الاثنين، 26 أكتوبر 2009

أوضاع ظفار الإجتماعية في كتاب البلاد السعيدة ، أحمد بن محاد بن سعيد المعشني

أوضاع ظفار الإجتماعية في كتاب البلاد السعيدة عنوان ورقة بحث لاحمد المعشني عرضت في ندوة ظفار عبر التاريخ وفي الكتاب الذي صدر عن الندوة فيما نستعرض هذه الورقة

((الاهتمام الاوروبي بالجزيرة العربية وظفار

وعلى الرغم من اهتمام الغرب المسيحي بأوضاع العالم الاسلامي بسبب حالة الصراع والعداء التي سادت العلاقة بين الطرفين ، ابان انتشار الاسلام إلا ان الجزيرة العربية ظلت المنطقة الأكثر غموضاً لدى الغرب .

إذ شكلت هذه المنطقة البعيدة عنه جغرافياً لغزا ً محيراً ، بما تحويه من اسرار ، وبما نسج عنها من أساطير وحكايات ، وإذا اخذنا وجهة النظر الأوروبية أمكننا القول انه اعتباراً من القرن الخامس الميلادي وحتى عصر النهضة الأوروبية لم يكن لأوروبا أية فكرة واضحة عن شبه الجزيرة العربية كما تقول جاكلين بيرين ، لذلك فما ان بدأ عصر النهضة الأوروبية وبدأ عصر الاستكشاف الاوروبي حتى طرق أبواب الجزيرة العربية عدد من المغامرين والرحالين الأوروبيين يدفعهم كثير من الغايات والقاصد لارتياد هذه الاصقاع ، وأتت أيضاً بعض البعثات الاستكشافية الممولة من الحكومات الغربية .

ومن أشهر الامثلة لهذه البعثات البعثة الدنمركية أو بعثة نيبور الى بلاد اليمن عام 1761م ... وكانت أكثر المناطق إثارة لاهتمام الغرب في بداية عصر الاستكشاف مناطق اليمن والحجاز .


هذا بالنسبة للجزيرة العربية عموماً ، اما ظفار التي نحن بصدد الحديث عن نتائج إحدى الرحلات الاوروبية إليها في هذا المبحث ، فإنها بقيت لقرون مصدرا لأطماع للعديد من الشعوب التي وصلها شذى رائحة لبانها الشهير ، الذي مثل أحد مصادر تجارة العالم القديم ، هذه الشعوب التي لم تعرف الكثير من الحقائق عن أرض اللبان راحت تنسج الاساطير والحكايات علها تعوض هذا النقص الكبير في حقائقها التاريخية عن ظفار ، ومرة أخرى ولكون ظفار إحدى مكونات الجزيرة نجدها تقع تحت تصنيف المجهول بالنسبة للغرب ونجد المعلومات الأوروبية عنها متأخرة نسبياً ، ونجد المصادر الأوروبية مثلاً تشير إلى ان أفراد ا من البحرية البريطانية وصلوا إلى ظفار قبل نهاية القرن السابع عشر بعد تحطم سفينتهم .

وقد اكرمهم الأهالي وعاملوهم معاملة حسنة . ومنذذلك الوقت وصلت إلى أوروبا معلومات – وان كانت قليلة – عن ظفار .

وفي ثلاثينات القرن الماضي قامت البحرية البريطانية بمسح سواحلها ، وكانت أفضل المعلومات التي وصلتهم كما يقول بدول هي المعلومات التي كتبها القبطان هاينز الذي قابل رجلاً أمريكياً من بين رجال القبائل ، حيث يقيم في ظفار منذ ثلاثين عاماً مضت ، بعد ان أسره القراصنة ( حسب وصفهم ) واسلم وتزوج وقد وصف هاينز سكان المنطقة وهم من قبيلة ( الفرا ) بأنهم نشيطو الحركة وكرماء جداً .

ويقصد هاينز بالرجل الأمريكي الذي كتب عنه الصبي الأمريكي الذي أسره السيد محمد بن عقيل سنة 1805م ، من بين ركاب السفينة الامريكية ( اسكس ) التي استولى عليها ، ومن ثم اسلم هذا الصبي وكبر وسمى نفسه او سمى المسلم عبد الله لوليد او عبد الله السلماني كما تقول بعض الروايات المحلية .


أما اول من توغل في داخل ظفار لأميال قليلة بعد ذلك فهو ثيودور بنت وزجته مابل ، وذلك في عام 1884. إذ تجولا في المناطق الساحلية القريبة من الحافة حيث سكنا ، وفي المناطق الجبلية المجاورة لها .. وبعد مغادرة بنت وزوجته ( غير المحترفين لفن الرحلات ) ظفار ، يبدو انه لم ينوفر رحلات ذات شأن إليها ، حتى اواخر العقد الثالث من هذا القرن عندما جاء الى ظفار الرحالة الانجليزي الشهير برترام توماس .
برترام توماس ورحلته الى ظفار :

يعتبر برترام توماس أحد أشهر الرحالين الأوروبيين الرواد الذين زاروا الجزيرة العربية 0

وذلك لسببين :
الاول :
لما دونه من معلومات كثيرة ومتشعبة عن المنطقة التي تجول فيها ، وهي المنطقة الممتدة من ظفار في الجنوب إلى الدوحة في شبه جزيرة قطر في الشمال الغربي ، وان كانت ملاحظاته عن ظفار اشمل وأعمق .

الثاني :
يتمثل في اجتيازه لمنطقة الربع الخالي كاول اوروبي يتمكن من ذلك ، وقد يكون أول اجنبي يفعلها .. وقبل ان نبدأ مناقشة خواطر وملاحظات هذه الرحالة المغامر ، يجدر بنا أن نأخذ في الحسبان شخصيتة التي لم يعطنا مترجم الكتاب الاستاذ محمد عبد الله شيئاً عنها إلا ما أورده المؤلف بنفسه في متن الكتاب .

وبعد سعي غير مضن استطعنا الحصول على بعض المعلومات التي يمكن ان تسلط قليلاً من الضوء على المؤلف ، الذي أغفلت جل المراجع التي اطلعنا عليها ذكر الجانب الشخصي له .


