الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

تاريخ ظفار في كتاب تاريخ حضرموت للمؤلف صالح الحامد

سنبدأ النبش في تاريخ ظفار من خلال المخطوطات والمصادر التاريخية المختلفة وذلك لعدم وجود مخطوطات محلية تتحدث عن تاريخ المنطقة واليوم نستعرض كتاب تاريخ حضرموت للمؤلف الاديب صالح الحامد
((

المقدمة
التعريف بظفار. تعلقها أولا بنواب الخلفاء ، آل المنجوي آو آل منجوه .آل الحبوظي وتاريخهم الى عهد ولاية سالم بن ادريس الحبوظي .

ظفار :
ظفار اسم لصقع على الطرف الشرقي من جنوب جزيرة العرب ، على شط الطرف الجنوبي من الخليج الفارسي ، يحدها شرقا إلى جهة الشمال سلطنة عمان ومسقط ، وجنوبا إلى جهة الغرب حدود بلاد المهرة ( سيحوت ) وما إليها من سواحل حضرموت ، أما من جهة الشرق فالبحر ومن جهة الغرب فالصحراء .
ومدينتها ظفار ، التي سميت الناحية باسمها ، ومرساها ( مرباط ) ، واليها ينسب الامام السيد محمد بن علي العلوي المعروف بصاحب مرباط ، جد آل ابي علوي اهل حضرموت المقبور بها . كما أن بظفار قرى اخرى منها (الرباط) و ( جاذب ) . اما ظفار الحديثة فقد اختطها احمد بن محمد الحبوظي سنة 620 عشرين وستمائة . فحينئذ انتقل سكان ظفار القديمة اليها . فخربت القديمة بعد خلوها من السكان ، ولم تبق سوى رسومها وخرائبها . ومن ذلك الحين سميت الجديدة هذه : بظفار الحبوظي ، نسبة الى مختطها المذكور .

تاريخ ظفار السياسي في ذلك العهد :
أما تاريخها السياسي ، فالمفهوم أنها كسائر أصقاع جزيرة العرب ، كانت تحت حكم نواب الخلفاء . ثم إنها فيما قبل القرن السادس كانت متعلقة بعمان تحت سلطة آل الجلندي ، ثم انها انفصلت وصار لها امراء مختصون بها ، وهم المنجويون او آل منجوه .
فمنهم المنجوي الذي قصده الشاعر التكريتي العدني فامتدحه بقصيدته المشهورة بالتكريتية ، أيام سيف الاسلام طغتكين المتوفي سنة 593 هـ ، التي أولها :-
عج برسم الدار فالطلل ___ فالكثيب الفرد فالأثل الخ
وقد أجازه المنجوي بمركب وشحنته . ولما علم ملك اليمن اذ ذاك وهو طغتكين بن ايوب خبره ونقل اليه الشعر اغتاظ لذلك ووجد له من القصيدة - فيما قيل ما يبرر عقابة له- إذا قدم الى بلده وهو قوله فيها :- ( وهو تاج والملوك حذا ) فأوعز الى نائبه بعدن أن يقبض على الشاعر التكريتي متى قدم ، أي ويحضره اليه ، فعندما جيء به اليه ومثل بين يديه قال له : كيف تقول وهو تاج والملوك حِذا ؟ قال لم أقل حِذا بكسر الحاء وانما فتحتها فأطلقه .
وحينما اتصل الخبر بالمنجوي صاحب (ظفار) بأن الشاعر قد قبض عليه وعلى ماله بعث اليه بمركب آخر وشحنته وقال : يترك مع بعض العدول ينفقه عليه ويكسوه حتى يأتيه الله بالفرج ، فوصل المركب الثاني وقد اطلق سراحه فتسلمه ، ولما علم سيف الاسلام طغتكين بذلك ،قال : يحق لمادح هذا أن يقول فيه ما يشاء .

ومع كون المنجويين هم أسرة الإمارة بظفار ، فقد نقل أن فيهم علماء .
قال أبو مخرمة في ترجمة عبد المؤمن الاصبحي الظفاري : انه تفقه بسعد المنجوي.
ولست أدري هل نسبة المنجوي هذا ترجع إلى ابن منجوه الذي ذكره المؤرخ شنبل الذي اسمه حارثة أم لا ؟
فقد قال شنبل في حوادث سنة 605 خمس وستمائة ما نصه : ( وفي ذي القعدة قتل والي ظفار الذي يدعى إنه ابن حارثة بن منجوة ) اهـ . وغير مستبعد ان يكون هذا نجل المنجوي ممدوح الشاعر التكريتي السابق الذكر ويمكن ان يكون اسمه حارثة كما قلنا والله اعلم .

