الغربي منه عدد من البيوت الأثرية المبنية من أحجار الجير والأخشاب والطين شيدها السكان في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجري وذلك بعد نزوحهم من أحياء ظفار القديمة (الرباط) إلى صلالة لاستواء أراضيها السكنية وقربها من الشريط الزراعي.
وقد شُيّد هذا المسجد في الربع الأخير من القرن الثاني عشر الهجري وتحديدا في عام (1188هـ/1774م) متوسطا الحي السكني القديم والى الجنوب منه يقع يوجد ميدان فسيح كان فيما مضى مقرا للمناسبات الاجتماعية والاحتفالات العامة إذ تعارفت كل مدن ظفار على تخصيص مثل هذه الميادين للمناسبات بأنواعها المختلفة ويعرف هذا الميدان ب "الغب"، وفي سبعينيات النهضة المباركة أقيمت بعض الاحتفالات الوطنية في هذا الميدان وأطلق عليه صاحب الجلالة ـ حفظه الله ـ ميدان الشعب.
أسس هذا المسجد الشريف عبدالله بن محمد بن عقيل بن زين باعمر كما يشير صاحب مواهب المنن الذي زار ظفار خلال تلك الفترة غير أن إكمال بناء المسجد كان على يد الشريف عبدالله بن أحمد بن عقيل بن زين باعمر كما هو شائع لدى الأهالي وكبار السن وأطلق عليه مسجد عقيل نسبةً إلى العلامة الفقيه عقيل بن عمران باعمر المتوفى سنة 1062هجري.
بُنِي المسجد على الطراز التقليدي الذي ساد ظفار خلال تلك الحقبة واستخدمت في البناء أحجار الجير وأخشاب جوز الهند (القبال) والأخشاب الرفيعة الطويلة (الركراك) والطين وقد تمت توسعة المسجد وتجديده في مراحل لاحقة وذلك في منتصف الربع الأول من القرن الثالث عشر الهجري/القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين ثم جدد في منتصف القرن الرابع عشر الهجري/القرن العشرين الميلادي وأخيرا أعيد بناؤه وتوسعته عام 2008م بعدما سقطت بعض أجزاءه وذلك على نفقة أحفاد المؤسس وبمساهمة أصحاب الأيادى البيضاء وروعي في التجديد الأخير أن يتوافق البناء والشكل مع النمط التقليدي إذ تم الاحتفاظ بالشكل الهندسي للمسجد والتصاميم التاريخية التي تميزت بها المساجد العمانية بحيث أن الداخل لهذا المسجد لا يجد فرقا بين المسجد الحديث والمسجد القديم وتم افتتاحه عام 2009م..
تشير الذاكرة الشعبية الى العديد من الفعاليات المرتبطة بهذا المسجد كالدروس الفقهية ودروس الحديث والاحتفالات المرتبطة بالمناسبات الاسلامية ويشتمل المسجد على عدد من المرفقات كزاوية الماء التي كانت فيما مضى موردا للعابرين وفناء خارجي (صحن المسجد) يستخدم لافطار الصائمين وحظي هذا المسجد بكم كبير من الأراضي الموقوفة لصالحه وكانت هذه الأوقاف تعطى للقائمين على المسجد وبعضها يصرف في ترميم وعمارة المسجد ولا تزال هذه الأوقاف مقيدة في سجل أوقاف ظفار.
وقد تأسس المسجد في البداية كمعتكف ومصلى عام 1188هـ الموافق 1774م على يد السيد عبدالله بن محمد بن عقيل بن زين العابدين ابن عقيل بن عمران باعمر باعلوي الحسيني حسب ما ورد في مخطوط (المواهب والمنن) للحبيب علوي بن أحمد بن حسن الحداد قال: "السيد عبدالله بن محمد بن عقيل بن زين العابدين بن الإمام عقيل بن عمران صاحب عباده واجتهاد ونور الاجتهاد ظهر عليه وبنى مسجداً للاعتكاف فيه والصلاة وتوفي السيد عبدالله قاصدا الحج بجدة ، وعقدنا بيننا عقد الأخوة ، رحمه الله رحمة الأبرار وجمعنا وإياه في دار كرامته الفردوس الأعلى برحمته وفضله".
* سبب التسمية
سُمي المسجد بهذا الاسم نسبةً للعلامة السيد عقيل بن عمران باعمر المتوفى في رباط ظفار عام 1062هـ والذي يعد من علماء عصره وصاحب المؤلفات الجليلة في الفقه واللغة والحديث ومنها: مخطوط فتح الكريم الغافر بشرح حلية المسافر ومخطوط مختصر الحديث والأثر وله رباط علم يقصده طلبة العلم في عصره من مختلف الأمصار الإسلامية وقبور بعضهم ممن دفنوا في مقبرة الرباط شاهدة على ذلك حتى اليوم ومذكور في الكثير من المصادر القديمة كالأعلام للزركلي وغيره من المصادر .