يعتبر برترام توماس أحد الساسة والدبلوماسيين الإنجليز الذين خدموا في الاقطار العربية ، إذ عمل لمدة ثلاث عشرة سنة في السلك الدبلوماسي في العراق والاردن والخليج ، وفي اكتوبر من عام 1910 وصل إلى مسقط في عهد السلطان فيصل بن تركي ( 1888 – 1913 ) ، وأقام في الجزيرة العربية بشكل متكرر منذ سنة 1915 ، وفي عام 1924 عينه السلطان تيمور بن فيصل ( 1913 – 1923 م ) وزيراً للمالية في مجلس وزرائه .. وقام توماس برحلتين إلى ظفار الأولى في شتاء 1927 – 1928 والثانية في شتاء عام 1929 – 1930 ، وذكر في الكتاب أن الرحلة الاولى قطع فيها 600 ميل أي 960 كم أما الثانية فقطع فيها 200 ميل أي 320 كم على ظهور الجمال ، ونعلم ان توماس عبر الربع الخالي في رحلته الثانية ، وعلى هذا الاساس فليس من المعقول ان المسافة التي قطعها في هذه الرحلة 200 ميل فقط ، إذ نجد ان بين صلالة والدوحة لا يقل عن 600 ميل . وعلى ذلك فلابد من إعادة النظر في تقدير المسافة التي قطعها .

طاف برترام توماس في هاتين الرحلتين بإجزاء من ظفار ومنها عبر رمال الربع الخالي باتجاه الشمال . وفي عام 1931 أي بعد عام تقريباً من انجاز مهمته الثانية غادر مسقط ثم توجه إلى لبنان ( حيث أصبح أول مدير لمدرسة عربية ) .

وكانت مهمة توماس الرئيسية عبور منطقة الرمال ، لذلك نجده يقول : ( ولقد كان وصولي إلى مسقط تقريباً في تلك الليلة يعني عام 1910 تمهيداً لتحقيق الحلم الذي طالما روادني وهو الكشف عن أسرار الصحراء الجنوبية لربع الخالي ) .

كتاب البلاد السعيدة وأهميته :
الذي يهمنا كثيراً من أمر برترام توماس هو ذلك الكم من المعلومات التي دونها من خلال ملاحظاته ومشاهداته ، أثناء زيارته لظفار ... والتي أخرجها في كتاب هام سماه ( Arabia Felix ) ونشر في لندن ، وقامت وزارة التراث القومي والثقافة فيما بعد وعهدت إلى الاستاذ محمد أمين عبد الله – رحمه الله – بترجمة هذا الكتاب ، ومن ثم نشرته تحت عنوان ( البلاد السعيده ) عام 1981 م .

ان تتبع المؤلف في هذا السفر الكبير الواقعة ترجمته في أربعمائة وست صفحات ، والذي تناول المؤلف من المواضيع التي استطاع جمعها بنفسه ، او نقلها عن غيره ، يحتاج إلى وقت لا تتسع له أوراق هذه الندوة ، إذ نجد المؤلف يتحدث في هذا الكتاب عن الاوضاع الاجتماعية ، وعن التاريخ والجغرافيا وعن بعض الموضوعات العلمية مثل جيولوجية المنطقة ، كما يتحدث عن حيوانات ونباتات المناطق التي تجول فيها ، كذلك يتناول جانباً من ثقافة المجتمع وأحواله .

لذا رأينا ان نتتبع خطوات المؤلف وملاحظاته عن الاوضاع الاجتماعية التي دونها عن ظفار ، وذلك لأهمية هذا الموضوع من وجهة نظرنا ، كونه يعكس بعض الاوضاع التي سادت في المنطقة في ثلاثينات هذا القرن وكانت تشكل جانباً من التاريخ الحضاري لهذا البلد من جهة ، ولكون المؤلف قد وقع في مغالطات كثيرة كان لها الاثر الكبير في نقل صور غير دقيقة إلى حد كبير عن جملة من الموضوعات التي ناقشها من جهة أخرى ومن جهة ثالثة لان كتاب ( البلاد السعيدة ) أصبح من المراجع الرئيسية عن ظفار وتاريخها وحضارتها قلما يخلو كتاب يتناول شأناً من شؤون المنطقة في فترة ما بعد توماس – ان صح التعبير – من الاشارة إليه بين مصادره ومن المؤسف أن جل الكتاب الذين أتو بعد توماس اخذوا كلامه كانه مسلمة من المسلمات فلو أطلعنا مثلاً على كتبه الاستاذ صلاح البكري في كتابه القيم ( تاريخ حضرموت السياسي ) ، والذي سرد فيه طائفة من أخبار ظفار ، نجده نقل نقلاً حرفياً ما اورده برترام توماس ، وبنفس العبارات والصور تقريباً ، ولم يمض على نشر كتاب توماس سنة أو سنتان .

من هنا نرى وجوب قراءة الكتاب بكثير من الدقة والحذر لان الكثير من الملاحظات التي دونها المؤلف عن الوضع الاجتماعي – وعن سواه – قد جانبه فيها الصواب بشكل كبير كما أسلفنا ، وقد يكون سبب ذلك جهل المؤلف بالمنطقة لعدم مكوثه طويلاً بها . أو بسبب عدم قدرته على استيفاء المعلومات بشكل جيد ، أو قد يكون ذلك مرده إلى تعمد عدد من الذين التقاهم المؤلف واخذ عنهم ، إلى تشويه بعض الحقائق لاغراض ما قد يكون بينها التنافس القبلي او الاحقاد الشخصية ، أو الجهل ، او أن المؤلف نفسه عمد إلى تشويه الصورة التي نقلها لدوافع معينة ... أو قد تكون بعض المفاهيم والكلمات لم يحسن المترجم نقلها بصورة جيدة ونحن هنا اعتمدنا على النسخة المترجمة التي سبق ذكرها .

ومهما يكن من امر ، فانه على الرغم من العيوب الواضحة التي ظهرت في الكتاب ، إلا أنه يعد من المراجع الهامة التي يجب دراستها دراسة وافية للوقوف على مكامن الخطأ ومواطن الصواب فيه للاستفادة من الكتاب كمرجع رائد عن ظفار المعاصرة .

ان آراء المؤلف حول الوضاع الاجتماعية لظفار مبثوثة هنا وهناك في الكتاب ، بين صفحاته وبين سطوره وكلماته ، لذا حاولنا ان نستخرج هذه الاشارات من مضان الكتاب ونعيد ترتيبها ، في أبواب وضعناها عل ذلك يرسم لنا صورة محددة عما كان المؤلف يريد توضيحه ، ونبدأ مع ملاحظات المؤلف حول الوضع الاجتماعي لسكان ظفار في تلك الفترة التي زارهم فيها . ومن ثم نختم الحديث بتناول طائفة من عادات وتقاليد شاهدها المؤلف أثناء رحلته
يحاول المؤلف رسم صورة ما لمجتمع ظفار الذي استضافه ، وان كانت هذه المحاولة ليست من أولوياته ، إلا أنه يحاول وصف المجتمع من خلال مشاهداته في مدينة صلالة والمناطق الجبلية المحيطة بها ، ومناطق البادية التي مر بها .