السلطان الأكحل

السلطان الأكحل :

ومنهم السلطان الأكحل المنجوي ، وهو الذي تولى على ( مرباط ) واسمه محمد ابن احمد الأكحل ، ذكره الطيب ابن مخرمة فقال : - سلطان مرباط ، قال الجندي : من قوم يقال لهم المنجويون من بيت يقال لهم آل بُلُخ ، بضم الباء واللام وآخره خاء معجمة ونسبهم في مذحج . وكان واحد زمانه كرما وحلما وتواضعا .

حكي من مكارمه ان جماعة من اعيان حضرموت قصدوه وحملوا له هدايا تناسب احوالهم . ولكن فقيرا صحبهم ، فلما سمعهم يذكرون هذا السلطان بالجود والكرم كما سمعهم يذكرون ما لديهم مما أعدوه هدايا للسلطان اجتنى اضغاثا من الأراك عدده سبعة أعواد وجعله حزمة ، فعندما وصلوا بلدة مرباط مقر السلطان الأكحل المذكور ، ودخلوا على السلطان المذكور وقدّموا إليه الهدايا . دخل معهم هذا الفقير . فسلّم ثم وضع حزمة الاراك بين يدي السلطان الأكحل وأنشد : -
جعلت هديتي لكم سواكا ولم أقصد به أحدا سواكا
بعثت اليك ضغثا من اراك رجاء أن اعود وان اراك

فما كان من السلطان الأكحل المنجوي المذكور إلا أن أعطاه مثلما أعطى سائر ضيوفه الذين قدّموا له أسنى ما يستطيعون اهداءه اليه من الهدايا فجعل له جاريتين ووصيفا يخدمونه مدة إقامته . وعند عودته الى وطنه أعطاه من كل ما في خزائنه سبعة أجزاء ، فما كان يوزن بالبهاركالحديد اعطى سبعة ابهرة وما هو ( بالمن ) كالزعفران أو بالمكيال يعطى من كل سبعة سبعة .ي-
وهذا مع اضافته الى ماتقدم عن المنجوي ممدوح التكريتي واكرامه له مما يدل على تاصل الكرم العربي في هذه الاسره الكريمه ، المعروفة بآل منجوه او المنجوين .
ولما لم يكن للسلطان الاكحل عقب ولم يكن في اهله من هو كفء حينئذ للقيام بالملك ، وكان اذ ذاك رجل يعمل بالتجارة للملك المذكور . وهو محمد بن احمد الحبوظي فقد قام محمد المذكور بالملك بعد وفاة الاكحل .
وكانت وفاة الاكحل كما في تاريخ ابي مخرمة بعد الستمائة ولم يذكر في اي سنة إلا أن الظاهر أنه بعد الستمائة بسنين ليست قليلة . لان المنجوي او ابن منجوه صاحب ظفار الذي ذكره المؤرخ علوي شنبل , وقال : انه يدعي انه ابن حارثة بن منجوة , توفي سنة 605 خمس وستمائة . ومن المستبعد ان يكون هو هذا . مع شهرة السلطان الاكحل عند الحضرميين , حتى صاروا يرحلون الى بابه للوفادة عليه لشهرته وكرمه . وان يكون المؤرخ المحقق السيد علوي شنبل يجهله , وهو هو المتتبع للحقائق , والمنقب عن الدقائق . والله تعالى اعلم .