رسالة المسجد
كان مسجد عقيل كغيره من بيوت الله دار عبادة وقراءة للقرآن الكريم وكانت تقام في جنباته دروس في الفقه والسيرة وغيرها.. إضافة إلى الملتقيات الأسبوعية كقراءة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة، وقراءة المواعظ الدينية ليلة الإثنين وتسمى (الحضرة) وكان ممن درّس في هذا المسجد السيد فضل بن علوي مولى الدويلة وقاضي ظفار السيد أحمد بن محمد الغزالي والسيد حفيظ بن محمد بن برهام باعمر، وممن تولى إمامة المسجد المعلم عاشور بن راضي باحيد والمعلم عوض بن أحمد العجيلي رحمهم الله جميعا.
مراحل التوسعة
كانت مساحة المسجد في هذه الفترة لا تزيد عن اثني عشر مترا مربعا تقريباً وقد أقيم البناء على سارية واحدة، ثم قام السيد عبدالله بن أحمد بن عقيل بن زين العابدين باعمر (صاحب المقام) عام 1194 هـ الموافق 1780م بتوسعته من مصلى ومعتكف في مراحله الأولى إلى مسجد والأرجح أنها التوسعة الأولى.
وتعود التوسعة الفعلية للمسجد إلى عام 1365 هـ الموافق 1946 م إذ دعت الحاجة إلى إعادة بناء وتوسعة المسجد وقد قام على ذلك السيد عقيل بن أحمد بن عبدالله الهادي باعمر والسيد عبدالله بن محمد بن برهام باعمر وكان سقف المسجد من قبال جوز الهند وفوقها أحجار القص المسحول وبعدما تعرضت المنطقة للإمطار غزيرة في عام 1948م والمسماة محلياً سنة (الحيمر) سقط سقف المسجد وأعيد بناؤه بالركراك بدلاً عن حجر القص وقد بنيت جدران المسجد من حجر القص والطين الخطري وطليت بالنورة البيضاء، وأما السقف فكان من قبال جوز الهند والركراك من شجر الخفوت والبسط (الجسور) من شجر الميطان وغطي الركراك بليف من نخيل جوز الهند لمنع تساقط التراب على الأرض وقد أقيم المسجد على ست سواري بطول 13.75 متر وعرض 11.40 متر وبنيت المئذنة في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد، كما أقيمت أحواض للوضوء والغسل ويطلق عليها (المقالد) وبنيت بجوارها من الجهة الشمالية زاوية تملأ بالماء وتستخدم للشرب.
أما التوسعة الثالثة فكانت بإزالة المسجد القديم وتوسعته ليستوعب أعداد المصلين خاصة في المناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف والحضرة والحول واغتنام فرصة زيارة بعض العلماء لإقامة محاضرات ودروس علمية ومن دواعي التوسعة أيضاً بعض المناسبات الاجتماعية كعقود الزواج، إضافة إلى أن أجزاء من سقف المسجد بدأت في الانهيار وهذا ما شجع على البدء في تنفيذ المشروع، حيث بدأ العمل في بناء المسجد الجديد يوم الإثنين 10/3/2007م واستغرق البناء بجميع مراحله مع كافة التجهيزات عامين كاملين وقد روعي في البناء المحافظة على الطراز المعماري التراثي الفريد للمسجد، وقيم البناء الجديد على اثنتي عشرة سارية، وبلغت مساحة المسجد الداخلية 892 متر مربع، ومساحة الضاحي 159 متر مربع، أما مساحة القبو فقد بلغت 593 متر مربع أي أن المساحة الإجمالية للمسجد تقدر بـ 1644 متر مربع. ويتسع المسجد إلى ما يزيد عن ألفي مصل، هذا وقد تم افتتاح مسجد عقيل - بعون الله تعالى وتوفيقه يوم الثلاثاء 12 من ربيع الأول 1430هـ الموافق 10 من مارس 2009م.
الجدير بالذكر أن مسجد عقيل يعد من اقدم المساجد بمحافظة ظفار ويمثل النمط المعماري لبناء المساجد بمحافظة ظفار قبل 236 سنة ميلادية، كما تم الالتزام باشتراطات ومعايير اليونيسكو فى إعادة بناء المساجد القديمة بمواد حديثة، مع الالتزام بالحفاظ على الأنماط المعمارية القديمة بتفاصيلها المختلفة، وتم إجازة التصاميم ومراجعتها من وزارة التراث والثقافة كون المسجد مسجل ضمن التراث العماني ومازال إلى الآن محطة رئيسية لزيارة الوفود السياحية بمحافظة ظفار، ويجسد المسجد أربعة أنماط معمارية حيث يوجد به جزء من المعمار المملوكي والنمط الفاطمي والنمط الفارسي في الأقواس، ونمط العمارة الإسلامية وتمازجت تلك الملامح في مكان واحد، كما يميز المسجد بإطلالته على ساحات للمواقف فسيحة خاصة أنه يطل على ما يعرف بميدان الشعب والذي شهد أول احتفال بالعيد الوطني الأول لعصر النهضة المباركة لحضرة صاحب الجلالة ـ حفظه الله ورعاه ـ كما ان المسجد يقع بمنطقة تاريخية قديمة تجسد مساكنها النمط المعماري في مدينة صلالة قبل 300 عام.

المصدر جريدة الوطن