وإذ اتبعنا النهج الذي رسمناه في بداية هذه السطور بتتبع الاشارات حول هذا الموضوع من بين سطور الكتاب ، نجد المؤلف يصف المجتمع في ظفار بانه يتكون من ثلاثة عناصر سكانية رئيسية هي : سكان المدن ، وسكان الجبل ، وسكان النجد أو كما يسميهم البدو .

وقد لاحظ المؤلف ان مجتمع ظفار في ذلك الوقت مجتمع تحكمه القبلية وتطغي عليه نزعتها ونزاعاتها واستنتج من ذلك – وهو محق – بأن بروز الروح القبلية بشكلها السافر أحد الأسباب المباشرة لحالة التخلف التي يعيشها المجتمع ، ويري ان هذه الروح تقل قليلاص في المدن وذلك بسبب وجود مقر سلطة الدولة المركزية .

ومن الامثلة التي ساقها المؤلف للاستدلال على طغيان الوضع القبلي على ما سواه ، وما نجم عن ذلك من آثار قوله عند حديثه عن وضع مجتمع البادية ، وهو بكل تاكيد ينطبق على شرائح المجتمع الاخرى ،
قال : ( السلاح والقتال والجمل هي دعائم القانون ، كما أن الاحقاد القبلية المتوارثة تمزق شملهم حيث القوة فوق القانون وحيث يتحرك كل فرد وسيف الخوف على حياته وممتلكاته مسلط فوق رأسه ... ) .

وفي هذا الصدد يشير أيضاً إلى ان الاعراف القبلية هسي السائدة وان أفراد هذه القبائل يحتكمون إلى ما سماه ( حكم العوض ) أو ( حكم الجوز ) ، وهذه التسمية غير صحيحة في اعتقادنا إذ ان العرف الذي يحتكمون إليه يسمونه ( سنن القبائل ) أو ( حكم السنن ) أما في المدن فالوضع مختلف قليلاً إذا كانت سلطة الحكومة مبسوطة وتفرض بعض القانون ولو بالقوة وعندما يحاول المؤلف وضع أمثلة للاحتكام إلى العرف نجده يقع في مغالطة ، فعندما يشير مثلاً إلى دية القتيل في جبل القرا وإنها تصل إلى خمسة آلاف ريال ، او يشير الى انه في بعض الاحيان عندما يعجز القاتل واهله عن سداد الدية يقوم اهل الميت بإعدامه .. وهذا امر غريب إذ لا صحة لتقدير الدية بمبلغ خمسة آلاف لانه في ذلك الوقت يعتبر مبلغاً كبيراً جداً ، ونتج عن ذلك ان الدية في الغالب كانت تعطي بشكل عيني من رؤوس الإبل والبقر والغنم والسلاح .

الامر الآخر إن الاعدام لم يكن معروفاً لديهم في ذلك الوقت فإما الدية من الثأر .

رد توماس في معرض تناوله الوضع الاجتماعي لسكان ظفار نفطة هامة ركز عليها كثيراً ، وهي انتشار الامية بشكل طاغ على السكان وفي ذلك يقول : ( ومن النادر ان ترى شخصاً يجيد القراءة والكتابة فيما عد بعض السادة المتجولين ، وقد ترقى إجادة القراءة والكتابة إلى مستوى السحر) .

وقد نتج عن تفشي الامية هذه العديد من الاعتقادات الباطلة والخرافات الزائفة التي أحاطت المجتمع بالطلاسم والاسرار ، فاعتقد الناس في الجن والعفاريت والارواح الشريرة ، ونسجوا الكثير من الحكايات والاساطير حول ذلك .

ومن ذلك مثلاً اعتقادهم بان العفاريت هي التي تاخذ أولادهم وإنها سبب موتهم .. ووصل بهم الامر في ذلك إلى درجة اعتقادهم في بعض الحيوانات ، ومن ذلك مثلاً اعتقاد ساد كثيراً في ظفار ، خاصة في السهل والجبل ، دار حول الضبع ، الذي نسجو حوله الكثير من الأساطير والحكايات .

وهنا اورد المؤلف حقيقة معروفة وهي أن معظم أهالي الجبل والسهل ( لا يحرمون أكل لحمه أي لحم الضبع ) فحسب ، وإنما يحرمون قتله أو الاشتراك في ذلك لانهم يعتقدون انه حيوان سحري وهو فرس الساحر ( والصواب مطية الساحره ) وان كل من يعتدي عليه لا بد أن يصاب بنوع أو بآخر من القصاص وهناك قصص كثيرة في هذا الموضوع لا يزال يرددها على مسامعنا كبار السن حول هذا الاعتقاد ، غير ان العديد من الرجال قد خرقوا وخالفوا ذلك الاعتقاد فتجدهم اكثروا من عمليات صيد الضباع حتى اوشكت هذه المخلوقات – التي ظلمت بهذا الاعتقاد – على الانقراض وقد أشار المؤلف إلى قلة أعداد الضباع التي شاهدها مقارنة بالحيوانات الاخرى في المنطقة .

ونرى ان هذه العقيدة قد اتت مع الهجرات الكبيرة التي وفدت إلى المنطقة في ذلك الوقت من المناطق القريبة .

وبالاضافة الى ذلك فان المؤلف يشير الى العديد من الخصال الاجتماعية المميزة التي اشتهر بها سكان ظفار . فيشير إلى الكرم وحسن الضيافة والنجدة والشجاعة ، كذلك يشير الى سيطرة روح الجماعة على سكان ظفار وفي ذلك يقول مثلاً :
( وعلى أي حال فان روح الجماعة هي الروح التي تسود مجتمعات البدو ) ، وكذلك يشير الى التسامح بين أفراد المجتمع على الرغم من الروح القبلية التي سيطرت تقريباً على الوضع الاجتماعي
فيقول مثلاً عن وضع الخدم :
( ووضع الخدم في هذه المجتمعات لا يقل مستوى عن وضع الاحرار ) ..
ويقول أيضاً : ( ان الخدم في هذه البلاد يتمتعون بحقوقهم الاجتماعية الكثيرة . كما يشير إلى عفوية البدوي وطيب عشرته في غير موضع من الكتاب .

ومن الصفات الحميدة التي لاحظها المؤلف في المجتمع عفة نسائه وفي ذلك يقول :
( وعلى الرغم من الحرية الواسعة التي تتمتع بها النساء فان السفاح يكاد يكون معدوماً ) ، غير انه يتطوع لتفسير سر هذه الظاهرة وهنا حركته بعض الأفكار والآراء وليس الموضوعية أو الأنصاف

فقال : ( وربما كان ذلك راجعاً إلى سهولة الزواج والطلاق أكثر مما يرجع إلى التطبيقات الشرعية المعمول بها في شبه الجزيرة العربية ) ؟ ولا نجد هذه الملاحظة بحاجة إلى تبرير . إذ ان سهولة الزواج والطلاق قد تكون من الأسباب الباعثة على انتشار الظاهرة وليس العكس .