آل الحبوظي وولايتهم على ظفار

بعد ان انتهت دولة المنجويين قامت مقامها دولة الحبوظيين , واولهم محمد بن احمد . وقد كان -ــ كما اشرنا آنفا ــ تاجرا يتجر للسلطان الاكحل .
ولما مات الاكحل ولم يبق له عقب ولم يوجد في اهله واسرته من يصلح للولاية وتوجد فيه الاهلية التامة لذلك . نهض محمد الحبوظي بتأييد اهل البلاد بالولاية بعده واضطلع بأعباء السلطنة .
والظاهر ان محمد بن احمد المذكور , لم تطل مدته ولم تعلم سنة وفاته , ولكن المؤكد انه توفي قبل سنة 620 عشرين وستمائة , وقد كان محمد هذا هو مؤسس الدولة الحبوظية بظفار , واستمرت بعده في عقبه الى سنة 678 هـ , حين قتل السلطان سالم بن ادريس الحبوظي كما سيأتي وانتهت بقتله .
وتولى ظفار بعد محمد بن احمد نجله احمد بن محمد الحبوظي , وكان ملكا جوادا شجاعا شهما حسن السيرة . وهو الذي اختط مدينة ظفار الجديدة عام 620 عشرين وستمائة , وأمر اهل مرباط ان ينتقلوا اليها فسميت باسمه واشتهرت بظفار الحبوظي .
الا انه في بعض السنين ثار عليه اهل مملكته ووجوه دولته بظفار وتألبوا عليه . ثم اعتقلوه وخلعوه ونصبوا ابن اخيه مكانه . فلما لم يجدوا ابن اخيه المذكور على ما توسموا فيه وسار فيهم سيرة غير مرضية . وبلغ خبر ذلك الى عمه احمد بن محمد وهو يومئذ في المعتقل . كتب من معتقله الى الوزير ووجوه دولته كتابا اودعه هذه الابيات :
حاشاكُمُ ان تقطعوا صلة الذي او تصرفوا علم المعارف أحمدا
هو مبتدا نجباء ابنا جنسه والله يأبى رفع غير المبتدا
أغريتم الزمن المعاند باسمه وحذفتموه كأنه ياء الندا

فعند ذلك أطلقوه وعزلوا ابن اخيه وأعادوه واليا عليهم . ومع ذلك لم يفكر احمد المذكور في الانتقام من احد من الذين باشروا القبض عليه وتسببوا فيه . فلم يحدث اليهم ولا الى ابن اخيه المعزول شيئا يكرهونه بل عفا عنهم وصفح .
ومن العجيب قول ابي مخرمة ( وهو اول من ملك ظفار من الحبوظيين . وقيل ان من ملكها أبوه ) , وهو بنفسه قد ذكر ان الذي تولى ظفار بعد الاكحل هو محمد بن محمد وهو والد احمد هذا .ثم ان خلعه وتولية ابن اخيه بدله يؤيد ما قلناه اذ تولية ابن اخيه دون غيره تدل على ان الملك سابق في نسبه وانه وارثه . وهذا لايكون الا اذا جدّه محمد قد ولي الامر قبله والله تعالى اعلم .
ولم يذكر الطيب ابو مخرمة سنة وفاته, ولكن المؤرخ شنبل ذكر ذلك فقال :- وفي سنة 628 ثمان وعشرين وستمائة توفي ابن الحبوظي في رجب.
وكانت الولاية بعد وفاة احمد المذكور لابنه ادريس بن احمد الحبوظي . وقد طالت مدة ولايته على ظفار الى نحو اثنتين واربعين سنة . اذ توفي سنة 670 سبعين بعد الستمائة في شهر رمضان منها . وعند ذلك تولى ابنه النابغة الشهم سالم بن ادريس الحبوظي .
وأصل الحبوظيين من حضرموت , ولكنهم انتقلوا منها إلى ظفار . ولعلهم ينسبون الى حبوظة بلدة او قرية كانت بحضرموت , ذكر صاحب الجوهر أن موقعها بين تريم والعجز . وقد دثرت ونُسي اسمها فلا تعرف الا في التاريخ .
أما بعد هذه المقدمة فسنسوق للقراء مانحن بصدده من تاريخ استيلاء سالم بن ادريس الحبوظي على حضرموت وما عقب ذلك . وكيف آل الامر الى تجهيز صاحب اليمن الملك المظفر على ظفار . وكانت نهايته ان قتل شهيد الدفاع عن وطنه ظفار .


سالم بن إدريس الحبوظي
صاحب ظفار
الذي استولى على حضرموت

هو السلطان سالم بن ادريس بن أحمد بن محمد بن أحمد الحبوظي الحضرمي الأصل ، صاحب ظفار ، الملك الشهم المتدين ذو الهمة العالية والنفس العصامية .
تولى أمر ظفار بعد وفاة أبيه وذلك سنة 670 هـ ، سبعين وستمائة ، وقتل عندما هاجمه جيش الملك المظفر .