وقد حاول المؤلف أثناء حديثه عن الوضع الاجتماعي للمنطقة ان يسجل ملاحظاته أماكن سكن بعض القبائل في ظفار حيث أشار مثلاً إلى التجمعات السكانية فسي السهول وفي الجبال والبادية ، غير انه لم يكن دقيقاً بشكل جيد في تحديد البعض ، فمثلاً نجده يقول :
( تستوطن ظفار قبيلتان رئيسيتــــــــــان هما قبيلــــة ( القرا ) التي تقيم في منطقة الجبل ( وقبيلة الكثير ) التي تعيش في القرى الواقعة على السهل ) وهذا الكلام فيه تستطيع كثير ولا يعكس الواقع السكاني للمنطقة حتى وان قلنا ان المؤلف يقصد بظفار منطقة السهول الجنوبية والجبال المحيطة بها لذا نجده في موضع آخر يناقض هذا التقرير بذكره للقبائل التي تستوطن منطقة الرمال وهي قبائل مهرة والرواشد وبيت يماني ... ومعظم قبائل العفر والمناصير وبيت كثير والمناهيل والصيعر والكرب .. وجزء كبير من منطقة الرمال التي ذكرها المؤلف تدخل في حدود ظفار جغرافياً .

ومن الموضوعات الهامة التي أثارها المؤلف بشكل فيه الكثير من التسرع وعدم الحكمة موضوع الأنساب وعلم السلالات ..وفي هذا السياق نجده يناقش هذه المسألة الخطيرة غير متوخ للدقة في كثير من الاحيان ، وكذلك نجده غير متقيد بالمنهج العلمي في طرحه ونظرته .. ومن المغالطات التي وقع فيها قوله :
( وتجمع كافة المصادر على ان عرب جنوب الجزيرة ينحدرون من أصل حبشي ) وماذا أيضاً ؟ يقول :
( ومع ذلك فيبدو من الغرابة بمكان ان نقرر ان المصريين وعرب القارة الافريقية هم العرب الاقحاح بين العرب الساميين ، اما عرب الشمال فهم عرب مستعربة أي انهم عرب بالتجنس والاستيطان أكثر منهم عرب بالسلالة ) .
وكنا نتمنى أن يذكر لنا المؤلف تلك المصادر ، وهل كان يقصد المصادر العربية أم المصادر الأجنبية .

ويقول أيضاً بشكل متعسف :
( ولا أتصور ان أحداً من الرحالين والعلماء الأوروبيين الذي أشرت إليهم آنفاً ( يقصد العالم جليسر والرحالة بيرتون ) له المام بالمجموعات القبلية التي ألقيت بها في ظفار الامر الذي يؤكد ان هناك من الاعتبارات التي ترجح كون هؤلاء العرب من سلاللات غير معروفة ) ! ألم يقل المؤلف قبل قليل ان عرب الجنوب ينحدرون من أصل حبشي ؟ فكيف يقرر هنا انهم من سلالات غير معروفة ؟
نجده بعد ذلك يقرر ويقول :
( وكان هذا الوعي بين السكان في ظفار ) بالفوارق العرقية بينهم وبين العرب بوجه عام مثيراً للاهتمام وربما كان ذلك دليلاً على احتمال ان يكون سكان القرا من سلالة الفاتحين الأحباش المسيحين الذين غزو جنوب غرب الجزيرة العربية وكان توماس يحاول الايحاء للقارئ بأن العرب الذين التقى بهم في ظفار وصحبهم في رحلته يعلمون ذلك ويقرون به ، ما هذا التناقض .

إن الامر لم يتوقف عند هذا الحد بل نجد المؤلف يحاول لي عنق التاريخ ، ونسبة هذه المغالطات التي تبناها إلى رجل مثل ابن بطوطة ، عندما نسب إليه أقوالاً لم يقل بها أصلاً بل قال بعكسها تماماً .. فنجده ينسب إلى ابن بطوطة هذه العبارة :

( وقد كتب الرحالة المغربي الذائع الصيت ابن بطوطة يقول : وبالاضافة إلى ذلك فان سكان ظفار يشبهون إلى حد كبير سكان شمال افريقيا في عاداتهم ، وملامحهم وعلى الأخص الأجزاء البارزة منها فهي لا تدل على انهم يمتون بصلة إلى عرب الجزيرة وانما تدل على انتمائهم الى البربر ) هل يقصد توماس ابن بطوطة الذي نعرفه هو الذي قال هذا الكلام أم هناك ابن بطوطة لآخر لا يعرفه أحد غير المؤلف هو الذي استقى منه هذا الكلام المعوج .. إذ ان ابن بطوطة الذي نعرفه يقول :
( واكثر أهلها أي ظفار رؤوسهم مكشوفة لا يجعلون عليها العمائم ، وفي كل دار من دورهم سجادة الخوص في البيت يصلي عليها صاحب البيت ، كما يفعل أهل المغرب ، وأكلهم الذرة وهذا التشابه ( يقصد بين أهل ظفار والمغرب ) كله مما يقوي القول بان صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير ، اليست حمير من قبائل العرب ؟

ومهما يكن من أمر فإن كلام توماس عن قضايا الانساب دفعة إلى تبني نظريات لم يجمع لها القدر الكافي من المعطيات حتى يثبتها مما حدا بالسير إثر كيث الـــذي شارك في وضع ملحق لكتاب توماس إلى القول :
( ان المعلومات التي تم الحصول عليها من برترام توماس قد ثبت انها على جانب كبير من الاهمية ولكن ليس بالقدر الذي يسمح بتفسير موضوع خطير كموضوع الأجناس .. ) ولا يحتاج كلام تومــــــاس إلى رد ابلغ من هذا .
ذكر المؤلف بعضاً من هذه العادات ومن ذلك مثلاً اشارته إلى انتشار ظاهرة الزواج المبكر لدى سكان ظفار ، سواء بالنسبة للذكور ام الاناث وان كانت لدى الاناث اكثر كذلك يلاحظ توماس ان البدو لا يعدون الزوجات إلا فيما ندر ويقول :

( وعلى الرغم من تعدد الزوجات ( الجائز ) الا انه يندر ان يكون للبدو أكثر من زوجة واحدة ذلك على الرغم من ان أغنياء البدو قد يتزوجون باكثر من واحدة إما بعد طلاق لاحدى زوجاتهم او بالجمع بينهن ) .

وعلى الرغم من ذلك فالانجاب عندهم كثير ، ويشير المؤلف كذلك الى قلة نسبة الطلاق عند البدو .

وفي معرض حديثه عن بعض العادات المرتبطة بالزواج ، نجد المؤلف قدوقع في عدد من الأخطاء ومن ذلك مثلاً قوله :
( إن أعلى مهر عند أهل الجبل لا يزيد عن عشرين بقرة أي ما يعادل مائتي ريال واقله بقرة واحدة )
وهذا الكلام غير صحيح . اذ من المعروف انه ليس هناك سقف أعلى وادنى بالنسبة للمهر لدى سكان ظفار بشكل عام ، إذ كان الناس في ذلك الوقت يعملون بالحديث الشريف
( أقلهن صاقاً أكثرهن بركة وبالنسبة لأهل الجبل نرى ان عشرين بقرة كثير قياساً لاوضاع الناس في ذلك الوقت ، كذلك نجد المؤلف يخطئ في اطلاق اسم ( جيلاب ) على الزواج إذ ان ( جيلاب )
تعني في الجبالية بيع الماشية ، ونرى انه كان يقصد ( قيلاب ) ( بالقاف الجبالية ) أي المهر وقد يكون هذا الخطأ نتيجة الترجمة الى العربية .. كذلك نجد المؤلف يقرر بأن الزواج في الجبل ( يتم بدافع النزوات ) وليس غيرها .
وهذا حكم بعيد عن الموضوعية والصواب .

كذلك اوقع المؤلف نفسه في خطأ آخر عندما جزم بأن عادة ظفار تفضيل ابن العم في الزواج لا توجد إلا عند قبائل المهرة دون سائر سكان ظفار وهذا ليس صحيحاً إذ أن هذا التفضيل موجود لدى معظم السكان تقريباً .

ومن المغالطات الغريبة التي وقع فيها المؤلف أيضاً ذكره لتقسيم متعارف عليه يتم بموجبه اقتسام المهر بين أفرد الاسرة خاصة عند قبائل الجبل والبادية ، ويضرب مثالاً على ذلك بقوله :
( وقد سمعت أن أحد العرسان دفع معراً قيمته مائتان ريال وهو مبلغ يضع صاحبته في أعلى السلم الاجتماعي . ويتم تقسيم المهر كالآتي : الأب يحصل على نصف المهر أي مائة ريال والاخ ثلاثين ريال والام عشرين ريال ، والاخت لا شئ والعم عشرين ريال والخال عشرة ريالات والعمة خمسة ريالات والخالة أربعة ريالات )

وقد تكون هذه الحالة التي أورها المؤلف فردية وان كنا نستبعد صحتها ، أما التقسيم الذي اورده كونه تقسيماً متعارفاً عليه فلا أصل له البتة ، إذ من المعروف ان المهر كله اوجله الى والد العروس في الغالب . هذه بعض الامثلة على العادات المرتبطة بالزواج التي أوردها المؤلف .

ونلاحظ ان توماس اورد كذلك إشارات قليلة بعد ذلك عن مراسم الزواج وما يصاحبه فنجده يقول مثلاً :
( وقد جرت العادة على ان يصاحب عقد القران احتفالات كبيرة الغرض منها تقنين الزواج وتوثيق عراة ، فيقوم الخطيب ووكيل الزوجة وهو في الاغلب والدها أو شقيقها بالحضور أمام القاضي لانه ليس من العــــــــادة ان يذهب القاضي إلى منزل العريس في المناطق الصحراوية ، وهناك طريقة أخرى تتم بها مثل تلك الامور ، إذ يمكن لبعض رجال القبيلة ممن سبق لهم ان تتلمذوا على يد أحد القضاة ان ينوبو عن القاضي في اتمام عقد القران وبذلك يعتبر الزواج قانونياً ) .

بعد ذلك اشارة المؤلف إلى ان العريس لا بد ان يقدم إلى عروسه مجموعة من الحلي بالاضافة إلى خاتم ( الزواج ) وعادة تقديم خاتم الزواج ليست موجودة في عموم الجزيرة العربية ، ونرى أنها ليست سوى من الخلفيات الثقافية للمؤلف .

كما يذكر توماس بعد ذلك عادة لسنا متاكدين من صحة حدوثها وهي قوله ( وتعتبر القبلة على الأنف هي مقدمة للدخول على الزوجة ) .. ثم يتطوع ويقرر نوع العلاقة بين الرجال والنساء في مجتمع البادية فيقول :
( ينظر الرجل الى المرأة على انها جزء من متاع البيت وربما كان ذلك طبيعياً بالنسبة للبيئة الصحراوية ) وهي ملاحظة بكل تاكيد ليست موفقة إذ نرى البدوي معتزاً بالمرأة إما كانت أم أختاً أم بنتاً ،
والمؤلف نفسه يقول : ( والمتبع بين سكان القبائل البدوية ان يرث الابن لقب والدته وليس والده ) ، وهذا الانتساب لا يدل بالتاكيد على نظرة متدنية للمرأة وإنها من سقط المتاع بقدر ما يؤكد على انها موضع اعتزاز وفخر .. وهذا الاعتزاز موجود في عموم ظفار ،
فمثلاً نرى رجل الجبل عندما ( يتعزى ) فانه ( يتعزى ) باسم امه وليس باسم أبيه فيقول مثلاً : (انا ابن فلانة ) على الرغم من انهم لا يحملون أسماء أمهاتهم كما عند البدو .
عادات الختان :
__________

تناول المؤلف بعضاً من العادات المرتبطة بعملية ختان الذكور ،التي لها حتى عهد ليس ببعيد الكثير من الاهتمام ، والتي كان يرافقها الكثير من الأهازيج والاحتفالات ، فختان الذكور في مجتمع ظفار في تلك الأيام التي زار فيها توماس المنطقة كان من المناسبات الجميلة السعيدة ، والتي يحتفي بها الجميع ،

وفي ذلك يقول ( يعتبر الختان من العادات ذات الاهمية البالغة بين هذه القبائل .. ( يقصد قبائل ظفار ) ويختلف عنه في انحاء شبه الجزيرة العربية الامر الذي يوحى بأن للختان جذوراً نكاد تكون مستقلة ) ولا نوافقه على قضية الاستقلال هذه إذ أن مثل هذه العادات ، وان لم تكن بنفس الصورة كانت تتم في مناطق أخرى من الجزيرة العربية .