كيف استولى الحبوظي على حضرموت :

لم تتفق المصادر التاريخية على كيفية استيلاء سالم بن ادريس الحبوظي على حضرموت ، إلا ان المصدر الحضرمي يقول بأنه اشترى شبانا من أهلها – وأهلها حينئذ بنو سعد – وخرج إلى حضرموت . ثم إنه دخل مدينة تريم مع من ظاهره من ( نهد ) وحصر فيها صاحبها ابن مسعود ، وقام تحتها ثلاثة أشهر ، ثم استفتح بلدة دمون فالعجز والغيل الاعلى وبلدة سيوون ، وذلك سنة 673 ثلاث وسبعين وستمائة .

ولما عجز ابن مسعود بن يماني صاحب تريم عن مقاومة الحبوظي وبرم بالأمر بعث ابنه الى ملك اليمن يستنجده ويستنصره على ابن الحوظي ، فلم ينجح وعاد الابن بدون طائل وليس معه من صاحب اليمن أي مدد . ولكن ابن شماخ حليف الملك المظفر صاحب اليمن وزعيم قبيلة خيثمة من نهد أقبل بعسكر إمدادا لابن يماني على مقاومة ابن الحوظي . فالجا الأمر ابن الحبوظي الى التحول من تريم الى دمون ، ثم الى شبام . وهناك اجتمع بأخيه موسى بن ادريس ، وكان مقيما بها . ولعله رأى الجو غير ملائم له فتجهز بعد ذلك للرحيل الى ظفار فغادر حضرموت وقد استناب في قراها آل كثير.
وبفتنة ابن الحبوظي التي اشتدت فيها مقاومة ابن مسعود ابن يماني له عظمت البليّة على تريم وأهلها حتى خلت من السكان فلم تقم بها جمعة مدة اقامة ابن الحبوظي بحضرموت وذلك تسعة شهور كاملة .

هذا هو ما ذكره المؤرخ الحضرمي الثقة علوي شنبل العلوي عن كيفية استيلاء الحبوظي على حضرموت . وسيأتي عن المؤرخ الخزرجي رواية ذلك بصورة اخرى . وفي ذلك ما فيه كما سنوضح ذلك ونرى أن ما هنا هو الصحيح .

أسباب تجهيز المظفر عليه وقتله :
من أسباب تجهيز الملك المظفر صاحب اليمن علي سالم بن ادريس المذكور ، ان الملك المظفر قد أرسل بهدية الى بعض ملوك فارس مع بعض التجار فرمت بهم الريح إلى ساحل ظفار . فاستولى ابن الحبوظي على تلك الأموال المهداة . فكتب اليه المظفر يقول له فيما يروي المؤرخون ( انه لم تجر بذلك عادة من اهلك ونحن سنحاسبك على قطع السبل وانت تعلم ما بيننا وبين والدك من الصحبة والمكافأة بيننا ، غير أننا نتأدب بآداب القرآن فان الله تعالى يقول : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) .