وفي أثناء ذكره لهذه العادة المتأصلة عند السكان نجده يصف لنا جانباً من الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة ، فيقول :

( ويحضر الاحتفال الذي يقام بهذه المناسبة كل من الرجال والنساء في منطقة مكشوفه فيؤتي بالشاب الذي يراد ختانه ويجلس على صخرة ويحمل سيفاً حاد الشفرة بيده ويقوم الشاب بقذف السيف إلى اعلى ثم يلتقطه بحيث تلمس راحته حد السيف ، ثم يأتي الخائن ، ويجلس إلى جانب الشاب .. ثم يجلس الشاب ويرفع يده اليسرى إلى اعلى انتظار لاجراء العملية وبمجرد انتهائها يتعين عليه ان ينهض ويدور حول الجمع يرفع سيفـــــــه ويخفضه بطريقة لا يظهر نتها أنـــــــــه يشعر بأي ألم .. وبهذا الاستعراض يثبت الشاب رجولته ) .

ومن الاشارات الغربية التي أوردها المؤلف في هذا الموضوع ونعتقد انه جانب الصواب قوله :
( بينما تقف خلف الخاتن فتــــــاة عذراء محجبة وتكون عادة إحدى قريبات الشاب أ اخته وفي يدها سيف .. )

كذلك قوله : ( ومن المألوف ان يقوم بعملية الختان احد زعماء القبائل أو شخص من عائلة مرموقة ) فبالنسبة لوقوف فتاة عذراء خلف المختون فان هذا مستبعد جداً ، لان نساء المنطقة معروف عنهن الحياء الشديد وهذا لا يسمح لهن التواجد بالقرب من المختون الذي عادة يكون كبيراً في السن قد يصل إلى مرحلة البلوغ أحياناً ، وهذا الكلام لا يعني عدم حضور النساء لاحتفالات الختان .

اما النقطة الثانية التي اوردها المؤلف ويحدد فيها من يقوم بالعملية فالمعروف ان الذي يقوم بها عادة أي شخص لديه خبرة ودراية بصرف النظر عن مكانته ومركزه الاجتماعي ، ومن الجدير بالملاحظة ان الاشخاص الذين ذكرهم المؤلف عادة يترفعون عن إجراء عمليات الختان .

إضافة الى ذلك أورد المؤلف بعض الملاحظات الغريبة حول الموضوع ومن ذلك قوله :
( وفي تلك المناسبة تقوم النساء بانشاد الاغاني وقرع الطبول كما يقمن بتعرية صدورهن ابتهاجاً بذلك )
أن موضوع ابتهاج النساء وإظهار فرحتهن مفهوم ومعلوم في مثل هذه المناسبات. اما قرع الطبول وتعرية الصدور فمسألة تحتاج إلى إعادة نظر .

إذ ان ذلك يتعارض مع ما هو معروف عن عادات وتقاليد هذه المناسبة .
من خلال تتبعنا للاشارات التي دونها برترام توماس عن بعض العادات المرتبطة بالوفاة لدى سكان ظفار ، في ذلك الوقت نجده اهتم ببعض الجوانب الشكلية من هذه العادات ومن ذلك نجده يعطي اهتماماً لموضوع ( النحيرة ) وهو ما ينحر على الميت من ذبائح فيقول :
( إن تقديم الاضاحي وشئ من لحمها يعتبر من المناسبات الهامة التي يحرص عليها سكان المناطق الجبلية عند وفاة واحد منهم ، وهم يتمسكون بهذا التقليد أشد التمسك ، ويقضي بان يتم ذبح نصف عدد الماشية التي يملكها المتوفي ، كما توزع نصف تركته باعتبارها ضريبة على الورثة تؤدي بعد وفاته .. اما الفقراء منهم فيذبحون بقرة واحدة أو ماعزاً واحداً والحد الأدنى للذبائح هو عشرون ذبيحة بالنسبة للأثرياء او الذين يمتلكون اكثر من أربعين رأساً ..وقدتذبح بالاضافة إلى الابقار بعض الاغنام او الجمال غير أن ذبح الأبقار يعد دليلاً على مكانة المتوفي .
وفي يوم الوفاة وعند القبر تذبح بقرة او بقرتان ثم تتكرر العملية بعد مضي فترة قد تطول أو تقصر حسب إمكانيات أسرة المتوفي ، ولا تقدم الاضحية الكيرى قبل مضي نصف شهر إلى ثلاثة أشهر من تاريخ الوفاة حيث يتم ذبح عشرة إلى عشرين رأس بقرا أو ما يعادل نصف الماشية التي كان يمتلكها المتوفي ويسمى هذا ( يوم النحيرة ) .

ولنا على هذا الكلام عدة ملاحظات :

الأولى :
ان المؤلف يخلط بين النحيرة والاضحية ، إذ ان النحيرة هي ما يذبح على الميت من ذبائح كما ذكرنا ، وتحت هذا الاسم الجامع تنطوي مجموعة مسميات مختلفة ، فهناك النحيرة وسراج القبر والختم ، واما الأضحية فهي هنا لها معنيان الاول شعيره الأضحية المعروفة والثانية ذبيحة يقدمها أهل الميت بعد مدة معينة من وفاته – عادة بعد مضي عام وينوون بها أضحية عنه .

الملاحظة الثانية :
وهي حرص سكان الجبل على هذه العادة وهو صحيح ، وغالبيتهم لا يزالون حريصين عليها حتى الآن .

الملاحظة الثالثة :
هي قوله : ان نصف تركة المتوفي من الماشية تذبح عليه بعد موته والنصف الآخر توزع باعتبارها ضريبة على الورثه .. وهذا الكلام بعيد عن الصواب ، إذ لا يعقل ان تقسم تركة المتوفي إلى قسمين قسم للذبح وقسم للتوزيع ، وإذا كان هذا هو الحال فماذا يبقى للورثه ؟! نعتقد هنا ان المؤلف قصد باخراج نصف تركة المتوفي ، عادة إخراج ثلث مال الميت المنشرة بين سكان الجبل وغيرهم من سكان ظفار ، وحتى كلامه عن الحد الادنى للذبائح على الأغنياء التي تطوع بإخبارنا بأنها نصف التركة أو عشرين راساً فيها مبالغة كبيرة ، صحيح ان هناك من يذبح عليه أكثر من هذا ولكن ذلك ليس مقياساً وبسي هناك سقف معين .
وقضية نصف التركة ليست صحيحة إطلاقاً .

الملاحظة الرابعة
وهي قوله : ان ذبح الابقار تدل على مكانة المتوفي ، وهذا في حقيقة الامر مجانب للصواب ، فمن المعروف حب أهل ظفار للإبل واعتزازهم بها خاصة سكان الجبل والنجد ، ومن هنا فان ذبحها في مناسبات الزواج أو الوفاة يدل على مكانة الزوج أو المتوفي .
وليس ذبح البقر ، أما الغنم فإنها عادة لا تذبح في هذه المناسبات الكبيرة .

وبعد ان ذكر المؤلف ( النحيرة ) وما يتعلق بها عرج على موضوع التركة وهنا وقع في مغالطة كبيرة اخرى تمثلت في قوله :
( ويعقب هذه الوليمة توزيع تركة المتوفي على افراد اسرته . فبالنسبة لقبائل الحدود الجنوبية كقبيلة بيت كثير وقبيلة جبال القر فانه يتم توزيع الإرث عن طريق الرف وليس عن طريق الشريعة الاسلامية ، ولا تسمح قبائل بيت كثير لمديني المتوفي أن يأخذوا من ارثه أكثر من الثلث )

نجد المؤلف هنا يغالط نفسه فبعد ان قال ان تركة المتوفي من الماشية تقسم نصفين نصف يذبح عليه وصف يوزع على الناس كضريبة ، فماذا بقي هؤلاء الورثة ليوزع عليهم ؟! إذا علما ان تركة الميت عادة لا تزيد عن عدد معين من رؤوس الماشية والمغالطة الاكبر في هذه المنطقة هي قوله :
( ان تقسيم التركة لا تتفق مع الشريعة الاسلامية )
والذي يدحض هذا الكلام هو قول المؤلف نفسه بعد عدة أسطر فقط عندما قال :
( كما ان العرف بين القبائل الجبلية يختلف عنه بين قبائل الحدود الجنوبية .. وان كان في نفس الوقت يتفق مع الشريعة الاسلامية ) .

وقبل ان نختم اشارات توماس عن بعض العادات المرافقة للوفاة في مجتمع ظفار ذلك الوقت لا بد من ايراد ملاحظة هامة اشار إليها المؤلف بقوله :
( ولا يبيح العرف عند هذه القبائل ( يقصد القبائل الجبلية )
ان تبدي المرأة أي مظهر من مظاهر الحزن على موت زوجها بينما يباح ذلك لام المتوفي وبناته واخواته ، كما يسمح لهن بأن يندبن المتوفي ويرفعن أصواتهم باليكاء .. )

وهي ملاحظة صادقة ، إذ كان من العيب على المراة التي توفي زوجها ان ترفع صوتها بالبكاء او ان تبكيه بشكل علني ، ولا يزال بقايا هذه العادة سارية وان كانت بشكل أقل في المجتمع حتى يومنا هذا . ويختم ملاحظة توماس عن العادات المرتبطة بالوفاة بملاحظته بان الزنوج في صلالة يقيمون حفلاً تابينيا للميت بعد ثلاثة أشهر من موته .
عادات الاكل والشرب :
_______________

دون برترام توماس طرفاً من العادات والتقليد المتعلقة بموضوع الاكل والشرب ، وركز في هذا الجانب على بعض انواع الماكولات ، وبعض الاشارات المتفرقة عن موضوعات يمكن ادخالها في هذا الباب .

فالمؤلف يذكر على سبيل المثال ان اللحم هو الغذاء الاساسي عند سكان الجبل ، غير انهم لا يستسيغون اكل الدجاج وما يشبهها من الطيور والبيض .
ومن الغريب ان يستثني المؤلف لحم الغنم من اللحم الذي يعتبره غذاء السكان ، فيقول بعد ان يشير إلى قطعان الاغنام : ( واهل الجبل لا ياكلون لحومها ، وانما يقدمونها في الولائم والمناسبات للضيوف ) . إذ يعد لحم الغنم من أشهى اللحوم عند القوم ، لذلك يقدمونه إلى الضيف والغريب .

وفي سياق آخر يورد المؤلف ملاحظة نرى انه لم يوفق في رصدها بشكل جيد حين يقول :
( ان المرأة في هذه المنطقة تعمل في ظل نوعين من المحرمات ، فلايباح لها حلب الماشية كما لا يباح لها أن تطهو الطعام .. فهذه الاشياء تعتبر من الاعمال المخصصة للرجل ).
وهو بالتاكيد يريد هنا الاشارة إلى الطهي في المناسبات العامة ، أي الولائم مثل :
الاعراس والمآتم والختان والعزائم ، إذ يقوم الرجال في هذه المناسبات بالتكفل باعداد الاكل لانها مناسبات في الغالب لا يحضرها إلا الرجال أما الطهي في المنزل وإعداد الاكل للاسرة فإن الذي يقوم باعداده بطبيعة الحال سيدة البيت وليس غيرها .


ومن عادات الاكل التي أوردها المؤلف عن سكان المنطقة هو ملاحظته تقديم الضيف أولاً وتفضيله على اهل البيت وكذلك ملاحظته :
تقاسيم البدو للطعام القليل في الحالات التي يقل فيها الطعام لديهم ، وهي عادة منتشرة في عموم ظفار في ذلك الوقت ، كذلك يشير المؤلف إلى عادة البدو في انهم إذا حضروا إلى عين ماء بعد انقطاع يوم أو يومين ، ألا يشرب أحدهم حتى يكتمل الجميع في المكان .
ومن أكثر الملاحظات التي أوردها المؤلف غرابة في هـــــذا المرضوع قوله :
( ويحتفظ جميع أفراد قبيلته مهرة بهذا النوع من الكلاب ( يقصد السلوقي ) يصطادون به ( هكذا ) الأرنب والظباء كما يأكلون لحمها ) أي لحم الكلاب ، وهذا الكلام لا يحتاج إلى رد إذ أن أشد أنواع اللحوم حرمة عند المسلمين هي لحوم الكلاب .

لذا فان المؤلف لم يورد هذه الملاحظة نتيجة مشاهدة عين حسبما نعتقد ولكنة نقلها عن بعض المرافقين الذين قد يكون قصدهم من ذكر ذلك لرحالة اجنبي هو التشفي والعداء القبلي أو الشخصي بين أفرادالقبائل في ذلك الوقت .


بعد ذلك يسوق المؤلف عدداً من الاشارات المتفرقة عن هذا الموضوع ، إذ يذكر ان أفضل اللحوم عند البدو لحم الإبل وهذا لا شك فيه .

كذلك يورد ان من عادة البدو ألا يشربو ا وهم وقوف ، وهذه العادة بالمناسبة عامة في ظفار ، كذلك يشير المؤلف إلى تقاطر الرجال في الجبال إلى مكان الولائم على شكل جماعات يرددون الاهازيج .

وقد اشار المؤلف أكثر من مرة إلى حلول الضيوف في مخيمة أثناء الرحلة سواء في جبال ظفار ، ام في البادية ، ونلاحظ انه لم يكن مرتاحاً بوجودهم ، خاصة عندما وصل إلى منطقة الرمال وأصبح بعيداً عن مراكز التموين ، إذ نجده يتبرم من وجود الضيوف لأن ذلك ربما ينهي مخزونه هو ورفاقه من الطعام ، ويعطلهم عن مهمتهم في اجتياز منطقة الرمال ، وذكر ان رفاقه لم يشاركوه في هذا الشعور .