قالوا : الا ان ابن الحبوظي ازداد غلظة . ورد له بجواب قال فيه : ( هذا الرسول فأين العذاب ؟ ) .
يضاف الى ذلك أيضا أن صاحب الشحر راشد بن شجنعة بن اقبال المقدم ذكره قد اتصل به ابن الحبوظي واستماله اليه ثم أغراه وشجعه على الانفصال عن طاعة صاحب اليمن والتخلص من دفع الخراج السنوي الذي اعتاد تقديمه اليه .
فعند ذلك جهز المظفر على الحبوظي جيشا صحبة الامير غازي بن المعمار , قال ابو مخرمة : فوصل ابن المعمار الى ساحل ظفار ولم يفد شيئا ورجع مثلما جاء .
قال : فلما رجع ابن المعمار عن ظفار , تشجع ابن ادريس وازداد أملا في النصر . فجهز عسكرا وسار نحو عدن فلم ينجح وكان شأنه كشأن ابن المعمار . وكان المظفر اذ ذاك في الجند فاستشاط غيظا . ونزل الى عدن وجهز بنفسه الحملة الاخيرة التي قضى بها على سالم بن ادريس كما سنقص ّ بذلك . زاد الخزرجي ان السبب فيما صنعه الحبوظي بهدية المظفر الى صاحب فارس مجاعة عظيمة وقحطا وقعا بحضرموت اضطرا اهلها ان اقبلوا الى صاحب ظفار سالم بن ادريس الحبوظي وطلبوا منه مايدفعون به كَلَب الجوع تلك السنة وسلموا اليه مصانعهم وحسنوا له ذلك , فأجابهم الى ماطلبوا وخرج معهم الى حضرموت لذلك . ولم يعلم مكرهم ــ كما قال الخزرجي ــ فلما أخذوا منه جميع ماطلبوا سلموا اليه المصانع فقبضها وعاد الى ظفار . ورأى انه قد أفلح وأن حضرموت كلها قد صارت تحت يده . فعند ذلك مالوا ميلة واحدة على مصانعهم وأخذوها طوعا وكرها , فأصبح لا مال له ولا بلاد . فكاد يهلك أسفا على مافرّط في امواله في غير مواضعها ــ هكذا قال ــ وأن ابن الحبوظي لذلك اراد التعويض عما خسره . فصنع ماصنع بهدايا المظفر الى ملك فارس اهـ .
هذا هو ماذكره الخزرجي المؤرخ اليمني . وهو عندي غير مستساغ ولا مقبول . ولا ننفي ذلك تنزيها لأهل حضرموت عن وصمة الغدر والخيانة المجسمين في هذا الصنيع بصورة فظيعة . بل لامرين آخرين أولهما : مخالفة هذا لما نقله المصدر الحضرمي من ان ابن الحضرمي اشترى شباما من أهلها ثم استفتح سائر حضرموت بلداً بلداً كما تقدم مما قصصناه عن السيد شنبل المؤرخ الحضرمي . وصاحب الدار ــ كما قيل ــ ادرى بما فيه. وأما ثانيهما : فلأن فيما قصّه الخزرجي نفسه ما يناقض هذا , إذ قال عند ذكر توزيع فرق جيش الحملة على الحبوظي المشار اليها ., أن الفرقة التي كانت طريقها على حضرموت مافارقوا الحرب ليلةً لأنها مشحونة بقلاع بني الحبوظي , ولم يكن فيها من احلاف المظفر الا ابن شماخ وابن مسعود وفيهما أيضا ميل الى ابن الحبوظي الخ ... وهذا يناقض كون الحضرميين سلبوا ابن الحبوظي القلاع والمصانع التي سلموها له , وأنهم تركوا ابن الحبوظي لا مال له ولا بلاد الى آخر ماذكره .
ويمكن ان تكون قصة وقوع القحط والمجاعة واضطرار اهل حضرموت الى الاستغاثة بابن الحبوظي صحيحة , ولكنها كانت قبل هذا التاريخ . ففي تاريخ السيد شنبل العلوي مايدل على سبق تعلق بني الحبوظي بحضرموت قبل ولاية سالم بن ادريس المذكور وابيه ايضا . وذلك أيام احمد بن محمد الحبوظي . بل انه ينص على ان سلطة الحبوظي على بعض بلدان حضرموت كانت من ذلك العهد . فلا يستبعد ان يكزن ما حكاه المؤرخ الخزرجي جرى في تلك الايام فكان السبب في علاقة بني الحبوظي السياسية بهذا القصر . وأن يكون الخزرجي لبُعد الديار اختلط عليه الامر فنسب القصة لسالم بن ادريس , حفيد احمد بن محمد المذكور , وهو الذي اختط ظفار الحديثة.
وعبارة المؤرخ شنبل في حوادث سنة 623 أن فيها في ربيع الاول لعشرين بقين منه , حصلت رابطة الحبوظي بشبام باذن مسعود . ثم قال :ــ وفيها في يوم الجمعة لخمسٍ بقين من شعبان نقل مسعود رابطة ابن الحبوظي الى تريم اهـ , والرابطة هي الحامية , فيستروح من هذه ان قصة بيع مصانع حضرموت او رهنها كانت في ذلك العصر السابق , لا عصر سالم بن ادريس .
وقضية استيلاء سالم بن ادريس الحبوظي على هدية المظفر مشكلة في نظري لأنها لا تناسب ماعليه هذاالامير الشهم من كرم الاخلاق والشيم . ولا يسوغ بحال ان تكون مخترعة ويمكن أن يكون ذلك الصنيع صادراً لعداوة بين الملك سالم بن ادريس صاحب ظفار والملك المهدى له . ويترجّح لدي أن تكون لصاحب هرمز الذي هاجم ظفار سنة 658 , ونال منها ومن اهلها بالقتل والأسر ثم انصرف كما في تاريخ شنبل والله تعالى اعلم .




شرح قصة تجهيز المظفر
على ظفار

وشرح قصة حملة صاحب اليمن الملك المظفر على ظفار أنه لما علم الملك المظفر بغارة صاحب ظفار سالم بن ادريس الحبوظي على ساحل عدن
وكان المظفر يومئذٍ بالجند استشاط غضباً واستطار غيظاً ونزل في حينه الى عدن وجهز على ظفار جيشاً كثيفاً فيه عدد كبير من الفرسان والرجالة ، وفيه من العُدَد والذخائر والأزواد الشئ الكثير .
ففرق الحملة الى ثلاث فرق : فرقة في البحر ، وفرقة في البر على السواحل ، والفرقة الثالثة في طريق النجد طريق حضرموت .
أما الفرقة التي في البحر فجعل قائدها سيف الدين سنقر الترنجلي نقيب المماليك البحرية ، وأما الفرقة التي على الساحل وكانو اربعمائة فارس من المماليك وحلفاء السلطان المظفر ، فعلى المماليك القائد الأمير حسام الدين لولو التوربزي ، وعلى الحلفاء فيروز ، وعلى الجميع الأمير ازدمر ، أما الفرقة الثالثة التي كانت طريقها في بر النجد ، فكانو ثلاثمائة فارس قائدهم الشخ بدر الدين عبد الله بن عمر بن الجنيد وهم العرب ، فاخترقوا البلاد الحضرمية عنوةً .
ولم تزل كل فرقة تسير على حسب ما يمكنها من السير بمقتضى سهولة الطريق ووعورتها وعلى مقدار ما يعترضها من العراقيل أو عدم ذلك . فأما الفرقة التي كانت طريقها على حضرموت فما فارقوا الحرب ليلةً واحدة . لأنها كانت مشحونة بقلاع بني الحبوظي . ولم يكن بها من أحلاف المظفر الا ابن شماخ والشيخ عمر بن مسعود ، وفيهما ميل الى ابن الحبوظي أيضاً . ولم يزل رجال ابن الجنود يتخلفون عنه . فما وصل إلى ظفار الا بعد خمسة اشهر من حين خروجهم من صنعاء ، وما بلغ منهم الى ظفار الحبوظي الا مائة فارس وثلاثة عشر رجلا .
وأما الفرقة التي على الساحل فكانت طريقها أصعب الطرق ، فانها وعرة على شواهق الجبال ، وفي كثبان الرمل ، فكانوا يسيرون اصعب سير يسايرون السفن الحربية التي فيها زادهم وعددهم ، وكانت السفن مشحونة بأنواع الاسلحة وآلات الخيل وغيرها . وكانت الأسواق فيها قائمة كأعظم ما تكون الأسواق في المدن ، وفيها من أصناف الطباخين والخبازين والحلاويين وارباب الصناعات ، فإذا إلتوت الطرق وأبطأت عليهم المؤونة تعبوا فلم يزالو كذلك حتى جمعهم الله في بندر رسيوت .
عند ذلك أقبلت السفن كما قال الخزرجي كأنها العقبان وراءها الطريدة وهي المركب الأعظم والسيوف مسلولة والأعلام منشورة ، وفي هذه الطريدة الخزانة ومبلغها اربعمائة ألف 400000 دينار ملوكية . وأما القماش من البنادقي والسوسي والموصلي والزبيدي فلا يحيط بها الحصر .
قال الخزرجي : فللَه دره من ملك ملأت البحر والبر كتائبه ووسع العرب مواهبه ورغائبه فكان كما قال عمرو بن كلثوم :