ونختم الحديث عن بعض عادات الاكل والشرب التي اوردها المؤلف بالاشارة إلى اهمية الحليب ، سواء حليب البقر عند سكان الجبال والمدن ، ام حليب الإبل عند سكان البادية والجبل ، وذلك لما يمثله هذا المصدر الغذائي الغني من اهمية فائقة لدى سكان ظفار .
عادات العلاج والتطبب :
________________
يشير المؤلف في هذا المرضوع إلى طرق التداوي عند السكان فيشير إلى التداوي بالاعشاب ، والكي كما تدخل في قائمة الادوية امعاء بعض الحيوانات البرية التي يصيدونها ، كذلك يشير الى ان الكي يأتي في المقام الاول بالنسبة للعلاجات ، خاصة عند البدو ،
ويقول : ( وقلما نجد بدوياً ليست به ندبه أو علامة الكي .. ) وهناك بعض من الناس يعتقدون في النفع الطبي للحم الضبع . وكذلك يرى بعض أهل الجبل ان الاكتحال بذيل الثعبان يقوي العيون .
كما تناول القليل من بول الناقة الصغيرة يفيد في آلام المعدة ومن العلاجات المستخدمة لعلاج بعض الامراض ذبح ذبيحة ورش دمها على المريض ) .

وهناك علاجات أخرى تدخل فيها الاعتقادات واحياناً الخرافات والشعوذة ومنها – كما يشير المؤلف –
الرقية بالبخور والتعاويذ والحروز ، وما يسميه خطأ ( حمراء الراية ) والصحيح ان اسمها ( احمرارها ) وبالجبالية اسمها ( رعيب ) أو ( رعبوت ) .
وهي لدواء العين او الحسد كما يقول ، والصواب ان البدو يستخدمونها لعلاج عدة أمراض مثل ، الحمى ولدغات الأفاعي والعقارب السامة .
وكذلك لعلاج بعض الامراض المستعصية . والطريقة الثانية يسميها ( الحبل ) ولا ندري من أين جاء بالتسمية إذ الأهالي يسمونها ( الذرع ) بالجبالية وهي نوع من التنجيم والشعوذة ، وتستخدم أيضاً في علاج بعض الأمراض التي استعصت على العلاج العادي .

بعض العادات الطريفة التي أوردها المؤلف :
______________________________
أورد المؤلف جملة من العادات الطريفة التي شاهدها بدى سكان ظفار ، ومنها :
قيام بحارة السفن التي تصل إلى الميناء باطلاق الرصاص في الهواء إعلاناً وابتهاجاً بوصول السفينة إلى البلاد .

ومنها أيضاً عادة غناء الخدم الصباحي عند القصر في حالة الحاكم أو أحد المهمين . ومن العادات الطريفة أيضاً عند أهل الجبل انهم يسمون حيواناتهم بأسماء معينة ، فكل بقرة اسم خاص ، كذلك الحال بالنسبة للإبل عند البدو وعند اهل الجبل 0

ومن العادات الطريفة التي ذكرها المؤلف أيضاً ، عادات التحية عند أهل ظفار ، فيشير إلى عادة تقبيل الخد لدى الرجال في جبال ظفار ، غير انه يخطئ عندما يورد طريقه التقبيل بأن الرجل يقبل الخد الأيسر للرجل الذي يلقاه ، ومن ثم يقبل كتفه الأيمن والصحيح في تحية القومان يقبل أحدهم الخد الأيمن لصاحبه ويضع كل منها راحته اليمنى على الكتف الأيمن للآخر .

اما مصافحة الرجل للمرأة من غير محارمة ، فقد ذكرها توماس موفق إذ قال :
( فانهم هنا يكتفون من هذا ( أي من المصافحة ) بلمس أطراف أصابع بعضهم البعض ( أي الرجل والنساء ) ويتعين على المرأة او الفتاةفي هذه الحالة ان تسحب يدها بسرعة فائقة يد الرجل أثناء التحية ، أما إمساك يد الفتاة أو لمس راحتها كما هو معروف في أوروبا ، فيعتبر عملاً منافياً للتقاليد ، وقد يدفع ذلك أهل الفتاة للانتقام من الرجل ) ولا تزال هذه العادة سارية لدى السكان .

وفي هذا الصدد أيضاً يذكر المؤلف طريقة التحية لدى بدو الرمال فيقول :
( ان التقبيل على الانف بين سكان الصحراء يحل محل المصافحة باليد ) .
وننهي حديث المؤلف عن بعض العادات الطريفة التي صادفته ، بهذه العادة الطريفة وهي عدم عندما قام أحد مرافقية من البدو يوضع حزام خراطيشه ( محزمة ) وكان خالياً على الارض فما كان من أصحابه إلى أخذ الواحد تلو الآخر يلقون بطقاتهم على الارض ، وعندما فرغ الجميع من ذلك كان لدى الشيخ سيف عشر طلقات ) وكانت هذه العادة منتشرة بين أبناء مجتمع ظفار ، ولهذه العادة مدلولات اجتماعية متعددة ، فهي تدل على روح التكافل ، كما إنها توحي بالبساطة والعفوية ، كما غنها تشير إلى الكرم والبذل ، خاصة إذا علمنا ان الذخيرة كانت من أغلى السلع ، فكانت الطلفة بريال واحد ، والريال في ذلك الوقت كانت له قيمة يعلمها من عايش تلك الفترة .))

هناك تعليق واحد:

  1. لقد تغيرت حياتي تمامًا عندما التقيت بمؤسسات القروض الائتمانية بالصدفة على الإنترنت! حول كيفية تقديم قرض جيد عبر الإنترنت بفائدة 2٪ وقررت أن أطلب قرضًا في أسرع وقت ممكن. يجب أن تتجاهل كل مقرضي القروض هؤلاء، لأنهم جميعًا عمليات احتيال ... عمليات احتيال حقيقية ... لقد كنت ضحية لسرقة آلاف الدولارات مني ... لكن (loancreditinstitutions00@yahoo.com) whatsapp: +393512640785.
    وافقوا على قرضي بنسبة 2% فقط في غضون 48 ساعة بعد تلبية متطلباتهم الضرورية، وتم إيداع قرضي في حسابي البنكي بدون ضمانات.

    أنصح أولئك الذين جربوا كل ما هو ممكن وفقدوا الأمل في كيفية اقتراض الأموال من البنك أو البحث عن قرض لتعزيز أعمالهم وفقدوا الأمل في الاتصال بـ (loancreditinstitutions00@gmail.com) Whatsapp: +393512114999. أنا أثق بهم تمامًا ولا تترددوا في الاتصال بهم.

    محمد ورد أرسل من الآيباد الخاص بي

    ردحذف