ملأنا البر حتى ضاق عنا ووجه البحر نملؤه سفينا

ولما أجتمعت العساكر في بندر رسيوت كانت الخيل خمسمائة فارس والرجْل سبعة الاف راجل ، فساروا حتى بلغوا * عوقد * فأرجف عليهم بوصول خيل حضرموت والبحرين مددا لابن الحبوظي ، فتشاوروا ولكنهم قالوا إنما جئنا للقتال لا غير .
وقد كان من الحزم لابن الحبوظي ان لا يبرز لملاقاة هذا الجيش الكثيف الذي كان من سبعة آلاف راجل وخمسمائة فارس . وليس لديه ما يكافئ هذه القوة . بل ولم يكن في ظن عسكر شمس الدين ازدمر ان يبرز لهم سالم ابن ادريس , ولكن هكذا قضى الله وقد قيل : إذا نزل القدر عمي البصر . فما راع القوم الا ان أقبل اهل ظفار يقدمهم ملكهم سالم بن ادريس مستقبلا جيش المظفر . فاصطف الجيش لمكافحته ثم اصطدم الجيشان صدمةً واحدة ً جالت بها العساكر المظفرية ــ كما قال المؤرخ ــ جولةً اقتلعت فيها من الفريقين نحو خمسمائة فارس .
ثم كانت الهزيمة لاهل ظفار , فما نجا منهم إلا من استسلم للاسر , وكانت القتلى منهم ثلاثمائة قتيل , اما الاسرى فعددهم ثمانمائة , غير العبيد الذين أُخذوا . وقتل صاحب ظفار سالم بن ادريس في تلك المعركة , ولم يُعرف الا بمصحفه الذي يصحبه , عرفه به اخوه موسى . وأخذ راسه , وطلب أهل ظفار الذمة فأعطوها .
ودخلت الاعلام المظفرية ظفار , وكانت الواقعة يوم السابع والعشرين من رجب سنة 678 هـ , المذكورة . وفي اليوم الثامن والعشرين وقع العفو عن الناس كلهم , فخطب للمظفر على منابر ظفار يوم الجمعة الثالث من شهر شعبان وقبض الامير ازدمر قصر ظفار .
وبعد هذا تسلموا مدينة شبام حضرموت , وذلك يوم الثامن من شهر رمضان سنة 678 هـ , وقد قبض اعوان المظفر كافة بني الحبوظي في اليوم السادس من رمضان من السنة المذكورة , فحملوا الى زبيد وبقوا بها حتى انقرضوا . قال الخزرجي : ولم يبق منهم في عصرنا احد , فسبحان من لايحول ولا يزول ملكه .
وبقي أميرا على ظفار سيف الدين سنقر الترنجلي نائباً عن الملك المظفر , وعين على حضرموت محمد بن محمد ناجي . وسياق هذه الاخبار يدل دلالةً بيّنة على ان الرسوليين تسلموا حضرموت من ايدي الحبوظيين مباشرةً , ولا يؤيد ماقيل من غدر الحضرميين بآل الحبوظي من قبل ذلك وطردهم عنها , والله أعلم .

إقطاع المظفر ظفار لابنه الواثق :
ثم إن الملك المظفر أقطع ظفار ابنه الواثق واسمه ابراهيم على ما حكى الخزرجي , أو عليّ على ماحكى ابومخرمة في قلائد النحر واسم المظفر يوسف بن المنصور الى آخر نسبه المقدم ذكره , فسار اليها وذلك سنة 692 هـ اثنتين وتسعين وستمائة . فاتجه اليها بطريق البحر من عدن في شهر رمضان من تلك السنة . ولم يزل بها محمود السيرة الى ان توفي فيها سنة 711 احدى عشرة وسبعمائة . قال ابو مخرمة : وكانت له مشاركة في الفقه والنحو واللغه . وله شعر حسن , منه ماكتبه الى والده المظفر من جملة قصيدةٍ يمتدحه فيها : ـ
ما أنت الا دوحة أنا غصنها إذ خير مافي الدوح غصن مثمر
قال الخزرجي : واستقل اولاده بالملك هناك و فهم ملوك ظفار إلى يومنا هذا , وقد توفي الخزرجي سنة 812 هـ , وقد زارها ابن بطوطة في رحلته التي ابتدأها سنة 725 هـ أيام ملكها المغيث بن الملك الفائق بن الجواد الرسولي المتولي عليها قبل اخيه المظفر المقتول سنة 775 هـ .
ولم تزل ظفار في ايدي بني الملك الواثق , يتوارثون ولايتها الى سنة 807 سبع وثمانمائة حينما أخذ آل كثير ظفار . وأخرجوا السلطان الرسولي منها وغادر تلك الناحية الى اليمن .
وبعد ذلك استمر آل كثير بها . الى ان صارت تحت سلطة امام اليمن في عهد المتوكل على الله اسماعيل وذلك سنة 1065 خمس وستين والف عندما اعترف سلاطين آل كثير بالطاعة للإمام المتوكل على الله , واستمرت الخطبة له في جميع نواحي حضرموت وظفار . الى ان ثار السلطان بدر بن عبدالله بن عمر على عمه بدر بن عمر الكثيري فقبض عليه فرأى الإمام ان ذلك انما حدث لكون بدر بن عمر المذكور كان واليا من قبله . فجهّز على حضرموت بجيش جرّار على رأسه الصّيفي احمد بن الحسن . فاجتاح حضرموت ولكنه لم يتمكن من الزحف على ظفار وعليها يومئذٍ جعفر بن عبدالله بن عمر . ثم تداعت الدولة الكثيرية وانهارت في ظفار وحضرموت كما سيأتي شرح ذلك في حينه . فوجّه أهل ظفار أنظارهم شطر الدولة العثمانية , فكانت تبعث إليهم نوّاباً من قِبَلها .
ومن أبرز من ولي على ظفار في تلك الفترة السيد فضل بن علوي بن سهل العلوي الحضرمي المتولي عليها سنة 1290 هـ تسعين ومائتين وألف , الى سنة 1296 هـ , ست وتسعين ومائتين وألف .
ثم صارت ظفار متعلقةً بعمان ومسقط , وصار أمرها إلى سلاطين مسقط وبقيت كذلك ولا تزال حتى الآن كمسقط تحت أولئك السلاطين , فسبحان من بيده تصاريف الامور)) .

هناك 11 تعليقًا:

  1. هوب شجنعة ف تاريخ ظفار ✌

    ردحذف
  2. س بعد سقوط الدولة الحبوظية 0000 من هم ورثتهم واين يسكنون ام ان الاسرة انتهت وانتها نسلها

    ردحذف
  3. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  4. من لدية تفاصيل ومعلومات حول اسرة الدولة الحبوظية او افادتنا عن كتب تاريخية تخص هذا الشأن يتواصل معي اتصال او واتسب
    00966558733396

    ردحذف
  5. الملك عمر الشجاع الكندي حكم ظفار ٧٦٠هجري حينما كان وزير الحاكم الرسولي المغيث بن الواثق ثم حكم بعد عمر الشجاع ابنه البدر ثم اولاده من بعده الى ان وقعت بينهم فتنة عظيمة واقتتال وتفرق الشمل كما ذكر ذلك ابن حجر في كتابه إنباء الغمر

    ردحذف
  6. وتوجد حقائق تم قلبها أو تغييبها في طرح هذا الموضوع - فعليك بالأمانة العلمية يا اخي كاتب الموضوع

    ردحذف
  7. عمر الشجاع الكندي من بني مالك بطن من بطون كندة حكم ظفار بعدما قتل حاكمها المغيث بن الواثق الرسولي

    ردحذف
  8. اين تاريخ كندة ياشيخ
    الامانة الامانة

    ردحذف
  9. قبايل الحكلي اقدم من سكن ظفار

    ردحذف
  10. الكثير هم من حكموا المهره

    ردحذف
  11. لقد تغيرت حياتي تمامًا عندما التقيت بمؤسسات القروض الائتمانية بالصدفة على الإنترنت! حول كيفية تقديم قرض جيد عبر الإنترنت بفائدة 2٪ وقررت أن أطلب قرضًا في أسرع وقت ممكن. يجب أن تتجاهل كل مقرضي القروض هؤلاء، لأنهم جميعًا عمليات احتيال ... عمليات احتيال حقيقية ... لقد كنت ضحية لسرقة آلاف الدولارات مني ... لكن (loancreditinstitutions00@yahoo.com) whatsapp: +393512640785.
    وافقوا على قرضي بنسبة 2% فقط في غضون 48 ساعة بعد تلبية متطلباتهم الضرورية، وتم إيداع قرضي في حسابي البنكي بدون ضمانات.

    أنصح أولئك الذين جربوا كل ما هو ممكن وفقدوا الأمل في كيفية اقتراض الأموال من البنك أو البحث عن قرض لتعزيز أعمالهم وفقدوا الأمل في الاتصال بـ (loancreditinstitutions00@gmail.com) Whatsapp: +393512114999. أنا أثق بهم تمامًا ولا تترددوا في الاتصال بهم.

    محمد ورد أرسل من الآيباد الخاص بي

    ردحذف